شعار قسم مدونات

رحلتي للبحث عن مجتمعنا المحافظ!

blogs - الشباب

يصعد أمام مسجدنا على منبره الصغير نسبياً، ثم يبدأ خطبته بشكل تقليدي التي أحفظها عن ظهر قلب، ثم يصمت للحظات، فيرفع رأسه وينظر لنا فيقول "لقد فرض الغرب علينا حرباً أخطر من حروبهم الصليبية، أحذركم أخواني من تكنولوجيا الغرب، انظروا كيف يستخدموها في محاربة الإسلام والمسلمين، كيف يخططون في اتلاف أخلاق شبان العالم الإسلامي بنشر مواقعهم الجنسية على الإنترنت أو ما سماه حينها بالشيطان الأعظم، كنت استمع إلى صرخاته بشكل جعلني أستشعر الخطر المحدق، لكن لم أكن أعرف مما أخاف في الحقيقة، لكن ربما لتنشئتي المحافظة جعلت من عقلي متحفز دائماً للهروب من مكائد الحياة والحفاظ على خلقي بعيد عن المكائد.

 

أتذكر حين خفت صوته وكأنه يخبرنا اسراً لا يريد أن يستمع إلىه أحد قال: إن الغرب الكافر يقوم بتركيب صور بناتنا المحجبات على أجساد عارية، ويقوم بتركيب أصوات عربية على مقاطع إباحية، وصحافتنا الصفراء البغيضة المسماة بصحافة الفضائح، تقددا على تلك الأخبار الكاذبة، فيقع في شراك تلك الأكاذيب كل من ضعف إيمانه وثقته في أخلاق المسلمين، ثم انهي حديثة لا تصدقوا أكاذيبهم معشر المسلمين.

 

صدر تقرير في نهاية العام المنصرم عن منظمة الصحة العالمية وبرنامجها المعني بمرض نقص المناعة "الإيدز" وأتت فيه بعد الأرقام التي قد تتحدث عن نفسها أكثر من محاولات الكثيرين تحليلها أو دفنها أو حتى دفن رواسهم.  نسبة المصابين بالمرض ما بين عام 2010 إلى 2018 في الشرق الأوسط زادت بنسبة 275% لتسجل المنطقة نفسها واحدة من أكثر المناطق انتشار لواحد من أخطر الأمراض الفتاكة مادياً ونفسياً.

 

نستنتج من الشواهد الكثيرة التي تمر علينا بشكل يومي، أن محاولة نسج أي حديث يدور عن الجنس يحفز المجتمع، والمجتمعات إلى تصف نفسها بالمحافظة تواجهه كل ظاهرة بقوانين ثلاثة

جاء في التقرير أن حوإلى نصف الإصابات كانت عن طريق الاتصال الجنسي المباشر، و28% عن طريق الاتصال الجنسي بين الرجال وبين بعضهم، و9% هي نسبة الإصابة عن طريق العاملين في المجال الجنسي، أما نسبة الإصابة بالمرض بسبب المخدرات فارتفعت إلى 18%. أشار التقرير إلى أن معدل الزيادات السنوية المسجلة، تثير مخاوف المنظمة من تحول تلك البلاد إلى بقع ينتشر منها المرض، حدد التقرير أربع بلدان في الشرق الأوسط كأكثر البلاد التي قد تشكل خطر. أتت مصر في المقدمة بمعدل يتخطى بكثير آخر معدل حققته منذ 2016 والذي كان 76%. استشعار منظمة الصحة للخطر جعل من القاهرة مركز لحفلتها ومؤتمرها السنوية، مستغلة الفرصة للحديث عن مدي انتشار المرض، وعن مخاوفها من زيادة تفشيه، بالتأكيد لم يهتم أحد بالأرقام التي ذكرت في المؤتمر، ببساطة لأن لم يهتم أحد به من الأساس، رافعين أيدينا دائماً بأن الحمد لله على مجتمعنا المحافظ، متخذين من القردة حكمتهم فلا نسمع ولا نتحدث ولا نري.

