كانوا يناشدون اللاجئين بالرحيل معللين استنزاف الاقتصاد بوجودهم لتبقي تلك الأحزاب على عقلية التوريث في الحكم والمناصب والاختلاس من المديريات العامة، فكل ما يحكى في تلك البلاد عن وطنيات لا تتعدى صدى المنابر التي يتكلمون منها فلبنان اليوم ليس أوروبا الشرق كما كان يحكى وكان لابد للمواطنين أن ينتفضوا من تحت الرماد فأحلام الشعب البسيطة كبرت على سياسي لبنان ولم تكن الحرية المطلب الأول لنزولهم إلى الشوارع كباقي الدول العربية الثائرة وإنما لإيقاف الاختلاس الاقتصادي من قبل السياسيين في لبنان.
وخلال هذه السجالات السياسية والمناطقية المقيتة التي يعيشها لبنان فإن جميع سياسيه يرمون بتعطل التنمية في لبنان إما على لاجئين خرجوا من أوطانهم مكرهين أو على أياد إقليمية خفية يعلمونها علم اليقين دون إزاحتها عن وجه وطنهم لبنان صاحب الاقتصاد المتعثر، فالدين العام اللبناني بلغ ما نسبته 151 بالمئة من إجمال الناتج المحلي عام 2018 مع العلم أن لبنان يملك من مقومات النهوض الاقتصادي الكثير بدأ من السياحة والزراعة والتجارة إلى الثروات الباطنية الغير مستثمرة.
الفرص الاستثمارية في لبنان كثيرة جدا إلا أن قرارات المستثمرين في العشر سنوات الأخيرة لم تكن لصالح لبنان نتيجة المخاطر السياسية والمناطقية التي يعيشها البلد فقد تقلص الاستثمار الأجنبي بنسبة 32 بالمئة |
التضخم الاقتصادي وغياب التطوير المنشود في البنى التحتية وتواتر حدة التصريحات السياسية انعكس كل ذلك سلبا على أداء بوابة المورد الأول في لبنان وهو السياحة والذي إذا ما تم استثماره سيشكل موردا لا يستهان به في مقابل ما ستصرفه الحكومة لتطويره، فهناك الكثير من التصريحات الاحصائية المتخبطة المتعلقة بعدد الزوار والسياح والمتعلقة بالعائد المباشر والغير المباشر لقطاع السياحة في لبنان ومساهمته في الناتج القومي فكانت إيرادات لبنان من السياحة عام 2018م 8.4 مليار دولار بعدد سياح وصل إلى 1.96 مليون سائح بحسب تقديرات منظمة السياحة العالمية إلا أن سياسي لبنان لم يأخذوا بأهمية هذه النعمة سوى لزيادة أرصدتهم البنكية في الخارج وبناء مشاريعهم الخاصة فباءت الكثير من المخططات والمشروعات السياحية بالفشل وذهبت هذه المليارات دون استثمارها في إحياء هذا القطاع الذي يمكن أن تعتمد عليه لبنان كمصدر مهم من القطع الأجنبي ورفع قيمة العملة اللبنانية.
وبحسب الدراسات التي تعكس الواقع الحقيقي للنفط والغاز اللبناني الغير مستثمرين، يوجد فقط في المياه الإقليمية اللبنانية وبحسب الدراسات أكثر من 30 تريليون قدم مكعب من الغاز وأكثر من 660 مليون برميل من النفط أغلبها مغيب عن الاقتصاد اللبناني نتيجة التحاصصات السياسية والتجاذبات الإقليمية والمتعلقة بترسيم الحدود القضية المطروحة منذ سنوات دون حل يذكر.
أما عن التصدير اللبناني فقد تراجع خلال سنواته الأخيرة ليشكل الاستيراد نسب أعلى وبالتالي عجز أكبر في الميزان التجاري اللبناني مع وجود ضائقة في التدفق المالي للاستثمار في لبنان ليشكل التصدير ما يقارب نسبته 25 بالمئة من الاستيراد والمثير للريبة حصول البضائع الأمريكية على المرتبة الأولى في قائمة الاستيراد في لبنان، ليصبح مركزا للبضائع الامريكية في الشرق الأوسط ما لم تتم معالجة الوضع الاقتصادي اللبناني وما يدعو للتبيان وجود تباين غير منطقي بين العقوبات الأمريكية على لبنان نتيجة علاقته مع إيران والبضائع الأمريكية التي تحتل المرتبة الأولى من الاستيراد.
ومن ناحية أخرى فإن الفرص الاستثمارية في لبنان كثيرة جدا إلا أن قرارات المستثمرين في العشر سنوات الأخيرة لم تكن لصالح لبنان نتيجة المخاطر السياسية والمناطقية التي يعيشها البلد فقد تقلص الاستثمار الأجنبي بنسبة 32 بالمئة خلال السنوات السابقة ووصلت نسب البطالة إلى 36 بالمئة في فئة الشباب بحسب تقديرات البنك الدولي. أما عن القطاع الزراعي فيعتبر من أهم مكونات الاقتصاد اللبناني حيث يشكل هذا القطاع مصدر دخل لما يقارب 14 بالمئة من السكان حيث تتوفر في لبنان اليد العاملة والتربة الخصبة والمناخ المتنوع إلا أن الإجراءات الحكومية الخجولة للحفاظ على هذه الثروة وتطويرها وغياب القوانين والخطط الناجحة والمنتظمة جعلت هذا القطاع يعاني من مشاكل عديدة تحتاج إلى حلول مدروسة مباشرة وإلا سيخرج هذا القطاع من الثروة اللبنانية.
وإذا ما نظرنا إلى الخطط العربية في مواجهة المشاكل الاقتصادية نراها موحدة فيما بينهم ولا توحدهم لمواجهة ما يعانون من أزمات، فقد لجأ أصحاب القرار في لبنان من أجل حل كارثة العجز الاقتصادي في الموازنة اللبنانية والعمل على تحسين الوضع المعيشي للمواطنين إلى تصريحات وقرارات معسولة قدمت للمتظاهرين الغاضبين المطالبين ولأول مرة بإسقاط جميع السياسيين دون تمييز طائفي والكثير يحمل الكيان الصهيوني مسؤولية عدم تنفيذ المشاريع ليعودوا إلى الأيادي الخفية وأذرع اسرائيل في لبنان وأذرع إقليمية أخرى.
وأخيرا يستطيع لبنان بمساهمة سياسييه ومن يدعي حماية لبنان من العدو الصهيوني أن يدافعوا عن مشاريعهم التي تؤمن للمواطن اللبناني حياة كريمة إن باشروا في إنشائها وجعلوا خلافهم السياسي بعيدا عن قوت المواطن واقتصاد البلاد ليخلقوا بذلك مناخا استثماريا جيدا محاسبين كل العصابات التي تتحكم باقتصاد لبنان ومصادر دخله واضعين الخطط اللازمة من أجل النهوض بالاقتصاد اللبناني بأيادي بيضاء ذات خبرة اقتصادية ومهنية، فلبنان ليست غزة المحاصرة وتملك كل مقومات الاقتصاد بكل معانيه ولا بد للبنان أن يستفيد من الدعم المقدم له والمقدر بـ 11 مليار دولار والتي أقرت كمنح وقروض خلال مؤتمر سيدر في عام 2018 دون اختلاس هذه المليارات أو إيقاف تدفقها بسبب النزاعات السياسية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.