شعار قسم مدونات

مؤتمر وارسو.. كيف نجحت إسرائيل بشراء حكام العرب بالمجان؟

BLOGS وارسو

احتضنت العاصمة البولندية وارسو، مؤتمراَ ضم أكثر من ستون دولة وبمشاركة عربية لأول مرة منذ تسعينيات القرن الماضي، السعودية والأمارات كانا أول المنفذين لأوامر ترامب الذي تزعم المؤتمر برفقة رئيس الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسط غياب معظم الدول العظمى أمثال روسيا والصين وبمشاركة مخيبة للآمال لكلاَ من فرنسا وألمانيا بل وحتى بريطانيا.

أنعقد المؤتمر في 13 و14 فبراير الجاري، وجاءت التصريحات بأن سبب الانعقاد جاء للتباحث حول السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط والذي دعت إليه الولايات المتحدة، وتم بمشاركة كبيرة من دول عربية وأجنبية لبحث تضافر الجهود الإقليمية والدولية لإرساء الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ووقف التمدد الإيراني.

تضافرت الجهود بالوفود إلى المؤتمر وكانت أبرز الشخصيات العربية والخليجية الحاضرة وبقوة هو وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ووزير الخارجية اليمني المدعوم خليجياَ خالد اليماني وكذلك وزير خارجية البحرين خالد بن محمد آل خليفة الذين فاجئوا الجميع وجلسوا جنباَ إلى جنب بجوار نتنياهو وهنا باتت الحقائق تكشف شيئاَ فشيئاَ، فجلوس حكام العرب والخليج على طاولة واحدة مع إسرائيل لم يحدث منذ أكثر من عشرين سنة وتحديداَ في مؤتمر مدريد عام 1991، ولم تكون نوايا التطبيع واضحة بهذه الدرجة رغم وجودها منذ سنين.

إسرائيل تعلم بأن نواياها في هذا المؤتمر لا تصلح بأن تكون عنواناَ له، اختلقت لنفسها محور التهديد الإيراني للشرق الأوسط وطرحته في هذا المؤتمر

تركز المؤتمر للتباحث في قضايا الشرق الأوسط كما صورته وسائل الإعلام، لكن جوهره ليس كذلك فثمة سببين رئيسين انعقد هذا المؤتمر لأجلهما، السبب الأول يكمن في الطريقة التي تمكن واشنطن وإسرائيل من التحشيد ضد إيران باعتبارها تشكل تهديدا خطيرا على الشرق الأوسط، وكيف يمكن تحجيم دورهم ونفوذهم في المنطقة لاسيما بعد فشل العقوبات الأمريكية نسبياَ على طهران، فجاء هذا المؤتمر لشيطنة العرب ضد إيران، وسعي اسرائيل برسم صورة سيئة لإيران لا تقل عن الصورة السيئة المرسومة على اسرائيل وكان حكام العرب هم الأداة لهذه الفكرة وهذا المؤتمر.

أما السبب الثاني والأهم هو رغبة إسرائيل بكسب حكام الخليج بصورة علنية فمرحلة التطبيع السرية باتت لا تناسب نتنياهو فوجد إن الفرصة للتطبيع العلني قد حانت وجاء الدور لشراء حكام الخليج والعرب بالمجان فكانت وارسو بوابة لاحتضان العرب لإسرائيل وهذا ما شاهده الجميع فهؤلاء لم يغادروا المؤتمر قبل التقاط صورة تذكارية مع ولي أمرهم نتنياهو ولم يجلسوا إلا بجوار حاكمهم نتنياهو ولذلك يمكن القول إن مؤتمر وارسوا جاء للإعلان الرسمي عن التطبيع مع إسرائيل.

ولأن إسرائيل تعلم بأن نواياها في هذا المؤتمر لا تصلح بأن تكون عنواناَ له، اختلقت لنفسها محور التهديد الإيراني للشرق الأوسط وطرحته في هذا المؤتمر، ولكن في الحقيقة وإن وجد هذا التهديد فهو لا يضاهي التهديد الصادر منهم باعتبار إن إسرائيل هي أكبر تهديد على الشرق الأوسط والعالم أجمع، ولكن رضوخ حكام العرب بأحضانهم ودعم الولايات المتحدة لهم صوروا أنفسهم بأنهم باحثين حقيقيين للسلام في العالم! 

لم يكشف المؤتمر خفاياه كاملة فثمة شيء وراء التطبيع توقعت إسرائيل أنه لا يخطر على بال أحد، فالضجة مع العرب والجلوس بجانبهم والصور التذكارية معهم لم تكن حباَ بهم من قبل نتنياهو أو اشتياقا لحكام السعودية أو الأمارات وغيرهم، في الحقيقة إن هذا التقرب الحاد ونقل نوعية التطبيع من السر إلى العلن جاء أيضاَ لاستخدام حكام الخليج من أجل موت القضية الفلسطينية وذلك عبر تطوير العلاقات وصقلها بشكل جيد وتبني هؤلاء الحكام وشراء ذممهم حتى يطمأن نتنياهو ببقاء فلسطين وحدها وبالتالي موت قضيتهم وهذا احد اهداف هذا المؤتمر.

الغريب والمتوقع أن حكام العرب نسوا إن "أي لقاء عربي مع نتنياهو، أو أي تطبيع أياً كان شكله مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، هو بمثابة طعنة للقدس وللشعب الفلسطيني وللدماء الفلسطينية النازفة، وهدية مجانية لتل أبيب، وتشجيع على احتلالها وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني".

سيبقى السؤال قائماَ "هل سينجح مؤتمر وارسو في تحقيق أهدافه المتمثلة ببسط النفوذ الأمريكي والإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية وبالتالي بدء عهد جديد بين نتنياهو الإسرائيلي وقادة السعودية والإمارات والبحرين اللذين أصبحوا يتناولون الخبز ويتقاسمونه على مائدة واحدة حسب تصريح نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، أم إن السحر سينقلب على إسرائيل هذه المرة وتفضح نواياهم بفشل المؤتمر لاسيما بعد الانقسامات التي حصلت في أوروبا وامتناع الدول العظمى عن الحضور"؟ 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.