شعار قسم مدونات

ولع التقليد.. هل نرغب حقاً بحياة على النمط الغربي؟!

blogs مجتمع

تسعى الأمم الغالبة في فرض أحكامها وقوانينها على الأمم المغلوبة، وتسعى كذلك إلى نشر ثقافتها، والتاريخ مليء بالشواهد على ذلك، والإنسان المغلوب بطبعه كما عبر "غوستاف لوبون"، يعمل على تقليد الغالب أو القوي، ومن قبله ابن خلدون في مقدمته أشار إلى أن "المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب؛ في شعاره وزيه ونحلته وأحواله وعوائده. والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه.."، لذا، نشأ في الماضي القصير، وعلى عهد الاتحاد السوفييتي مصطلح "الاسلام الاشتراكي"، حيث سعى كثير من الكتاب المنتسبون للإسلام بالتوفيق بين المبادئ الإسلامية والاشتراكية، جرياً وراء ثقافة الغالب، واليوم، يحدث نفس الشيء إلا أنه وبمصطلح أخر وهو "الإسلام المدني أو الحداثي أو الديمقراطي".! 

ونتيجة للثقافة الديمقراطية الغالبة، يسعى كثير من الكتاب والمثقفون للتوفيق بين المصطلحات الإسلامية والغربية، من منطلق تقليد الأقوى والانبهار به والاعتقاد أن الكمال والصلاح عنده، فأصبحنا نرى من يوفق بين المصطلحات، كأن يقال مثلاً أن إجماع الفقه الإسلامي هو الرأي العام في النظرية الديمقراطية، أو أن أهل الحل والعقد هم أعضاء المجالس البرلمانية! ، والحقيقة، أن هذا الموضوع – موضوع الولع في تقليد الغالب أو القوي- ليس حدثاً جديداً، فقد أشار ابن تيمية رحمه الله إلى أولئك الذين يقومون بشحن الألفاظ القرآنية بالمحتوى الثقافي الأجنبي، حيث يقول: (يعبرون بالعبارات الإسلامية القرآنية عن الإلحادات الفلسفية واليونانية). إذاً، فالموضوع قديم، إلا أن المصطلحات وربما بعض المواقف والأفكار هي التي تغيرت فقط. 

نظرة حول النظام الغربي
الديمقراطية حتى في أجمل مظاهرها، لا تتعدى أن تكون نوعاً من حكم الإنسان للإنسان، ومتى كان حكم الإنسان للإنسان مبعثاً للحرية والسلام؟

ينظر الكثير إلى الغرب تلك النظرة البريئة والطفولية، والتي تكون اقرب إلى العاطفة منها إلى العقل، فتراه يتخيل أن الديمقراطية هي أن يسير الحاكم بين الناس دون بهرجة – كما عبر أحد المدونين هنا-، وغيرها من التصورات الطوباوية، فهؤلاء يتخيلون مدينة فاضلة عند تطبيق النهج الغربي. مع أننا لو نظرنا إلى الواقع، وأخذنا الولايات المتحدة الأمريكية كنموذج باعتبارها أم الديمقراطية وناشرتها في العالم، نجد أن رئيس الولايات المتحدة – المنتخب ديمقراطياً- يركب سيارة خاصة مصممة فقط للرئيس، ضد الرصاص، ومضللة ومزودة بأحدث الأجهزة.. الخ، وبموكب له أول وليس له أخر، ذلك في حال قرر أن يسير بموكبه بدلاً من الطائرة المخصصة له!

ولكثرة ما تطرق كلمات مسامعنا مثل التنوير.. الحداثة.. الدولة المدنية فأصبحنا نقرأها ونشاهدها في الصحف والكتب والبرامج، وحتى في حديث العامة، كأن يمازح شخص أصدقاءه ويقول لا بأس فأنا ديمقراطي، وأذكر أن أستاذا جامعيا كان يقول: سأخذ بجميع الآراء، إلا أنني سأفرض رأيي، مشيراً بذلك إلى الديمقراطية العربية!، والمقصود، أن انتشار هذه الكلمة بين الناس حتى أصبحت ثقافة، أو تعويذة وإكسير للهناء وضامن للبقاء.

