شعار قسم مدونات

خط تاناب.. أداة تركية استراتيجية في صراع شرق المتوسط

BLOGS تاناب

بعد اكتشاف احتياطات كبيرة من الغاز والبترول في منطقة شرق المتوسط أصبح للمنطقة أهمية جيوسياسية، مما سوف يؤدي إلى حدوث صراعات إقليمية ودولية في المنطقة بسبب عدم وضوح شكل تقاسم المنطقة بين الدول الشاطئية. وبعد توقيع الأمم المتحدة عام 1982 قانون البحار الذي يحدد المنطقة الاقتصادية المائية الخالصة لكل دولة تقع على سواحل البحار والمحيطات، اتجهت كل من مصر، قبرص الجنوبية، اليونان والاحتلال الإسرائيلي إلى توقيع اتفاقية تحديد المنطقة الاقتصادية لكل دولة، لكن تركيا التي لم توقع على هذه الاتفاقية الدولية، ورفضت الاتفاقيات الموقعة بين الدول المذكورة، لأن هذه الاتفاقيات لا تأخذ في الحسبان مصالح تركيا وجزيرة قبرص الشمالية.

وفي الفترة الأخيرة شهدة المنطقة تسارع شديد في عقد الاتفاقيات لرسم الحدود المائية لكل دولة، وكانت أخرها مذكرة التفاهم التي وقعتها تركيا مع ليبيا لرسم الحدود المائية للطرفين رغبت في توسيع نفوذها في المنطقة، ولتحمي مصالحها ومصالح قبرص الشمالية، وخاصة أن تركيا أحد أهم الدول الساحلية بالإضافة إلى أنها من أكثر الدول استهلاكاً لموارد الطاقة بين الدول الشاطئية والأكثر تطوراً اقتصادياً بالإضافة إلى أنها أقوى عسكرياً. تسعى تركيا منذ ثلاثة عقود أن تصبح مركزياً تجارياً عالمياً لتوزيع موارد الطاقة وخاصة إلى الدول الأوروبية لأدراكها أهمية موقعها الجيوسياسي بين الدول المصدرة لموارد الطاقة والدول المنتجة.

دول الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن تدخل في أي مشروع أذا لم تحسم الجدوى الاقتصادية منه، وهذا المشروع لا يملك جدوى اقتصادية أكيدة بل توقعات. لذلك يعتبر خط أنابيب تاناب الخيار الأكثر عقلانية

في تسعينيات القرن الماضي كان أول مشروع يمر من الأراضي التركية هو خط انابيب بترول الذي يمتد من مدينة باكو على سواحل بحر قزوين إلى ميناء جيهان في تركيا، الذي يصدر يومياً إلى السوق الدولية مليون برميل تقريباً. وفي 2008 استطاعت روسيا إيقاف مشروع خط أنابيب نابوكو للغاز من خلال شنها الحرب على جورجيا الذي كان من المفترض أن يمر الخط من أراضيها، ومن ثم عبرا تركيا وفي النهاية إلى أوروبا. في الآونة الأخيرة استطاعت تركيا من تنفيذ خط أنابيب تاناب الذي يمتد من أذربيجان إلى اليونان وهناك سوف يتم بناء خزانات كبيرة لتوزع بعدها إلى الدول الأوروبية. من خلال تنفيذ هذا المشروع أصبحت تركيا أحد اهم مراكز نقل الطاقة في العالم، بسبب قربه من مراكز إنتاج الطاقة في كل من دول بحر قزوين، إيران، ودون الخليج العربي وأخيرا من احتياطات منطقة شرق المتوسط، وقد تم الاتفاق أيضاً بين تركيا وروسيا على تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا عن طريق خط تاناب، وقد لجأت روسيا لخط تاناب بسبب القانون الأوروبي الذي منعها من امتلاك خطوط الطاقة مباشرة، لأن ذلك سوف يذيد من الاحتكار الروسي لسوق الطاقة الأوروبي.

