شعار قسم مدونات

تقنية الـ"VAR".. هل نجحت في حل مشاكل التحكيم؟

blogs تقنية الفار

يفترض في هذه التقنية ألا تعيق سير عدالة التحكيم الكروي، بالتوازي مع ضرورة إبقاء اللعبة في حيزها الوصفي، فليس المقصود بالتطور التكنولوجي إخراجها عن سياقها، فهي في البداية والنهاية مجرد لعبة جماعية تجمع بين الفن والترفيه، ومن المعلوم أنه بعد النجاح الكبير لفكرة كاميرات المراقبة الأمنية في مدن العالم وفي مواقع العمل، وفي المناطق ذات الكثافة السكانية، لمراقبة تحركات الأفراد والأنشطة المشبوهة، وللحد من الأبعاد الجرمية، بعد هذه النجاحات كلها بات من الضروري تعميم التجربة في النطاق الرياضي، بمراقبة سلوك وحركات اللاعبين وخداعهم، والاعتداءات المتكررة بالنظر لطبيعة الخشونة في هذه اللعبة، وذلك من خلال جعلها تواكب العصر وتلحق بتقنياته.

 

اختُبرت تقنية "Var" لأوّل مرة في الدوري الهولندي الممتاز خلال الموسم الكروي لعام 2012-2013، ومن بعد ذلك تواصلت التجارب، ولكن ينبغي التذكير بأن الحكم اليمني أحمد قايد الأغبري يعد أول مكتشف لها، حين استخدمها بصورة عفوية في تحكيمه لمباراة كروية جمعت بين فريقي التلال والصقر في مدينة عدن ضمن مسابقة الدوري اليمني للعام 2005/2006، وأراد الكابتن الأغبري آنذاك مشاهدة إعادة لقطة تلفزيونية، لمعرفة هل دخلت الكرة المرمى بشكل طبيعي، أم مرت بمحاذاة القائم الأيمن من الخلف، في العام 2018 الذي اعتمدت فيه هذه التقنية، ولسوء الحظ أثارت ضربة الجزاء المحتسبة لفرنسا ضد كرواتيا في نهائي كأس العالم 2018 موجة من التكهنات حول مدى نجاح هذه التجربة الجديدة، خصوصا بعد الشكوك المتعلقة بعدم صحة هذا الحكم الإلكتروني، حين لجأ الحكم نيستور بيتانا لتقنيّة "Var" لمراجعة خطأ دفاعي داخل منطقة الجزاء، ومنح على إثر ذلك ركلة جزاء للمنتخب الفرنسي، مما أثار عاصفة من الآراء بين مؤيد ومعارض لهذه التقنية.

 

ومن هنا فقد تكررت عدة وقائع رياضية ظهر فيها بجلاء تام ظلم تقنية Var، التي تكفلت بإشاعة الجدل حول أدوار الحكام المعتمدين في مساندة حكم الساحة، وهم حكما الخط الجانبي والحكم الرابع، والحكم الخامس المتمثل في تقنية Var الذي يتموضع ضمن غرفة بها ثلاثة حكام يراقبون كل الحالات التحكيمية من زوايا مختلفة، وتحديداً تلك التي تصعب على حكم الساحة، بفضل كاميرات مزروعة في جميع زوايا الملعب، يتم انتقاؤها بدراسة مسبقة وبعناية فائقة، وتهدف هذه التقنية للوصول للشفافية وللإنصاف ولضمان الحد الأدنى من الأخطاء التحكيمية، ولتهدئة النقاش المحتدم حول محاباة بعض الحكام ولجان الانضباط للفرق الكبرى خصوصاً في الدوري الأوروبي.

   undefined

    

آلية عمل تقنية الفار

تصل الرسالة الصوتية لسماعة الأذن الخاصة بحكم الساحة، والتي تشير إلى أن قراره التحكيمي قيد المراجعة، وبمجرد رؤية الحكم يرسم مستطيلا في الهواء بعد لمسه لسماعة الأذن، فإن هذا بمثابة إقرار صريح ببداية المراجعة الخاصة بقراراته، عبر تسجيلات الفيديو التي تتيح له الاستماع لوجهات نظر زملائه فريق Var في غرفة تشغيل الفيديو، وما يتوصلون له فيما يتعلق بالتحقق التلقائي من القرارات، وفي واقع الحال تعتمد هذه التقنية على فلسفة "التداخل الأدنى مُقابل الفائدة القصوى" بمعنى التطبيق عند الضرورة، وبالتالي هي ليست تقنيّة عشوائية، وإنما الهدف منها كما هو معلوم توفير وسيلة لتصحيح الأخطاء التحكيميّة الواضحة، وبالأخص الحالات الضروريةّ التي تستوجبُ قرارًا دقيقًا، من مثل تسجيل هدف أو ارتكاب مُخالفة بلمس الكرة باليد، أو الرغبة في تحديد هوية اللاعب المستحق للبطاقة سواءً أكانت صفراء أم حمراء، أو إعاقة الخصم أوالعكس.

 

وفي حالات الشك وتوجيه الإنذار للتأكّد من تصرف لاعب، أو قيام أحدهم بما يستوجب طرده المٌباشر، أو اللجوء للعنف تجاه لاعبٍ لمنعه من تسجيل هدف، أو التداخل العنيف والسباب والألفاظ النابية، والعض والإشارات المسيئة المهينة، ومن زاوية أخرى فقد تطورت دلالة الصافرة هي الأخرى؛ وبتنا أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة: إلغاء الخطأ أو التجاهل أو المراجعة الميدانية، وللوصول للمراجعة الميدانيّة، يصفر الحكم ويصنعُ بيديهِ مستطيلًا، ويتجه من فوره نحو زملاء تقنية Var للنظر من مُختلف الزوايا، واتخاذ القرار الصائب.

