في حوار تلفزيوني وحسب راوية السيد فراس طلاس أن والده العماد مصطفى نصح أولاده في الشهر الثاني من عام 2012 بأن يعلموا وحسب كلامه حرفياً أن (هذا النظام لاتستطيعون إسقاطه ولا حتى الدول العربية هذا النظام سقوطه هو تغيير لشكل النظام العالمي لأنه نسجه حافظ ضمن النظام العالمي)[1]. وقريباً من هذا الكلام قاله المرحوم الإمام الشهيد د. محمد سعيد رمضان البوطي في آخر وصاياه ودروسه..[2] والتي كانت حسب ظني سبباً في تدبير اغتياله، فالفارق بين وزير الدفاع طلاس والشيخ د. البوطي أن الأول قال كلامه ولاذ بالفرار ومات خارج سوريا[3]، وأما الشيخ البوطي فقد تحدث من داخل سوريا وبقي إلى أن تم استهدافه بشكل وحشي فسقط شهيداً وفي مسجد[4].. ولعل وعي أ. أحمد معاذ الخطيب -رئيس الائتلاف الأول- باكراً للدور الوظيفي الدولي لنظام الأسد دفعه لإطلاق مبادرة حوار مع النظام في وقت كانت الثورة تملك:
1- تأييداً دولياً ومداً شعبياً.
2- كانت ثمة شرعية دولية للمعارضة حيث بمقدور الإئتلاف آنذاك أن يكون بديلاً عن النظام.
وقد سمعت من الأستاذ الخطيب أن النقطة التي غابت عن أقطاب المعارضة في سلوكها وسيرتها تتمثل في نجاحهم في تحقيق بديل مشروع عن النظام فالنظام له دور وظيفي ضمن النظام العالمي وعلى المفاوض المعارض أن يعرف ذلك الدور ويسعى للتفاوض حوله.. لم يدرك كثير من المعارضين أن مرور السنوان يزيد من تفاقم الأمراض وأن جزء من معركة النظام تتمثل في سعيه لإطالة عمر المواجهة مع الشعب بغية خلط الأوراق وتعقيد المشهد، وهاهي السنوات تمر والأمراض التي نتجت عن الحروب تتفاقم؛ والتمزق السوري يتعمق؛ والنظام يتمدد؛ والمعارضة تنكمش؛ والكل في العالم يعين النظام السوري على استمرار انتصارات قواته.
المصالحة الواسعة بين كل المكونات وهذا يعني الإقرار بأن الانقلاب العميق المطلوب تحقيقه للتغلب على النظام يبدأ يتحقق فعلاً على تخوم الضمير الذاتي لكل فرد سوري حيث ينبغي التحرر من مشابهة عقلية النظام |
وتتدخل تركيا وأمريكا وإيران وروسيا وما خفي من إرادات دولية وفي اللحظات المحرجة لإسعاف النظام وإنعاشه ولتقسيم سوريا (الولايات المتحدة الأمريكية لا اعتراض منها على تقسيم سوريا ولكن روسيا تحاول استعادة بسط النفوذ الأسدي مع ترضية الجار التركي والإسرائيلي والإيراني) بغية إعادة شرعية السلطة الموحدة فيما بعد تحت حكم يرتضونه غير بعيد عن بشار أسد.. هل هذا يعني أن نقبل بأقدار يصنعها آخرون ونكون في جبرية سياسية وقدرية دينية؟ أم علينا صناعة قدر خاص بنا ودفع قدر بقدر آخر؟.
واقع أول: حُكْمي يتمثل في "ضغط الزمان والمكان" بفضل التقدم العسكري لنظام أسد المدعوم عالمياً ويحتمل خيارات لامتناهية من البطش واستعادة الإذلال، ولا يمكن الرجوع عن عقلية الحذاء العسكري؛ وهذا الواقع مشروع بشرعية القوة لا بقوة الشرعية حيث النظام الجديد، السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي، في سوريا تقوده النيوليبرالية [الليبرالية الجديدة] المتمثلة برؤوس الشر: الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا وقوة السلطات العظمى المالية الإيرانية والتركية تقوم بتكوينه وتقويته وهذا الواقع تحديداً، هو مصدر الخطر على الإنسان السوري اليوم، وهو ما يجب مواجهته قبل فوات الأوان. ويكون ذلك من خلال:
1- البراءة من أي سلاح على الأراضي السورية؛ وعدم شرعنة أي بندقية فكل السلاح في سورية مأجور.
2- العمل على استعادة سلامة الحياة الاجتماعية والمدنية مما خربته السياسة والعسكرية الأسدية والمعارضة.
واقع ثان: ثرنا من أجل تحقيقه واقع حياة ديمقراطية نريد رئيساً يدير البلاد ولا يحكمها.. نريد موظفًا لا مالكًا جديدًا.. نريد انتخابات لا تعييناً؛ وحياة لافضل فيها لعربي على غير العربي ولا لغير العربي على العربي إلا بتحقيق المواطنة. ونظرًا للوضع اللامتعادل وضمن معنى اللامساواة، والذي يسود بين الواقعين يبرز السؤال الأهم هل بقي أي شرعية للثورة السورية؟ الجواب نعم شرعية الثورة السورية صالحة مع الاعتراف أن الإنسان السوري بلغ من الألم والخيبة الفردية والجماعية شوطاً يقتضينا أن ننمي فينا نظرة منظومية systemic أوسع من كبير الجرح والإحباط ونستطيع من خلالها أن نبصر الكل حتى نفهم الأجزاء..