وقد عملت كل من مصر، قبرص الجنوبية، اليونان والاحتلال الإسرائيلي على أطلاق مشروع تمديد خط أنابيب من إسرائيل مروراً بجزيرة قبرص الجنوبية إلى اليونان لتكون مركزاً للتوزيع إلى القارة الأوروبية، وقد عملت مصر وإسرائيل على تنفيذ هذه المشروع لتكون البداية من مصر بعد الاكتشافات الكبيرة للغاز في منطقتها الاقتصادية وخاصة في حقل ظهر، ولكن لأسباب عديدة لم يتم تنفيذ هذا المشروع وأهمها، أولاً بسب من سوف يقوم بتمويل المشروع التي تقدر تكلفته بعشرة مليار دولار، ثانياً، أين سوف يتم بناء محطات تسييل الغاز وكانت قبرص الجنوبية هي الخيار الأكثر حظاً لكن بعد أن تبين أن الاحتياطات المكتشفة قبالة سواحل قبرص غير كبيرة ومن الممكن أن لا تكون ذات جدوى اقتصادية، ثالثاً، إسرائيل تريد أن تصدر إلى تركيا موارد الطاقة في اعتبارها من أكثر دول المنطقة استهلاكاً لموارد الطاقة، رابعاً عدم الاتفاق على ترسيم المناطق المائية للدول الشاطئية مما يعرض المشروع لخطر عدم الاكتمال وخاصة بعد توقيع تركيا وليبيا مذكرة التفاهم، خامساً قد تكون الاحتياطات التي أعلن عنها المسح الجيولوجي الأمريكي خاطئة وتكون أقل من المتوقع.

سادساً دول الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن تدخل في أي مشروع أذا لم تحسم الجدوى الاقتصادية منه، وهذا المشروع لا يملك جدوى اقتصادية أكيدة بل توقعات. لذلك يعتبر خط أنابيب تاناب الخيار الأكثر عقلانية والأهم من ذلك أنه يحقق جدوى اقتصادية كبيرة لكل دول المنطقة، بسبب قربه الكبير من احتياطات الغاز، وأصبح جاهزاً للاستخدام، وكذلك بسبب بقدرته الاستيعابية الكبيرة في الضخ. وإسرائيل هي أولى الدول التي بدأت في استثمار حقول الغاز وكانت تهدف الى تصدير غازها إلى أوروبا عن طريق خط تاناب، لكن بسبب العقبات السياسية الكبيرة بينها وبين تركيا حال دون لجوئها إلى خط تاناب الى هذه اللحظة. وقد كانت كل من إسرائيل وتركيا في تسعينيات القرن الماضي على إنشاء حزام أمني يكون الأساس الذي يقوم عليه الشرق الأوسط. لكن مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا تغيرت المعادلة بين الطرفين بسبب وقوف تركيا الى جانب القضية الفلسطينية، وأصبحت تطالب بعودة الجولان إلى سوريا، وحادثة دافوس بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وشمعون بيريز، بالإضافة إلى قيام القوات الإسرائيلية بضرب سفينة مرمرة التي حاول كسر الحصار على غزة، وقتل عشر أتراك كانوا على متن السفينة، على أثر هذه الاحداث حدث تجميد للعلاقات التركية الإسرائيلية وتم سحب السفارات من الطرفين، وإلى الآن هناك تجميد في العلاقات بين الطرفين.

تدرك الدولة التركية أهمية موقعها الاستراتيجي، الذي أصبح الجسر الذي يصل بين مناطق انتاج موارد الطاقة وبين الدول المستهلكة، لذلك تعمل تركيا على أن تكون مركز عالمي لتوزيع الطاقة، الامر الذي سيعود على تركيا بإيرادات سنوية لقاء مرور خطوط الانابيب من أراضيها بالإضافة إلى أنها حققت تنوع في استيرادها. والآن تركيا هي الخيار الأمثل لنقل احتياطات شرق المتوسط إلى أوروبا، وسوف يكون خط تاناب أداة ضغط بيد الدولة التركية لإدارة الصراع في المنطقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.