شعار قسم مدونات

هل كان الرئيس جمال عبد الناصر مطمئنا تماما للجيش؟

blogs ثورة يوليو

أبدأ بتقرير أن الإجابة بالنفي أو بالإيجاب ليست تمجيدا للرئيس الرئيس عبد الناصر كما أن الإجابة بالإيجاب أو النفي ليست انتقاصا من قدره، لكنٌنا في هذا السؤال وإجابته نُحاول أن نصل إلى الحقيقة التي لا يتوقٌفُ مداها وإنما يمتدٌ إلى الدول العربية التي استولى فيها العسكريون على الحكم قبل الرئيس عبد الناصر (سوريا) أو بعده (العراق ـ اليمن ـ الجزائر ـ اليمن الجنوبية – ليبيا) أو تبادلوا الاستيلاء على الحكم مع المدنيين والسياسيين (السودان).

 

ومع هذا فلربما أدخل إلى الموضوع مباشرة من زاوية النفي فأذكر مظاهر مُتعدٌدة وقف فيها الجيش المصري بكل وضوح ضد طموح الرئيس عبد الناصر وضد مشروع الرئيس عبد الناصر بما يجعل أيٌ مُحلٌل سياسي أو دارس للتاريخ يجزم بأن الجيش في حقيقة الأمر لم يكن مع عبد الناصر، وأنه إذا بدا أن الجيش كان مع الرئيس عبد الناصر فإن ذلك كان من خلال وسيط محبوب أو معبود أو مرهوب:

– فالمحبوب هو الرئيس محمد نجيب.

– والمعبود هو شخص بلغ حبه من نفوس الجيش مداه وهو المشير عبد الحكيم عامر.

– والمرهوب هو شخص صارم في ظرف لم يكن يحتمل إلا الصرامة وهو الفريق أول محمد فوزي.

 

ومن المدهش أن هؤلاء الثلاثة هم من تعاقبوا على منصب القائد العام للقوات المسلحة منذ 23 يوليو وحتى وفاة الرئيس عبد الناصر على الرغم من أن وزارة الحربية شهدت تعاقُبات أخرى كان من ضمنها أن تولٌاها في بعض الأوقات هؤلاء الثلاثة أو غيرهم من قبيل من حلوا الُمشكلة البروتوكولية أو الإدارية أو التأمينية وهذا موضوع آخر، لكن الذي لا شك فيه أن محمد نجيب أصبح هو القائد العام بقيام ثورة 23 يوليو وأن المشير عبد الحكيم عامر  أصبح هو القائد العام خلفا له بقيام الجمهورية وتولى الرئيس محمد نجيب منصب رئيس الجمهورية في يونيو 1953 وأن الفريق أول محمد فوزي أصبح القائد العام بنهاية حرب يونيو 1967.

 

في حرب 1956 قال الرئيس عبد الناصر لزميله لبغدادي إن جيشه خذله، وإن جيشه هزمه، وقال لغيره إنه يحزنه أن خُطط التسلح التي بذل فيها الغالي والنفيس والأعصاب والوقت قد ذهبت أدراج الرياح

فإذا كان الجيش كان مع الرئيس عبد الناصر طيلة هذه الفترة فلأن الجيش قد أحب نجيب أو تولّه في حب عيد الحكيم عامر أو اضطر إلى حب محمد فوزي وليس لأن الجيش كان مع عبد الناصر.. أو بعبارة أخرى تلجأ إلى لغة الميكانيكا العملية فنشبّه الأمر بناقل الحركة بين محورين، أو بعبارة ثالثة تلجأ إلى لغة الكيمياء المعملية فإن التفاعل الناصري مع القوات المسلحة لم يتم إلاٌ في وجود وسيط، أما التفاعل المُباشر فكان مُنذرا بالكوارث وغير قادر على إحداث أي نتيجة تفاعلية.

 

لا أظن القارئ بحاجة إلى أدلة على صواب هذا الطرح ذلك انه يعرف أن الرئيس عبد الناصر عانى من القوات المُسلحة في السلم والحرب على حد سواء، وأنه اشتكى من أداءها ومن توجٌهاتها كذلك، وأنه دخل معها في صعوبات واضحة، والأمثلة على هذا كثيرة.