  

تقنية الفار والتوصيات المستقبلية

تكتسب هواجس الخوف مشروعيتها من تسبب هذه التقنية بتدمير انسيابية الشعور باللعبة، وهذا بديهي من المسلمات، كما إن مرجعية اللاعب ومدى تحضره أو حتى همجيته تساهم في نجاح هذه التقنية في وقتنا الحالي، ومن نافلة القول إن هذه التقنية استشارية فقط، ولازالت في مراحلها الأولى، والتي حتماً ستتطور لاحقا، على الرغم من عيوبها، التي يجب التأقلم معها، كما انه وفي ظل انتقائية مقيتة وظهور نوع من غض الطرف حيال اللاعبين الكبار والفرق المميزة في الدوريات الأوروبية الكبرى، أصبح حكم الفيديو أساسيا مثله مثل بقية حكام المباراة، فهل في المدى المستقبلي المنظور ستتحول فضائح رشاوى بعض حكام الساحة إلى فضائح رشاوى حكام الـ var؟ مما يتطلب ساعات من الاستديوهات التحليلية لمجريات المباريات.

 

يتم التساؤل ماذا عن خصوصية اللعب في أمريكا الجنوبية الذي يتميز بالخشونة والتدخلات القوية؟ فهل نحتاج "Var" لخصوصية تتوائم مع البيئات المتعددة؟

يقيناً هنالك حالة من عدم الرضا عن تقنية الفيديو المساعد في التحكيم، ولعل أكبر عيوبها على الإطلاق يتمثل في كونها تفترض في الحكم أنه طبيب نفسي، يقرر بخبراته إن كان اللاعب تعمد لمس الكرة بيده أم لا! ولذا لابد من وجود معايير واضحة لاحتساب حالات اللمس تلك، كما إن الاحتساب بحد ذاته يستوجب وقتا إضافيا لمراجعة الحكم لنفسه، قبل اتخاذ القرار المناسب المبني على مشاهدة الفيديو بأثر رجعي وببطء يسمحان بإصدار الحكم بعدالة.

 

ويبدو هنا مقدار الإخفاق في اعتماد حكام هذه التقنية على رسم خطوط، من أجل الفصل في حالات التسلل بمسافة غالبا ما تكون بسيطة، مما دفع أحدهم للتهكم بالقول: لو كان أنف اللاعب طويلا فسيصبح في حكم المتسلل! وهذا بالتالي يتطلب ضرورة المسارعة بالعمل على الاقتراح المنادي باعتماد مسافة سماح تتراوح بين 10 و20 سنتيمترا للمهاجمين، وعدم احتساب حالات التسلل إلا إذا تجاوزت هذه المسافة، وعليه تفتقد لعبة كرة القدم الجماهيرية حيويتها المعهودة، وتصبح بمذاقات صناعية لما تتسبب به هذه التقنية من تقطعات في الإثارة من جراء التأجيل في زمن السرعة، فاللاعب لن يغامر بالاحتفال بتسجيل هدفه ما لم يتأكد من صحته، بعد أن تتفضل تقنية الحكم المساعد بالفصل في الأمر والمباركة له بالتسجيل، والمحزن هنا ذلك الاضطرار للانتظار وما يترتب عليه من استياء، ولذلك يتجدد السؤال هل تقنية "Var" مشكلة أم حل؟

 

لقد تزايدت هذه التساؤلات ردا على الإخفاق في تقديم حلول للأخطاء المتكررة، واتضاح مقدار التعرض للظلم بعد إلغاء أهداف تم إحرازها، وعقب قرارات مثيرة للجدل، وبالتحديد ما يتعلق بالفصل في الالتحام العنيف بين اللاعبين، فالتقنية الفيديوية قد تلغي الإنذار، وهذا بدوره يؤكد مصداقية الخلاصة التي تزعم نجاح تقنية الـ"Var" ي "القرارات الواقعية وإخفاقها في القرارات الشخصية"

 

في ظل بعض السلبيات على شاكلة قتل الاستمتاع وتأخير الاحتفال بالأهداف، وتأجيل الفرحة وجعلها خجولة، يتم التساؤل ماذا عن خصوصية اللعب في أمريكا الجنوبية الذي يتميز بالخشونة والتدخلات القوية؟ فهل نحتاج "Var" لخصوصية تتوائم مع البيئات المتعددة؟ هذه قضية خلافية، كما أنه من العدالة المناداة بعلنية لا سرية تداولات ومراجعات هذه التقنية، بحيث يسمعها المشاهد، ومن الواجب تطوير التقنية لإصدار الحكم بهامش ثواني فقط، لتجنب مشكلة إضاعة الوقت، إذ تستغرقُ كل مراجعة لتقنيّة "Var" ما معدله 80 ثانية وقد تطولُ، كما أنه يجب المطالبة بإعادة النظر في قواعد احتساب حالات فخ التسلل، وإجراء تعديلات تتماشى مع المبدأ القضائي بالتماشي مع روح القانون، فالمنتظر من هذه التقنية تسريع التحكيم، وليس التسبب في زيادة هامش الإرباك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.