شعار قسم مدونات

كم حياة سنعيش.. إضاءات في عامِ ميلادي الثالث والثلاثين

blogs تأمل

انقضت أنفاسٌ في تعاقُبِ الليلِ والنَهار، ما بين احتباسٍ وإطلاقٍ لبداياتِ ونهاياتِ حكاياتنا التي تحكي إنسانيتنا بكل تفاصيلها، لِيُسَطِّر الزمنُ ما كان من ذكرى وما سيكون، سواءٌ كُنا فيه أم لم نكون، من بين أفراحِ العابرين والقادمين، وآلام الصابرين والساخطين، وعلى وَقْعِ أصداءِ كُلِ قصةٍ تحكيها أقدارُ ربِّ العالمين، أجيالٌ تتعاقب، ليلٌ يَسْترُ نهارنا بما زرعنا وحصدنا، ونهارٌ يَجْلي ظُلمَة الليل بما أسْررنا وبُحْنا على وساداتٍ أغْمَضَت الجُفون وأَرَّقَتِ العيون، وأراحت لحينٍ ظهوراً أهلكها حِمْلُ السنين، ونبضةٌ تتلوها نبضة إيذاناً بأنَّ الحياة وُهِبَت لي إلى أجلٍ غير معلوم إلا بِعِلمِ الله، عزيزٌ عليَّ هذا العام الثالث والثلاثون، فبِهِ أيْقَنت أنَّه لا جَنّة ولا إيمان من دون تحَمُّلِ نار صبر فتن الإبتلاء، وأن التَجَلي نورٌ يفتح أبواب البصيرة لحكمةٍ مخفية ولُطفٍ مُغلفٌ بالفجيعة وسكينةٌ تنبعثُ برضا القلبِ، عطاءٌ وهبةُ الربِّ للعبد، لعَّلَّ التخلية والتحلية للقلب تَرْقَى بالروح عُلُواً، وتَتَجلى به رفعةً بين أهل الأرض، لتَتَفتح آفاقَ البصيرة والتَّبَصُر والتفَكُر والتَدَبُر، وتَنْهَضُ به ليكون مختلفاً بِسُمُوه ونوره الذي يضيء حيثُما حَلّ أرضاً وسماء، قصيرٌ أملُ المؤمن بزمن غير معلوم الأجل، وقوي الأمل وصدوقٌ بقلبه وفعله وكأنه يريد أن يملأ الكون بكل ما يرتقي به الخلق جمالاً وعدلاً وإحساناً، ولو بِشَقِ تمرة، أو بكلمة طيبة، وصدق من قلب سليم.

في عامي الثالث والثلاثين.. أيْقَنْتُ أنَّ للصديق معنىً مختلف عن الصورٍ والمظاهر التي تبعثُ بحلاوة جمعة الأصدقاء وضحكاتهم، لِتَنعَكِسَ في العيون جمالاً بالعفوية والوفاء والترابط وحُب الحياة، وهدايا تنغدق في أعياد الميلاد وغيرها من المناسبات وصباحات المفاجآت والمُجاملات، وتتوالى الأيام بتفاصيلها وتعقيداتها وابتلاءاتها تباعاً، وتتصارع النفوس للعُلُوِ او للانحطاط، وتتدافع الجوارح لتُظهر أصل فعل وصفاء القلوب، ويضيق الحال ويَشْتَّدُ الألم بالحقيقة المنكشفة للخَيبات والوحشة والخذلان في وَحْلِ الوحدة، فلا صديقٌ يطيب إلا إذا كان جَسوراً بالحق والحُب ومُنبعِثاً بالقوة والأمل، ثابتاً في فتنة هوى النفس ومُتَبعاً لنور الهُدى، واحتضان يجلي الخوف ويُسكِنُ الألم، لا صديق حقيقي يظهر بنوره من دون لسعة الكذب وضعف النفس وسط الوقوع في وعورة الوحدة والشكوك والضعف وفتن الحياة، وما الصديق إلا "شعلة الحياة في لحظة الضعف والإنطفاء بمَعِيَةِ الله".

نضُجْتُ من بعد سذاجةٍ وجهلٍ في تقلب أيامٍ عشتها من دون ولادات تصفع بي إلى صرخات المتخلصين من كل عوالق الأنا، من دون فهمٍ حقيقي لحقيقة الروحٍ التي نُفخت في ذاتي من ربٍ أتَّجَّلى بِمَعِيْته مُتمسكةً بالعُروة الوُثْقى

في عامي الثالث والثلاثين.. أيقنت أن الحُبَّ ما هو إلا سِّرُ التجَّلي في الرُوح من الأرض إلى رحاب السماوات، وأنَّ الحياة أجمل بطوافٍ تُسَّبِحُ به كل الحواس حول كل ما نُحِبُ ونَرْقَى، سكينةٌ وأمانٌ للقلب وإن ضاقت الحياة بالصعابِ والمخاوف، أيقنت أنه لا حُبٌ إلا بتضحيةٍ من حظوظ النفس من كل ظُلمٍ أو خطيئة، وبذلٌ للمحبوب بالعدل والصدق والعون، ونورٌ يضيء عوالم انكشفت لترتقي الأرواح به بعين المؤمن المنكشف البصيرة بكل معنىً للبراءة والطهارة والعطاء والشفافية والزُهدِ من كُلِ حُرمةٍ وخطيئة.