 

ففي حرب 1956 قال الرئيس عبد الناصر لزميله لبغدادي إن جيشه خذله، وإن جيشه هزمه، وقال لغيره إنه يحزنه أن خُطط التسلح التي بذل فيها الغالي والنفيس والأعصاب والوقت قد ذهبت أدراج الرياح، وقد كان هذا المعنى واضحا بمفهوم المخالفة فيما تلا حرب 1956 من احتفالات ركٌزت بالطبع على المقاومة الشعبية في بورسعيد وغيرها التي أدت جماهيرها الواعية دورها بينما انسحب الجيش، ومع أن تكريما محدودا لقيادات الدولة قد تمٌت في أعقاب تلك الحرب فإن الرئيس عبد الناصر كان من الذكاء الحقيقي بحيث لم يتورٌط في تغطية الهزيمة العسكرية بميداليات عسكرية تحمل ذكرى معركة 1956 وإنما اكتفى في تمجيد هذه الحرب بالأداء الإعلامي فحسب، وظهر واضحا أنه بدأ يتململ من طلبات القوات المسلحة ومن رغباتها في المُميزات الفئوية والإحساسات الطبقية.

 

فيما قبل حرب 1956 كان الرئيس عبد الناصر قد واجه أصعب ما يُمكن لقائد انقلاب عسكري (أو ثورة) أن يُواجهه، فقد واجه رفضا قاطعا من أكبر وأهم سلاحين في ذلك الوقت للأداء المُبكٌر لمجلس قيادة الثورة (أو لقيادة الجيش الجديدة) وقد تمثٌل هذا الرفض والتمرٌد والاعتراض الزاعق فيما سُمي بمُحاولة انقلاب سلاح المدفعية في 1953، والتي اضطرت الرئيس عبد الناصر وزملاءه إلى أن يتولوا بأنفسهم الحكم بالإعدام على زملاء لهم حتى لو أن هذا الحكم لم يُنفذ فيما بعد،  ثم مُحاولة تمرٌد سلاح الفرسان في 1954 التي كادت أن تُنهي وجود مجلس قيادة الثورة لولا ما أُتيح لهذا المجلس من عون خارجي لم يكن زملاء السلاح يعرفون حدوده ولا اصله ولا فصله.

 

وبالطبع أو بحُكم طبائع الأشياء فإننا إذا كنٌا قد وجدنا فيما وصل إليه المؤرخين وإلى الصحافة محاولة ما معلنا عنها فإن هناك في المقابل عشر مُحاولات لم تصل إلى العلن ولا إلى الصحافة ولا إلى التاريخ. وليس هذا رجما بالغيب فإن هناك من المُحاولات الانقلابية والتمرٌدية عدد لا يُستهان به كشفت عنها الأوراق والروايات خلال الثمانينات ثم خلال التسعينات. بل إن نظام الرئيس عبد الناصر نفسه نسب إلى الإخوان المسلمين أو الضُباط من الإخوان المسلمين أو الإخوان الضُباط عددا لا يُستهان به من مُحاولات الانقلاب كان من أبطالها عبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي ومعروف الحضري.. الخ.

 

ربما ننتقل إلى حقبة الوحدة لنرى أن محاولات الخلاص من الرئيس عبد الناصر على يد ضباط القوات المسلحة قد تكرٌرت إلى حد مُزعج، وقد ظهر في كثير من رُواتها ومُحلٌليها أن المشير عبد الحكيم عامر نفسه أو الفريق المُقرٌب منه كان مُشاركا في هذه المحاولات أو مديرا لها أو منتظرا لثمرتها.. الخ

 

والقارئ لمحاولات داود عويس وغيره يعجبُ من هذا القدر من التبرٌم ضد الناصرية، كما أن المُتابع لقضية زغلول عبد الرحمن يندهش من أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه وعلى هذا النحو، وقل مثل هذا في محاولات أخرى من قبيل محاولات عاطف عرفة، ونصار.. الخ، ولا أظنٌنا بحاجة إلى كثير من التخيٌل لمدى هذه المُحاولات وقدراتها بعد أن نجحت إحداها وهي مُحاولة العقيد عبد الكريم النحلاوي في الانقلاب التام على حكم الرئيس عبد الناصر وإنهاء هذا الحكم ووجوده في سوريا.. فلم يكن عبد الكريم النحلاوي مدنيا ولا سياسيا وإنما هو ضابط وصل إلى العمل في مكتب المشير الذي هو مكتب الرئيس عبد الناصر نفسه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.