 

في يوم الثامن عشر من شهر ديسمبر عام 2011، كان المجتمع على اعتاب اهتزازة طفيفة حول قيمة ومعتقداته الراسخة، حين تم الاعتداء على فتاه متظاهرة التي حصلت تباعاً على لقب (ست البنات) وطاف مشهد الاعتداء عليها أرجاء البلاد، ولكن الاعتداء تلك المرة كان مغاير. خلع عبائه الفتاة كان كفيل لتحرك المجتمع كله، وأجبر العراك السياسي حينها على التوقف، ولو للحظات، من أجل الانتفاضة النسائية.

 

أحدثت تلك الواقعة شرخاً عميقاً في ضمير المجتمع، حتى أن البعض حينها أذال الحرج عن كاهله فوضعها على الفتاة، مستنكر عما أتي بها هنالك من الأصل. لذا فالشعارات التي برزت آنذاك عن "حرمة جسد المرأة" لم تصمد كثيراً، مما سهل بعد ذلك ارتفاع شأن الجمعيات النسوية، وبدأت تستقطب النساء لأفكارهن المتحررة من قيود المجتمع الذكوري كما يصفوه دوماً، والذي يأب من وجهة نظرهن أن يعترف بجرمة وتقصيره واضطهاده في حق نصفه الآخر.

 

لكن ولسوء حظ المجتمع، ولحسن حظ الباحثين عن حقائق الأمور في سفاسفها، ظهرت علياء المهدي بعد تلك الواقع، لتضع وجه المجتمع كله أمام فوه البندقية، فحين وضعت صورها العارية في مدونتها التي اختارت لها الثورة عنواناً، استطاعت أن تجمع المجتمع مرة أخري، ولكن ليس دفاعاً، بل هجوماً، وتحت تأثير الجحافل الغاضبة، تقهقر صوت (النسويات الجدد)، خوفاً أو اقتناعاً، لم تكن أفكارهن قوية لتصمد أمام المجتمع. بدأت القضية تأخذ طور آخر، وأن علياء في علاقة جنسية مع شخص لم تتزوجه، وهذا كان كفيل أن تتحول القضية من أفكار تطرح بشكل خاطئ، إلى أفكار لا مكان لها في مجتمع محافظ، تستوجب عقاب أشد مما طلب على المعتدين على (ست البنات).

 

نستنتج من الشواهد الكثيرة التي تمر علينا بشكل يومي، أن محاولة نسج أي حديث يدور عن الجنس يحفز المجتمع، والمجتمعات إلى تصف نفسها بالمحافظة تواجهه كل ظاهرة بقوانين ثلاثة، حددها مشيل فوكو في (كتابه تاريخ الجنسانية) تبدأ باللاوجود، والتحريم، والصمت، وتلك القوانين على حد قوله هي من تحدد المستجدات داخل المجتمع، لذا فبحثي هذا يشبه عملية فتح قلب شديدة التعقيد، نسبة نجاحها وفشلها متساوية.

 

حاولت أن أعتمد في البداية على ذكرتي المباشرة وربط الأحداث ببعضها، وتفسير كيف تحولت الأعمال الفردية إلى ظواهر مجتمعية، فلم أتذكر الكثير ربما يرجع إلى إني نشأت في مدينة تصنف جغرافياً بالفلاحة. الحدث الوحيد الذي ارتبطت به بشكل مباشر، كان بطله أحد زملاء الدراسة، حاولت بطرق متنوعة أن أساله عما حدث وقتها، فقد كان حدث مدوياً حينها في مدرستنا الإعدادية ومدينتنا الصغيرة. وافق في النهاية تحت إصراري، ولكنه اشترط عدم ذكر اسمه فلا يريد بعد كل هذا الوقت، أن تعاد قصته للتداول مرة أخرى بعد نسيانها.

