شعار قسم مدونات

من سلب عدن روحها؟

blogs عدن

تلك المدينة الساحرة على ضِفاف خليج عدن تصارع مع كُلِ اشراقة شمس الموت والاختطاف والفساد والمليشيات. ارتفعت حالات الاختطاف بوتيرة حادة خلال الأشهُر المُنصرمة وخصوصا للفتيات. كما ان عمليات القتل والتقطع ازدادت كذلك مما أدى إلى بث الرعب في اوساط المواطنين الذين لا يعلمون ماذا تفعل كل هذه المليشيات التي اغرقت المدينة في وضع أمني غريب حيث لا يعرف أحد من هو المسؤول عما يجري وكيف لكل هذه المليشيات المسلحة ان لا تستطيع ضبط الأمن. بل يذهب البعض بعيدا في تساؤلاتهم عن إن كانت هذه المليشيات والأجهزة جزء من المشكلة أم جزء من الحل؟ أسئلة كثيرة يطرحها المواطنون كل يوم في عدن وعيونهم كلها أمل بغدٍ يرون فيه مدينتهم بِخير.

 

آخر عمليات الاختطاف كانت لفتاة في الثالثة عشرة من عمرها تدعى شريفة من منطقة دار سعد أحد مديريات عدن. والغريب في الأمر أن المتهمين تم الافراج عنهم حسب شهادات عائلة الضحية بوساطات وصفقات مشبوهة. وقد سبقتها عشرات الحالات التي ما لبث أن لفها الصمت المطبق وكأنما هنالك من يسلب عدن روحها بصمت دون اكتراث لأنين أهالي الضحايا. من المسؤول عن هذه المهزلة التي تحصل في العاصمة المؤقتة والتي من المفترض ان تكون نموذج للمناطق المحررة؟ ومن مصلحة من أن تتحول المدينة إلى غاب بلا قانون أو سلطة.

 

ما نعلمه ويعلمه أبناء عدن هو أن هذه المدينة لطالما انحنت للعواصف منذ صيف ٩٤ ولكنها ما تلبث حتى تنهض من جديد كمارد هزم الموت وانتفض

القتل أيضا كشر عن أنيابه وأظهر وجهه القاتم، فما لبثت المدينة أن تتناسى جريمة قتل حتى تصفعها الأخرى وآخرها قتل الشاب محمد الملقب ب "الإقليمي" والذي أطلق الرصاص عليه وخطف ومثلت بجثته ليُرمى بها بعد ذلك على قارعة الطريق فيما يشبه مسلسل رعب تدور حلقاته في شوارع مدينتنا وبين حواريها العتيقة. هذا الفتى الشاب الذي لم يكد يكمل شهره الأول مع زوجته حتى باغتته أيدي الغدر لتغتال الفرحة من اعينه وأعين زوجته وأسرته.

 

ظاهرة أخرى صدمت المجتمع وهي اغتصاب الأطفال فلم تمر أشهر على آخر عملية اغتصاب لطفل في مديرية المعلا حتى ظهرت للسطح جريمة اغتصاب طفل آخر في نفس المديرية وسط تكتم شديد. وسط انتشار لظاهرة تعاطي المخدرات وغياب شبه تام للسلطات القضائية التي يعمل جزء منها ولكن ببطء شديد.

 

وكأنما هذا المزيج من القتل والاختطاف والاغتصاب يحتاج لإضافة أخرى ليزيد ألم المواطنين، فتهرول الخدمات منهارة هي أيضا متماهية مع هذه الكارثة فانقطاعات الكهرباء بدأت تدق على الأبواب حتى قبل أن يبدأ فصل الصيف. حتى مشروع عدن نت الذي استبشر به المواطنون خير قد تحول إلى اضحوكة على كل لسان لردائه الخدمة والفساد المستشري الذي يشوب عملية بيع المودمات والخطوط والتفاوت الغريب في سرعة الانترنت.

 

مسكينة عدن تلك المدينة التي ما لبثت ان تخلصت من بَرَاثِم كهنوت الحوثي قبل أعوام بعد أن ضحت بأغلى أبنائها في معركة التحرير حتى تلقفتها الجماعات المتطرفة الإرهابية لتقتل من تقتل وتفجر ما تفجر وتعبث بكل شيء وما أن تخلصت بعد ذلك من تلك الجماعات المتطرفة بفضل تكاتف كل أبنائها وأبناء المحافظات المجاورة الشرفاء حتى تلقفها هذا الوضع الغريب العجيب الذي لا يعرف له مسؤول ولا يعلم له طرف ولا ندري فيه من العدو ومن الصديق. هل تستحق هذه المدينة المسالمة كل هذه الهمجية والعبث ولما لا تبسط الدولة سيطرتها الفعلية على عدن.

   

ما نعلمه ويعلمه أبناء عدن هو أن هذه المدينة لطالما انحنت للعواصف منذ صيف ٩٤ ولكنها ما تلبث حتى تنهض من جديد كمارد هزم الموت وانتفض. مهما حاول هذا الطرف أو ذاك أن يستغل الوضع الصعب الحاصل فلن يتمكن من الاستمرار وكما قيل للحوثي والمتطرفين في السابق ستلفظكم هذه المدينة الطاهرة التي لا تقبل النجس نقولها اليوم لهذه المجموعات المسلحة التي لا يعرف لها أصل ولا فصل ستلفظكم عدن كما لفظت صالح والحوثيين والقاعدة. سترحلون وستبقى عدن شامخة شموخ شمسان وقلعة صيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.