تعتبر الديمقراطية على سبيل المثال شكلاً من أشكال الحكم، حيث يشارك فيه جميع أفراد المجتمع في اقتراح وتطوير واستحداث القوانين، أو بمعنى أبسط، هو حكم الشعب لنفسه. فالديمقراطية حتى في أجمل مظاهرها، لا تتعدى أن تكون نوعاً من حكم الإنسان للإنسان، ومتى كان حكم الإنسان للإنسان مبعثاً للحرية والسلام؟ بل إنه كان وما برح العامل الأقوى والأهم في ثورة الإنسان على الإنسان وكره الإنسان للإنسان. ومن جانب أخر، تمنح الديمقراطية جميع أفراد المجتمع حق المشاركة في استحداث وتعديل القوانين، وذلك في الأغلب من خلال مرشحين أو منتخبين، إذاً، فيستوي في النظام الديمقراطي العالم والجاهل، والمثقف والأمي، ولا فرق بينهما!، هذا، ومن خلال ذلك، يحق أن نسأل السؤال المشروع، هو متى كانت الجماعات هي التي تصنع الأمم؟ أليست الخاصة هي من تصنع الحضارات، وأعني أهل الاختصاص والحكمة والرأي؟ وإلى جانب ذلك، أن الديمقراطية تعتبر حِكراً على طبقة معينة فقط، فلا يستطيع الشخص العادي الترشح، لأنه في هذه الحالة يحتاج إلى أن يكون ثرياً أو ذا نفوذ وسلطة. 

هل المجتمعات العلمانية متقدمة فعلاً؟

انتجت الديمقراطية العديد من التيارات والأحزاب، كالعلمانية والليبرالية، حتى بعض الأحزاب الأشد تطرفاً وعنصرية، فقد خرجت من تحت عباءة الديمقراطية، وهتلر وموسوليني خير مثال على ذلك، فالديمقراطية تعمل على ظهور الأيدولوجيات المختلفة، وبمرور الوقت، تصبح الحياة تحت سلطان حزب أو تيار معين، كما يحدث في الغرب الآن، من سيطرة الليبرالية على مجرى الحياة، والتي في النهاية، تحدد هذه الأحزاب نمط ونهج الحياة من خلال قوانينها… 

ربما يقول قائل، ما علاقات هذه النماذج – التي سنذكرها- بالديمقراطية، يعني هل الديمقراطية هي المسؤولة؟، في الحقيقة، نستطيع التأكيد ونقول، نعم!، فالديمقراطية هي الوسيلة التي ظهرت من خلالها تلك الأيدولوجيات المختلفة، كالعلمانية والليبرالية، والتي بدورها أدت إلى السماح بظهور مثل هذه المخالفات، أو ظهور الحياة بهذا النمط والنهج. كما لا يخفى على كل عاقل مدى سطوة الرأسمالية وكيف بإمكانها ان تقنع الجماهير بأي حزب او قانون بحملة دعائية تخاطب القلوب وتدغدغ العواطف، ولماذا يختصر بعض الناس الغرب في أمريكا أو ألمانيا.. في حين أن دولا مثل اليونان وإسبانيا وغيرها العديد من الدول التي تنتهج النهج الغربي لكنها فاشلة بالمقاييس الغربية.. في حين دولة كسنغافورة حكمها دكتاتور ونقلها إلى ثاني دولة في سلم التنمية والتقدم حسب التصنيفات الغربية.

