شعار قسم مدونات

رسالة اعتذار إلى ليونيل ميسي

blogs ميسي

نحن هنا أيها السيد ميسي مرة أخرى، على منصة مرصعة تعلوها أنت مجدداً، لا شيء يدعو إلى الغرابة ولا إلى التعجب، كل ما في الأمر أن كل أداء لك تحول من مشهد سينمائي مثير للدهشة، إلى حفلة مُعتادة، تنطلق بخطوات متباطئة ثم تتسارع، تخترق ثم تمرر أو تسدد، والنتيجة متكررة، ليونيل يرفعُ إصبعاً، ويقبل كفاً.. محتفلاً بكل بساطة، دعني أخبرك بشيء مهم، قبل ذلك.. أو قبل ما يقارب السبع سنوات، كنتّ غريماً شديداً لي لا أطيق مشاهدتك، ولا مشاهدة تتويجاتك المتتالية، أنت تحمل الألقاب، وقائدي البرتغالي لا.. أنت متوج على الدوام، وملهمي البرتغالي لا.. لقد تحولت في تلك الردهات الشديدة التعصب إلى شبح أو كابوس حقيقي بالنسبة لي.

   

قد أحكم على تلك الفترة بأنها أصعب الفترات، لم أكن أطيقك على الإطلاق، ولا أطيق رؤيتك تؤدي كل رقصة بتلك البساطة، فكفتىً يحب العاصمة ودروبها الجميلة المنظمة، كنت أنت عدواً له، كيف لا.. وأنت تعبث بكل سهولة بفريقه، ذلك الكابوس لم يكن من الجيد أن أعتاد عليه كل ليلة، هل تدري حقاً أنني انقلبت رأساً على عقب، من فتى كاره، إلى رجل يصفق لكل تتويج تحملهُ أنت، لا تدري أليس كذلك، ولا أنا أيضاً، واليوم.. في فصل مختلف، أشاهدك على الدوام، لا أحد يقف بجانبك، ولا أحد يملك القدرة على ذلك، كل الكره تمخض فتولد حباً، كل التعصب تردى فبنا عشقاً، كل الدعوات السالبة عكست كلماتها فغشتها أخرى تتضرع بأكف لتتوج أنت.

    

لا أصدق كمية التجلي في رؤيتك تلعب كل لحظة، ربما انت تخدعنا كل مرة بجسدك الذي لا يرحم أحداً، أو أنك تغررنا بقولك إنك لا تملك لياقة عالية ولا سرعة، فنصدق نحن أكاذيبك كالبلهاء، ربما لأننا نتجرع أكاذيبك كما نتجرع سحرك عند المراوغات.. فكما يسحب النافخ في الناي أصابعه ليبدع لحناً، تمرر أنت قدمك على الكرة لتصنع لوحةً، أو تستلهم لحناً جديداً، إنك تشبه كل الأشياء الجميلة في حياتنا، جدي عايش موهبة مارادونا الساطعة، وأنا عاصرت موهبتك، لم أرى دييغو، بل حقاً إنك دييغو العصر، بل أنت أفضل، أنت معجزة الاله، وصورة بديع جمال الخلق، فلكأنك بكل حركاتك وسكناتك، ترحل بنا إلى عوالم مختلفة، لقد تحولت كلمة جمال في قاموسنا إلى تعبير ينسجم مع ذكرك، ففي كل مراوغة.. تمريرة.. لمحة.. صنعة.. أنت أيها السيد ليونيل تصيبنا بسكرة، تتوه بنا في حلم لم يراودنا قط.

    undefined

  

لقد وصفت كاتبة بريطانية من قبل على أن هناك تناسخاً بين كرة القدم والفن، وعلى هذه السمفونيات المبدعة من طرفك سيد ليونيل، فأنت حقاً فنان يمرر البهجة، وينشر السعادة، لن نطالبك بمقابل تؤديه لإضاعتنا ساعة ونصف في متابعتك، فأنت تقدم مقابلاً يفوق الوقت الضائع كل مرة، إنك تهدينا بكل ذلك فرصة لمعاينتك عن قرب، لقد أصبح المكرر عادياً في فلسفة الحياة، إلا ما يقدم منك، وإن كرر ملايين المرة فهو لن يتحول البتة إلى شيء عادي.

 

فأنت موسيقى موزارت، ولحن من بيتهوفن، ورواية من دوستويفسكي، وعقل من فصيلة آينشتاين، وكلمات من نجيب محفوظ، وفصل من رسمات دافيندشي، وأغنية من فيروز، ومنظر يطل على جبال سويسرا، في رسالة اعتذاري هذه، إليك سيد ليونيل ميسي، لم أعد أحمل أي ضغينة تجاهك، فأنا أستمتع برؤيتك، أكتب كلماتي هذه، ولا أعلم لماذا أكتب، أنت لن تقرأها على أية حال، وأنا أنهي كلامي قائلاً، كل رحلة في عوالمنا ترحى بنا ارواحنا لمشاهدة جمال الكون، ورحلة واحدة قد تقلب حياتنا رأساً على عقب، وإحداها رحلة مشاهدة ليونيل ميسي وهو يبدع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.