 

أخبرته أن يخذ جولة في ذكرته ليخبرني عما حدث وكيف يري فعلته الآن بعد مرور كل تلك السنوات؟ قال بابتسامة عريضة، وماذا فعلت أنا كي أندم عليه، كنا أطفال حينها، تتذكر كنا نقضي معظم أوقاتنا في مقهى الإنترنت، فتعرفت على تلك الفتاة كما تعرفت على غيرها من خلال الفيس بوك، أخبرته أنه كان لديه شعبية في مدرستنا لما كان يمتلكه من وسامة، فقال إنها كانت سبب رئيسي فيما حدث، لم تكن أي فتاه وقتها تصمد أمامي بضع أيام، إلى أن أقرر تركها واكتشاف أخرى، كما قلت لك كنا أطفال حينها.

 

لكل مجتمع قوانين، وقوانينه تنبع من عاداته وتقليده التي تأتي بدورها من أفكاره وإيمانه، فأما أفكار المجتمع قد نستطيع شرحها بوضوح؛ من خلال المثل الشعبي القائل إن الإنسان حين مولده ينشطر نصفين ولا يكف من المحاولة أن يجتمع مع نصفة الآخر

سألته عما حدث بينه وبين تلك الفتاه؟ وبضحكة ساخرة نظر إلى وقال لا شيء، في ذلك اليوم كنت قد التقيت ببعض الأصدقاء، الذين بالطبع قدموا نصائح المجرب. انتظرت أذان الفجر حتى انتهي ثم ذهبت، أرسلت لها رسالة أنى تحت المنزل، فردت برسالة قصيرة "أهلي يستعدون للذهاب انتظر بضع دقائق" فضلت أن أرتكن إلى إحدى السيارات البعيدة، حتى إذا رأيت أهلها من بعيد يستقلون السيارة ويرحلون، صعدت فطرقت بأناملي باب المنزل. تصببت عرقاً حين استغرق فتح الباب دقائق، كنت مع كل درجة أخطوها وكأنها قفزة عملاقة، ربما قفزة لم يخطر لي في يوم قفزها، كنت بين صراع يفتك بعقلي ارحل واندم أم اقفز خطوة أخرى، لكنها فتحت الباب فشممت روائح جميلة تفوح منها، في تلك اللحظة جلي الصراع نهائيا من عقلي، ليصبح أمرا واقع.

 

دخلت وجلسنا بجوار بعض في مظهر كل ما أتذكره اضحك، نشاهد التلفاز، ثم بدأنا في تقبيل بعضنا إلى أن ذهبنا إلى غرفة نوم تبدوا غرفتها، ثم ألقيت بجسدي على السرير بشكل تلقائي، ثم لم أتذكر شيء بعد هذا إلا قبضة يدي والدها وهي تهوي علينا، وضربات قلبي الذي انخلع من هول ما يحدث، انتهيت الموضوع بعد أن أخذت الأم ابنتها إلى غرفتها حتى تتأكد من انها لم تفقد عذريتها، ولم يتوقف الأب عن ضربي إلا بعد أن قالت له الأم "البنت لسة بنت".

 

هل لدي أحد شك في أن مجتمعنا لا يمكن وصفة بالمحافظة بشكلها التقليدي، في ظل أن الإحصائيات تقول إن أكثر من 50% من رجال المجتمع المصري لديهم علاقة جنسية قبل الزواج، و14% فقط من النساء هن الذين لديهن تجارب. بالتأكيد الإحصائيات قد تظن أنها تثير الضحك، فكأنما تقول إن الرجال في مصر يخوضوا تجاربهم مع نساء من كوكب آخر، لكن محاوله التشكيك في وجود تلك النسب الكبيرة قد تكون مزحة ثقيلة. لذا فمعظم الإشكاليات التي طرحت من قبل عن ذلك الأمر، غابت عنها دقة التحري عن السبب والمسبب، مع اكتفاء الهجوم والتحريم والمنع، وصبغ الأحداث بصبغة الفردية كنوع من تحيد المشكلة ووضعها في قالب ليس قالبها. أما تحفز المحافظين ليس مكابرة لحقائق أو رغبة في بقاء الوضع كما هو عليه، لكن ذلك التغير، أو كما يصفها المحافظين بأنها سحابة من الأفكار المسمومة الأتية من المجتمعات الغربية، لكن في الحقيقة كل هذا الصراع والحشد -هجوم ودفاع- لم يكن إلا قلة حيلة الخائف.

