شعار قسم مدونات

كيف تشوه المجتمعات المنغلقة نظرة الإنسان للآخر؟

blogs مجتمع

المجتمعات المنغلقة فكريا أو جغرافيا دوما تشعر تجاه الآخر المختلف في (الشكل، اللون، الاسم، السلوك، القيم، العادات الخ) تهديدا وخطرا، فترفضه وتقاومه بالسخرية أو العزلة أو حتى الإيذاء، ولا تعتبر أن هذا الاختلاف فيه تنوع إثراء وتكامل وفرصة للتطور. قد يقول قائل هذا كلام فلسفي تنظيري لا معنى له فهل يمكننا أن نلمس الأمر بشيء من الوضوح لنتفق مع هذه الفكرة أو نرفضها، إذا لنعطي بعض الأمثلة:

الأسرة المنغلقة.. قد ترى في الشارع على سبيل المثال تهديدا يستهدف منظومتها ومجموعة القيم التي غرستها في أبنائها وترى ذلك في المدرسة أيضا بما يحتويانه من كل جديد، فتحاول جاهدة احتواء أطفالها وربما عزلهم وستجد لغة الممنوع والحرام طاغية في السلوك اليومي بل إن أسهل حل هو المنع الكامل لكل تهديد من وجهة نظرها أما توجيههم وتهذيبهم في التعامل مع المستجدات من حوله كمقاومة ايجابية فهذا مفقود.

 

الانغلاق المكاني لا حل سهل للتغلب عليه خصوصا مع وجود المحتل الذي يفرض هذا الانغلاق أو الدكتاتور المتسلط، إنه حل غير متاح للجميع رغم بساطته فالاحتكاك المباشر بالثقافات والمجتمعات الأخرى يكسر هذا الانغلاق

الدولة المنغلقة فكريا.. لنأخذ مثلا السعودية فستجدها ترى في كل شيء تهديد لمنظومتها حتى قيادة المرأة للسيارة أو حتى الأخذ برأي فقهي سائد -مثلا الشيخ سلمان العودة أحد التهم الموجه له مخالفة الرأي للجهات المعتبرة دينيا في إشارة لهيئة كبار العلماء الحكومية- ولذا فهي تمنع وتقمع، وستجدها في النهاية إما تمنع تماما أو تنفتح تماما. ولو تأملت عشرات فتاوى الولاء والبراء المتطرفة تجاه الآخر دينيا والذي هو مواطن في نفس الدولة ستجدها خرجت من دولة لا يكاد يوجد آخر مخالف دينيا فيها إلا ما ندر، ويمكن الاستدلال على ذلك بعشرات الفتاوى لعلماء السعودية التي تحرم تهنئة المسيحيين المواطنين بأعيادهم رغم ندرتهم فيها.

الدول المنغلقة جغرافيا.. ولنأخذ مثال الصين التي جعلها هذا الانغلاق المكاني في وقت ما ترى في مطاعم الوجبات السريعة تهديد للقيم السائدة ولكل المجتمع. التنظيم والجماعة المنغلقة فكريا.. ستجد في هذا المثال أن حالة الانغلاق لدى كثير من هذه التنظيمات -علمانية، يسارية، إسلامية- تأخذ شكل امتلاك الحقيقة المطلقة والريبة من أي آخر كان سياسي أو فكري لذا فهي تشعر في القراءة خارج المنهاج المعتمد مثلا تهديدا لها، ناهيك عن القبول بالتعددية داخله في الرأي والأفكار التي يجمعون عليها وترفض تقبل التنوع داخلها، وحتى الخلاف بين كوادرها حول موقف ما في العلن تعتبره تهديدا وجوديا.

هذه بعض الأمثلة وهناك غيرها الكثير وقد نقع أنفسنا في شباك هذا الانغلاق دون أن ننتبه لذلك ولكن السؤال: هل يا ترى هناك عيب في الشعور بالتهديد الذي يحفز غريزتنا للمقاومة والرفض؟ طبعا لا، بل إن أي مجتمع أو فكرة لا تملك القدرة على مقاومة وتفنيد واختبار أي وافد جديد ليست جديرة بالبقاء. لكن ما يجب أن نرفضه هنا أن يتحول هذا الشعور بالتهديد نتيجة الانغلاق الجغرافي أو الفكري أو الديني لعملية اضطهاد أو سخرية أو عنصرية أو تهديد عنيف – بالعزل، الطرد، القتل – تجاه هذا الآخر المختلف عنا في (الشكل، اللون، الاسم، السلوك، القيم، العادات الخ) أو ما بتنا نعتبره مختلفا عنا.

أخيرا لك أن تتخيل حالتنا الانغلاقية المكانية في قطاع غزة – فلسطين التي تجعلنا أحيانا – أو كثيرا – نظن أننا مركز هذا الكون وكل مؤامرة أو انقلاب في العالم موجه لنا ويستهدفنا لا بل نعتقد أن الاهتمام من شعوب العالم موجه لنا ولمظلوميتنا فإذا خرجنا من عزلتنا المكانية عبر السفر أو على الأقل بالاحتكاك بالآخرين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تعرضنا لصدمة من اتساع العالم وهمومه واهتماماته والتي ليس شرطا أن نكون من ضمنها.

أما السؤال الملح فما هو الحل؟ أما الانغلاق المكاني فلا حل سهل للتغلب عليه خصوصا مع وجود المحتل الذي يفرض هذا الانغلاق أو الدكتاتور المتسلط –بالمناسبة المحتل والدكتاتور لن يختلفا كثيرا- أو أنه حل غير متاح للجميع رغم بساطته فالاحتكاك المباشر بالثقافات والمجتمعات الأخرى يكسر هذا الانغلاق أما عن الانغلاق الفكري فهو رغم صعوبته وخطورته فقرار نملكه جميعا ولكن قد نخشى اتخاذه. أما كيف نقاوم هذا الانغلاق الفكري فباختصار شديد ابدأ مقاومة الانغلاق الفكري لديك من خلال:
1. صدمة الذات والموروث بما لم تتعود سماعه ولا الاطلاع عليه.
2. اسأل ثم اسأل ونمي عندك مهارة التأمل والسؤال فكل إبداع يبدأ بسؤال.
3. اقرأ خارج الصندوق دون قيود فأنت لم تعد في مرحلة الوصاية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.