شعار قسم مدونات

لبنان إلى جمهورية ثالثة!

blogs لبنان

لبنان منذ تأسيسه دولة ترتكز على الطائفية السياسية ومر بعهود مختلفة، من الدرزية السياسية، المارونية السياسية إلى السنية السياسية والآن هو بمرحلة الشيعية السياسية، فكان لكل طائفة مرحلة ذهبية سيطرة على مكامن السلطة وعلى قراراتها وسياساتها، حيث الشعب اللبناني جرب كل منها وعلم مدى عقباها.

في كل مرحلة كان لها إيجابياتها وسلبياتها ولكن السلبية المشتركة هي تعزيز مزرعة الطائفية السياسية، حيث لكل مرحلة شهداءها هم شهداء الطائفية السياسية. في التاريخ الحديث للبنان حصل إتفاقان هما الطائف والدوحة، إتفاق الطائف نقل لبنان من المارونية السياسية إلى السنية السياسية إلى حد ما لأن المخابرات السورية كانت ضابطة الإيقاع في تلك المرحلة حيث الإتفاق كان الاقتصاد والمال بيد الشهيد رفيق الحريري المقرب من المملكة العربية السعودية والأمن والخارجية بيد المقربين من النظام في سوريا.

جر خلال تلك المرحلة هندسة مالية للبنان وبناء خط أمني حليف للنظام في سوريا حيث أمن موضوعين حماية النظام في سوريا حيث كانت له هواجس من أي محاولة انقلاب تأتي من "سنة" لبنان وفي الوقت عينه تعزيز دور إيران استراتيجيا من خلال تسهيلات ودعم لحزب الله وتعزيز دوره الأمني والعسكري.

الفرق بين هذه الجمهورية وسابقاتها أنها ليست بين الأحزاب السياسية بل سوف تكون فعليا المعركة بين الشعب والسلطة حيث ممكن أن تتحالف معها بعض أطراف السلطة التي ليس لها إرتباط فعلي بالفساد

بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005 جرت فترة صراع في لبنان عنوانها من يسيطر بعد خروج ضابط الإيقاع، حتى حصل اتفاق الدوحة عام 2008 بعد أحداث 7 أيار في لبنان حيث نزل إلى الشارع حزب الله وحلفاءه جراء قرار وزاري يتعلق بأمنه الاستراتيجي. هذا الإتفاق يعد ضابط إيقاع جديد وبدأ تصاعديا الانتقال من السنية السياسية إلى الشيعية السياسية بفعل فائض القوة لدى حزب الله وخصوصا الانتصارات المتنقلة من سوريا إلى العراق إلى اليمن.

أتت التسوية الرئاسية بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري عام 2016 حيث عززت هذا الدور وبدأ تصاعد القوى لدى حزب الله وحلفاءه وكرس هذا النفوذ قانون انتخابات نيابية عام 2018 حيث أعطى أكثرية نيابية لأول مرة ساعدته في التحكم بالقرار المحلي من خلال حلفاءه وخصوصا من خلال وزير الخارجية جبران باسيل.

انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 أتت انقلابا على التسوية الرئاسية وسلبياتها وفي الوقت عينه إنفجارا بفعل العقوبات الأميركية والحصار الاقتصادي العربي الحاصل مما أدى إلى مزيد من التدهور الاقتصادي في لبنان حيث أصبح اقتصاده في أدنى مستوياته منذ تأسيسه من بطالة وفقر ومشاكل اجتماعية غيرها يتحمل مسؤوليتها الحكومات المتعاقبة.

أول ضحية لهذه الانتفاضة هي التسوية الرئاسية وسوف يعقبها ضحايا آخرون بفعل الإلتهاب في الشارع و"الكفر" بكافة السياسات المالية والاقتصادية على مدى سنوات، هذا الكفر سوف يؤدي إلى مزيد من التوتر الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي الأمني ولن يتوقف ذلك حتى حصول تسوية جديدة بطريقة من الإثنين إما إتفاق يشبه الطائف وإما يشبه الدوحة وفي كلتا الحالتين سوف مسمار جديد في نعش إتفاق "الطائف" الذي لم يطبق ولو طبق لكان وضع لبنان أفضل بكثير.

مسمار النعش أو تعديل الطائف يعني أننا متجهون إلى الجمهورية الثالثة حيث الأولى حصلت في تأسيس دولة لبنان الكبير والثانية من خلال إتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية والثالثة سوف تكون من خلال الحرب الاقتصادية وتبعاتها. هذه الجمهورية سوف تبنى من اللحم الاقتصادي وسواعد الشعب اللبناني المظلوم والفقير ولن يستكين حتى تحقيق إصلاحات إدارية ومالية ومحاكمة على الأقل بعض المسؤولين مما حصل من جريمة اقتصادية بحق الشعب اللبناني.

الفرق بين هذه الجمهورية وسابقاتها أنها ليست بين الأحزاب السياسية بل سوف تكون فعليا المعركة بين الشعب والسلطة حيث ممكن أن تتحالف معها بعض أطراف السلطة التي ليس لها إرتباط فعلي بالفساد أو مستعدة إلى التخلي عن المرتبطون بها الفاسدون، هذه الجمهورية قد تبني لبنان الجديد الذي يحلم به شبابه إن لم تقع بفخ الطائفية وإن وقعت بهذا الفخ سوف تكون جمهورية الدويلات والوقت سوف يحدد إلى أي جمهورية متجهون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.