1- العودة إلى مطالب الثورة السورية الأولى المتمثلة بسوريا وطن للجميع وشعارها المقدس الله سوريا حرية وبس.
2- فك ارتباط الثورة بأي أجندة إملائية وهو ما نادى به الأستاذ أحمد معاذ الخطيب حسب تعبيره (استقلال القرار السياسي السوي).
3- رفض أي تغيير ديموغرافي تم ويتم برعاية تركية روسية أمريكية وذلك بغية تفكيك وتخفيف حالات الاحتقان جراء الترحيل والتهجير الممنهج في مناطق عديدة.
4- التخفيف من حدة الأضرار التي وقعت على المكونات السورية.
شرعية الثورة لا يمكن أن تفقد صلاحيتها إلا إذا قام بتصفيتها أولادها قبل أعدائها ولا انتصار لثورة ولا شرعية يتحول أنصارها إلى بيادق مأمورة وبنادق مأجورة بيد الخارج |
5- المصالحة الواسعة بين كل المكونات وهذا يعني الإقرار بأن الانقلاب العميق المطلوب تحقيقه للتغلب على النظام يبدأ يتحقق فعلاً على تخوم الضمير الذاتي لكل فرد سوري حيث ينبغي التحرر من مشابهة عقلية النظام وبناء شبكات معرفية بديلة، وحركات اجتماعية متنوعة، تستلهم القيم المشتركة وتعمل على تطوير رؤية جديدة للواقع تصبح قاعدة للعمل الإنساني في سبيل التحول التدريجي نحو أنموذج جديد مغاير للواقع المفروض، وينطوي على مفاهيم وقيم تنأى عن التفكير الأحادي المبني على فرض النمط الثقافي والسياسي الواحد والقائم على الجمود الفكري والتعصب والظلامية إلى الديناميَّة الفكرية وانفتاح القلب والوعي الكوني إلى الاغتناء بالتنوع كشرط لا بدَّ منه للتطور. والشخصية الفردية المنتفخة واللامبالاة غير المسؤولة إلى الجماعية السمحاء والمسؤولية الواعية وعن التعالي على الآخر والسيطرة عليه إلى احترام الآخر باحترام حقه المطلق في الحياة والحرية والتفتح على إيقاعه الخاص التوقف عن الصراع والتنافس والاستئثار إلى التعاون والمشاركة والإيثار ومن حساب الكم إلى تعميق النوع ومن عقلية التوسع والاستغلال إلى الإنجاز والتكاف إن إبقاء شرعية الثورة مرهون بذلك كله ولذلك علينا:
أ. استدامة الوعي الجماهيري بشرعية مطالب الثورة رغم الأخطاء والجراح الكبيرة.
ب. بناء نقلة نوعية في الوعي السوري.
ت. ضرورة بث الأمل.
ث. تجاوز النغمة الشعبية (فخار يكسر بعضه).
ج. النظرة إلى العالم بعقل نسبي وليس بنظرة شمولية.
ح. إيجاد تحالفات بين الثورة وجميع الشرائح من علويين ودروز وكرد وشركس وتركمان واشور وسريان وقيادتها وبين الإرادات السياسية التي باتت رغم دعمها لبشار ترى فيه ثقل العبء وفي خيالها السياسي إمكانية تصفية بشار وحكمه إذا توافر البديل قد يطول الوقت وقد نصل إلى الانتخابات 2021 وهذا يتطلب العمل الجدي على:
1- خلق رؤية محددة للواقع، غير محدودة الأفق، تملك نظرة واسعة إلى الآفاق الفسيحة لمعنى دولة مواطنة حيث المفاهيم التي تسود هي عينها المفاهيم والقيم التي توصلت إليها الحكمة الإنسانية المعبِّرة عن النضج النفسي والروحي للإنسان العاقل فيما يتعدى الزمان والمكان.
2- التحول عن عقل الطائفة أو القومية إلى المواطنة (ليس القصد استبدال مفهوم جديد بمفهوم قديم، بقدر ما هو التحول عن التشديد المفرط على أحد المفهومين إلى توازن أعظم بينهما).
شرعية الثورة لا يمكن أن تفقد صلاحيتها إلا إذا قام بتصفيتها أولادها قبل أعدائها ولا انتصار لثورة ولا شرعية يتحول أنصارها إلى بيادق مأمورة وبنادق مأجورة بيد الخارج..
—————————————————————————————————————————————-
مصادر:
[1] على قناة روسيا الناطقة باللغة العربية في برنامج قصارى القول بتاريخ 05/11/2019
[2] انظر هذه الوصلة https://www.youtube.com/watch?v=UmoWM5rexbc
[3] توفي مصطفى طلاس يوم الثلاثاء 27 يونيو 2017 في مستشفى ديكارت بباريس، بعد أن كان قد أدخل إلى غرفة العناية المركزة فيها إثر تدهور حالته الصحية، قبل أن تُعلن وفاته سريريًّا. وفي يوم الثلاثاء المذكور نعى "فراس طلاس"، ابن مصطفى طلاس، والده عبر حسابه على فيسبوك، ليُؤكد بذلك خبر وفاته.
[4] تعرض للاغتيال يوم 21 مارس 2013، الذي اتفقت المعارضة والنظام السوري على إدانته، وأثار موجة تنديد كبيرة على مستوى العالم، وقد اتهمت المعارضة النظامَ بتدبير الاغتيال بعد ورود أنباء عن عزم البوطي على الانشقاق وتغيير موقفه من الثورة السورية، والهجوم على النظام. بينما اتّهم النظام السوري المعارضةَ باغتياله واصفًا إياهم "بأصحاب الفكر الظلامي التكفيري".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.