 

حين ينسب المحافظون (ظاهرة الجنس) داخل المجتمع، للعولمة بشكل عام، ولأفكار الغرب ومؤامراتهم بشكل خاص، كأن أعمي نظر إلى الشمس فقال ليس هنالك شمس، بدل من قول إن هنالك شمس ولكني لا أرها. حين أتى الشاب إلى رسول الله قائلا "ائذن لي بالزنا" لم يفاجئ الرسول السؤال، أو سأله من أين أتت تلك الأفكار، لكنه بحكمته أدرك أن رغبته للجنس ليست أفكار تنقل او مرض يمكن الشفاء منه، بل كانت المشكلة الوحيدة، في كيفية إشباع تلك الرغبة، وليس إنكارها ومهاجمتها، الحقيقة أن مناقشة وجود الجنس من عدمه، أو الرغبة الجنسية بين البشر، والظن بأن بعض الخطوط الجغرافية أو الفكرية قد تتحكم في تلك الغريزة لا ترتقي حتى أن تكون مزحة سخيفة، في ظل أن الشخص المتحدث هو نفسه نتاج لتلك الشهوة والغريزة.

 

بالطبع لكل مجتمع قوانين، وقوانينه تنبع من عاداته وتقليده التي تأتي بدورها من أفكاره وإيمانه، فأما أفكار المجتمع قد نستطيع شرحها بوضوح؛ من خلال المثل الشعبي القائل إن الإنسان حين مولده ينشطر نصفين ولا يكف من المحاولة أن يجتمع مع نصفة الآخر، وقد تجد لذلك المثل تأويل مختلفة، فالغرب يري أن خير ما يجمع أنصاف الإنسان هو الحب، أما في مجتمعاتنا فالزواج ولا شيء آخر. هنا يجدر بنا الوقوف لنسال هل يري كل أفراد المجتمع بأن المحافظة جزء من حياتهم، قد تكون جزء من أفكارهم أو أمنيتهم، لكن، هل نحن مجتمع محافظ؟ أم نحن محافظون خوفا من التغير؟

 

تحسباً لكوني وأضعت نفسي فريسه لكل صائد باسم العادات والتقاليد، فإنه يبدو لي من الضروري أن الحق بين السطور، شهادة تثبت بما لا يضع مجال للمشككين في النوايا حسن مقصدي، لكن، لم أجد شيء يمكن أن أبرر بيه حديثي، غير أني لم أجد من الطبيعي أن نستأثر الصمت كلنا، فلان يضر أن يتحدث شخص واحد، ربما، قد سمع ما لم يسمعوا، أو رأى شيء أخافه، لذا فقد أحسست بواجبي نحو المجتمع في معرفة إذا كان لا تذال المحافظة سمه من سماته أم أنها قد تغيرت مثل كل شيء يتغير، وحتى أحافظ على نسبه وصول ما أقول وأحافظ علي إمكانية أن أقول مرة أخرى، أريد أن أخبركم بأني لست أسعى إلى تغير الكون، أو قد نصبت نفسي حاكماً باسم الأخلاق أو الحرية، ولم أسعى إلى تغير ما هو قائم أو حتى إقامة ما قد تغير، وأني لأفضل أن يمر القارئ بالكلمات دون أن يهتم بمن كتبها، فربما قد يكون مهرجاً قد حالفه التوفيق فيما كتب. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.