في عامي الثالث والثلاثين.. أيقنت أنَّ الإبداع لا يَنْعَكِسُ في الكون إلا بجنونٍ نَتَخِذُه بقرارٍ مُجازَف من بعد دعاءٍ للتَّبصُّر والتفكُر، لنَخْتَلِقَ الأسباب متمسكين بعصا موسى بأن نضرب حاجز تحقيق الأحلام بكل جدٍ ودعاء مُستكين، وهبوطٍ يتلوه علو، وانهزامٌ تتلوه ابتسامة الهمة المُتولدة، ولا ضَيْرَ للفشل والانكسارات، ولا ضَيْرَ لكلام المُقَيمين من دون صدقٍ وإيجابيةٍ وحيادية، ولا ضَيْرَ لهمسات المُستغيبين والساخرين والمُحبطين والمُثبِطين، لا ضَيْرَ طالما احتفظ الإنسان بقوةٍ وصبرٍ لقلبٍ طاهرٍ وسليمٍ حليم، فالجنون الجنون في التحدي والإقدام والخيال والتخيل بأنَّ هنالك هدفٌ علا في القمةِ في مكان وزمانٍ ما، لا ضَيْرَ لا ضَيْر، فالمهم أن تكون كما تُحبُ وترتقي وتختلف بنورٍ يُميزك في وسط الظلام.

نضُجْتُ من بعد سذاجةٍ وجهلٍ في تقلب أيامٍ عشتها من دون ولادات تصفع بي إلى صرخات المتخلصين من كل عوالق الأنا، من دون فهمٍ حقيقي لحقيقة الروحٍ التي نُفخت في ذاتي من ربٍ أتَّجَّلى بِمَعِيْته مُتمسكةً بالعُروة الوُثْقى، ومن ربٍ وهبني برحمته حكمةً مغلفةً باللطف لتَخْلية القلب وتحليته، ومن البعد عنه يؤنبي ويُقربُني ويرضيني، لتتطمئِنُ النفسُ التي انساقت بهواها إلى هدى بارئها من بعد قوةٍ انكاثاً لاجتثاث دنيويات النفس والروح والجسد، ومن بعد أسبابٍ وهبها خالقي لي لتُعينني من بعد السنين العجاف العطشى لسماء التجلي بالسكينة وبروح التحلي بالرضا والطُمأنينة، وبجمال التَوْقِ للقاءِ الحبيب في خيالات المُحبين، كم تشتاق الروحُ لروحٍ تختزلها من شباك الأرض إلى رحاب السماوات وإن أغرقتها الأحزان والهموم، روح تُشابه الروح وتَنْتَقِصُ لقاءها، فتلقاها متلهفةً لِيَغفو الرأس على الكتف وتتجرد الذات من ثقل الأنا، من بعد سُبات الغافلين عن معيةٍ من روح الله بوحي مُنَّزَل من فوق السبع سموات، فالحمد لك يا ألهي على ما وهبتني إياه من أرواحٍ أخذت بروحي لهُدى النفس وتجلي الروح وحُسن الفهم لكلماتٍ أوحيتها لي لتُرمم الذات في لوحك المحفوظ، الحمد لك على محبتك لي ومعيتك الدائمة في طاعتي ومعصيتي، وذكري وغفلتي ،في ضعفي وقوتي.

لم أتوقع أو أتخيل يوماً أن أصل إلى ما أنا عليه من قوةٍ بعد ضعف ومن فُسْحَةِ روحٍ من بعد ضيق الشَّكِ والذنب، ومن نفسٍ أهلكها الجسدُ المُثْقَل بصراعات الأرض الدنيوية والأفهام العالقة بهشاشةٍ من دون وعيٍ وفهمٍ وتَفَكُر، والطريق تطُولُ وتطُول للبحث وللوصول، ولا صفةً محددةٌ للوصول المبذول، فكلما هَمَمتُ للراحة اجتهدتُ للبحث عن سِّر التجلي لروحي، والتَخَلي والتَحَلي لقلبي، باحثةً عن أسباب البذل للخير تخفيفاً عن همي وضيقي، والتماس الحقيقة المجردة للإيمان وما يتبعه من عمل الخير الدي يبعثُ على راحة النفوس و فرحة القلوب، وتأكيداً أننا ما خِلقنا إلا لنكون أحَدَ الأداتين، فإمَّا أداة خير وإمَّا أداة شر، في عامي هذا أيقنت أنَّ معرفة الله تنعكس في الاستقامة على شرعه الذي يسمو بإنسانيتنا، وأن الفرح صدق الأرواح، وأن الصديق موقف صدق ونور وحبٍ، وأنَّ الحبَّ تجلِّي للروح وأفراحها في مدارات تأخذنا لبصيرة جمال نور هدى رب العالمين، أيقنت أن الطفولة تسكن في القلوب الناضجة والواعية عقولهم والمُرْهَفَةِ بالصدق والسلامة قلوبهم والمُنْطَلِلقة للسماء أرواحهم، وإن حَطَّتِ الأجساد على الأرض في الحياة الأولى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.