الغرب اليوم بات يعتبر التغيير هو الغاية وليس وسيلة للتقدم، فقتل الأجنة كان يقوم به بعض العرب في الجاهلية وبصورة أفضل من مثيلتها اليوم

ففي المجتمعات الديمقراطية أو الغربية عموماً، لا يُسمح بالزواج بأكثر من امرأة، وكما علق أحدهم بقوله: لا يجوز الزواج بامرأتين، لكن تستطيع الزواج بصديقك! لكن في الوقت نفسه، نشرت صحيفة "ريميني تودي" الإيطالية قبل شهر تقريباً خبراً عن شخص يدعى كازنوفا، بعنوان "أنجح عشاق إيطاليا"، حيث يقول الخبر أن هذا الشخص قام بإقامة علاقات جنسية مع 6000 امرأة، وقد توفي وهو مع سائحة عشرينية، بجلطة قلبية عن عمر 63. الشاهد من هذا النموذج الذي ذكرناه، هو عدم استنكار المجتمع الغربي – الديمقراطي- لمثل هذه التصرفات، بل بالعكس، وصف هذا الشخص على أنه "أنجح العشاق"، في الوقت الذي يستنكر فيه هذا المجتمع الزواج بامرأتين، وبعقد شرعي يضمن حقوق الطرفين، بالإضافة إلى ذلك هو ما تروج له تلك المجتمعات من اختزال العشق والحب بالعلاقات الجنسية. 

وكما نشرت صحيفة (NBC news) تقريراً حكومياً يقول إن الأمريكيين لديهم عدد أقل من الأطفال الرضع، حيث انخفض معدل الخصوبة الإجمالي على مدى سبعة سنوات، والأرقام لعام 2017 تمثل أكبر انخفاض في التاريخ الحديث. حيث يقول الخبراء إن هذا الانخفاض هو بسبب مزيج من عدة عوامل، بما في ذلك تغيير الاقتصاد، وتأخير الولادة من قبل النساء اللواتي يتابعن العمل والتعليم، وتوافر وسائل منع الحمل بشكل أكبر، وانخفاض حالات الحمل في سن المراهقة. وفي أمريكا أيضاً، وقبل فترة قصيرة، تم نجاح التصويت على قرار (reproductive health act) في ولاية نيويورك، حيث يسمح القرار بإجهاض الجنين في أي وقت من بداية الحمل حتى ما قبل الولادة ولو بعدة أيام!، حيث تستطيع المرأة الذهاب لأقرب عيادة طبيب للإجهاض، ويتم حقن الجنين بالسم! 

يمكننا القول إن الغرب اليوم بات يعتبر التغيير هو الغاية وليس وسيلة للتقدم، فقتل الأجنة كان يقوم به بعض العرب في الجاهلية وبصورة أفضل من مثيلتها اليوم، كما أن الشذوذ كان ثقافة سائدة في مجتمعات بائدة، ولا ندري هل مع الزمن سيصبح تحديد الزوجات بأربع في الإسلام تحجرا وذلك بعد أن يقتنع الغرب بضرورة تعدد الزوجات!، وهذا أيضا ينطبق على العلم.. فبدل أن يكون العلم وسيلة لسعادة الإنسان، أصبح غاية في حد ذاته وصرنا نسمع عن عمليات استنساخ لاأخلاقية أو أسلحة مخيفة تنشر القتل والتلوث بصور غير معهودة مسبقا. 

وعلى مدى التاريخ، هُزم المسلمون عسكريا من قبل المغول أو الحملات الصليبية، لكنهم لم ينبهروا بالغالب ولا حاولوا تقليده في أنماط حياته بل كانوا معتزين بثقافتهم وعقائدهم، وهذا كان يشكل على الدوام نواة للوقوف مجددا، ومصيبتنا اليوم ليست في التقدم الغربي المادي وتخلفنا عنه؛ وإنما في فقدان الثقة بهويتنا وثقافتنا، الأمر الذي قد يقضي على أي محاولة للنهوض مجددا. 

وبالطبع، إن ما أوردناه هنا هو بعض الأمثلة أو الشواهد عن تلك المجتمعات – الغربية – وليس الهدف منها التهجم على الغرب، بقدر ما هو رسالة الى الداعين إلى العلمانية في بلادنا، فهل حقاً نريد أن تصبح لدينا مثل هذه النماذج؟ هذا، ولم نتكلم عن الانتحار والفراغ الروحي، الإدمان والجرائم.. الخ. فالنماذج والاحصائيات والدراسات كثيرة جداً، وهذا ما يعلمه المهتمون والمتابعين للفكر الغربي وتياراته الحديثة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان