شعار قسم مدونات

هل سيستقبل العراقيون عام ٢٠٢٠ في ساحات التظاهر؟

blogs العراق

منذ أكثر من شهرين ومدن العراق تشهد احتجاجات واسعة ونفير عام، توحدت في هذهِ الثورة صفوف الشعب العراقي أمام كل من كان يساهم ويسعى لتفتيت المجتمع لتجمعات وفئات صغيرة متنحارة ومتقاتلة على أساس المذهب والطائفية والعشائرية، طالب العراقيين في ساحات التظاهر ببلد آمن يضمن حقوقهم خالي من الطائفية والمحاصصة والفساد والتدخلات الخارجية، ملتزمين بالسلمية ومشددين على تعديل الدستور العراقي وتغيير قانون الانتخابات. على مدار شهرين وحقوق الإنسان تنتهك والقوانين تخرق أكثر من ذي قبل والدستور ضمير مستتر تلوح بهِ الجهات المعنية أمام الشاشات والكاميرات وخلال انعقاد الجلسات والندوات لضمان شرعية بقاءها.

المزيد من الانتهاكات المزيد من الإفلات من العقاب، المزيد من الخارجي عن القانون، المزيد من فانتازيا الموت.. في العراق خلال خمس أعوام مضت حتى اليوم لنستذكر عزيزي القارئ الحقائق بالأرقام:
– ٣٠ بالمائة من العراقيين تحت خط الفقر بحسب إحصاءات الأمم المتحدة ووزارة التخطيط العراقية، في بلد بلغت موازنته المالية للعام الواحد ما يعاد موازنة أربع دول مجتمعة، ولكن في ظل تفشي الفساد وغياب الرقابة تذهب كافة الأموال المخصصة للبناء والتطوير والتعليم والصحة والخدمات صوب الخارج في مراحل منظمة من عمليات غسيل الأموال، لم تقدم خلالها أي خدمات ملموسة توحي بأن هنالك قيادات تتولى إدارة مؤسسات الدولة بصورة صحيحة، خلافًا لذلك انتشار البطالة، تفشي الأمية والفقر، وعود تلت وعود لإمتصاص غضب الشارع العراقي، وكان نتاجها المزيد من الخسائر.
– تقارير الحكومة العراقية والبرلمان ومنظمات محلية تشير إلى وجود أكثر من ٤٠ ألف قتيل وجريح ومفقود من المدنيين لقوا حتفهم أثناء فترة سيطرة داعش على مدينة الموصل والقرى البلدات التابعة لها.
– ٧٠ بالمائة من مدينة الموصل تعرض للدمار الهائل والخراب الذي حل بها حيث تم أعتبرها مدينة منكوبة بفعل الحرب.

بالرغم من كل هذا الدمار المهول على أرض الواقع والأرقام والكوارث التي تعترف بها الحكومة لكن لا تملك أي خطط وإجراءات فاعلة لإيجاد مخرج لهذا البلد المنهك، سوى المصالح العليا للدولة العميقة المتجذرة بشخوصها ومراكزها الحكومية

– خسائر مالية تقدر بـ ١٠٠ مليار دولار أمريكي خلفتها سيطرة داعش ومعارك التخلص من سيطرته، طالت ممتلكات خاصة وعامة.
– بحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة عام ٢٠١٨، هنالك خمس ملايين طفل يتيم في العراق لا يحظون بالرعاية الكافية.
– ٣٠٠ ألف من سكان الموصل ما زالوا نازحين بحسب المجلس النرويجي للاجئين، يواجهون مأساة العيش في مخيمات النزوح.
– بحسب منظمات معنية بالصحة في مدينة الموصل فقط بلغ عدد مبتوري الأطراف ما يقارب خمسة آلاف حالة، من آثار الحرب والقصف الذي تعرضت لهُ منازلهم.
– البنى التحتية المدمرة في الموصل خَلفت ٢٥٠ مدرسة مدمرة، و٨٠ مركزًا صحيًا، ٩ مستشفيات تم إعادة تأهيل مستشفى واحد فقط، خمس جسور تم إعادة تعمير جسر واحد بتمويل منظمة غربية، ناهيك عن خدمات الماء غير صالح للشرب، آلاف من السكان محرومون من مزاولة العمل والدراسة والخدمات الصحية، يعيش السكان على مساعدات المنظمات الأجنبية والأممية، في المقابل نسبة الأعمار التي وعدت بها الحكومة العراقية لا تكاد تذكر.

– كلفة إعادة أعمال الموصل تتراوح ما بين ٦٠-٨٠ مليار دولار، بالرغم من الوعود التي تلقاها الأهالي من قبل الجهات الدولية المانحة، وما تم الإتفاق عليه في مؤتمر الكويت للمانحين للبدء بأعادة الإعمار إلا أنها بقيت معلقة والشروع بتنفيذها بطيء.
– على صعيد بغداد والجنوب، مظاهرات طلابية استمرت لأربع أشهر تطالب بتوفير فرص عمل انتهيت قبل بداية ثورة تشرين، عندما استخدمت قوات مكافحة الشغب العنف ضد حملة الشهادات العليا بفض تجمعهم بأبشع الطرق باستخدام الهراوات والماء الحار الذي اصاب المتظاهرين من النساء والرجال أمام أعين الكاميرات بصورة انتهاك علنية لحقوق الإنسان، وحق التظاهر والتجمع التي كفلها الدستور العراقي.
– منذ انطلاق التظاهرات في الأول من تشرين من العام الحالي، وبحسب آخر إحصاءات كشفت عن وقوع ٣٦٤ شهد، وما يقارب عشرون ألف جريح جراء إصابتهم بالرصاص الحي واستنشاق الغاز المسيل للدموع.

بالرغم من كل هذا الدمار المهول على أرض الواقع والأرقام والكوارث التي تعترف بها الحكومة لكن لا تملك أي خطط وإجراءات فاعلة لإيجاد مخرج لهذا البلد المنهك، سوى المصالح العليا للدولة العميقة المتجذرة بشخوصها ومراكزها الحكومية، كوميديا التغيير والوعود بالإصلاح في مرحلة كهذه باتت بعيدة، فيما يقع على عاتق من في السلطة اليوم ان يستوعبوا ما يجري على أرض الحدث في ساحات التظاهر، إصرار الشباب يتطلب التعامل معه بما يخدم المرحلة لكي لا يجر البلد نحو عواقب غير محمودٌ أثرها يحمل مسؤوليتها أيضًا من في السلطة اليوم، سذاجة الساسة في أتخاذ القرار لا تغتفر، تدوير الوجوه وقولبة الشخوص وفق المراحل والمحاصصة غير مقبولة بتاتًا، في خضم ذلك ما زالت فرق الموت تقوم بأعمالها الإجرامية من قتل وخطف، وتغيب قسري للنشطاء والمدنيين من المتظاهرين على أكمل وجه وبأبشع الصور تحت غطاء القانون ومسميات رسمية التي لا تشوبها شائبة.

يبقى السؤال هنا، هل بإمكان الحكومة العراقية وأعضاء البرلمان العراقي اتخاذ قرارات صائبة ولو لمرة واحدة خلال مسيرتهم، من أجل العراق والعراقيين؟ من أجل هذا الوطن الذي أنهكت كاهله الحروب، هل سيستقبل العراقيين العام الجديد في ساحات الاحتجاجات؟ الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة عنها نتمنى أن يكون نصرًا للشهداء والمتظاهرين والعراقيين أجمعين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.