شعار قسم مدونات

لا تسقط في فخ لحظات الصداقة!

blogs صداقة

تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صورة لهرم يشرح درجات الصداقة حسب المعجم العربي، فأرسلتها لي إحدى معارفي (هي كانت تعتبرنا أصدقاء) وسألتني عن رتبتها في سلم صداقاتي، فأجبتها بكل صراحة تامة: "علاقاتنا لم ترتقي بعد إلى أن أقول أنك صديقتي، أنت إنسانة عزيزة علي، نجالس بعضا أوقات، ونتقاسم لحظات جميلة.. لكننا لم نصبح بعد أصدقاء". فغضبت مني وقالت إنها كانت تعتقد إننا رفقة رائعة وأصدقاء أوفياء.. قالت إنني أعاملها معاملة مميزة وأن ما بيننا قوي؛ نلتقي كثيرا، ونضحك سويا ونتشارك أوقات ممتعة.. فما الذي يمنع من أن نكون ـصدقاء.. هكذا سألتتي!

فأجبتها: "إن كل ما قلته مدعاة سعادة كبيرة لدي، لكنه ليس صداقة.. في هذا العالم بالظبط لا يمكن أن أكون منافقة وأن أجاملك. أنت إنسانة غالية على قلبي، أستمتع بالوقت الذي نمضيه معا، أحبك ولن اتهاون يوما في تقديم يد العون ما استطعت إن احتجتني، ولكن لن أكون مضحية ولن أكون من أهل الإيثار.. فما بيننا ليس بصداقة، ويمكننا أن نسميه "لحظات صداقة". خبرة السنين تعلم الكثير، وقد تعلمت أن أسمي الأشياء بأسماءها، وأن لا أبعثر الألقاب بعشوائية وأن أعطي لكل ذي حق حقه؛ الصديق ليس كالرفيق، والرفيق ليس صاحبا، وليسوا من نصاحبهم أخلاءنا! هذا الأمر لا يعني أنانية أو ما شبه، وإنما إنصاف لك قبل أن يكون لي، أو الأحرى لهذا الرابط القوي والمثين الذي يجمع بني البشر.

علامات الصداقة كثيرة، وتختلف من شخص إلى آخر؛ فقد يكون الصديق هو الشخص الذي تستطيع الاتصال به في الرابعة صباحا لكي تخبره عن موضوع تافه وإن لا ترى في تصرفك أي إزعاج!

تعلمين أنني لا أومن بحياة بلا صديق، وإني أقدس وأحترم هذا الشي الذي بيني وبين أصدقائي، وقد أفضله على الحب وعلى القرابة أحيانا.. ولهذا السبب بالظبط، أنا لا أنادي أي كان صديقي.. تخرب الحياة بلا صديق وقد قالها الإمام الشافعي: "سلام على الدنيا إن لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا!"، هذا ليس كلاما أو شعرا فحسب، وإنما مسؤولية وعهد مثين. الصداقة يا عزيزتي عالم غريب، معقد وبسيط في الآن ذاته؛ هو نتاج توافق فكري واختلاف في الطباع ومودة وعشرة تتجاوز المطبات بكل سلاسة.. الصداقة نتاج مواقف "جدعنة" -كما يقول أهل مصر في عاميتهم-، والصديق خضن تلجأ إليه في حالات الضيق والفرح والسعادة والترح.

علامات الصداقة كثيرة، وتختلف من شخص إلى آخر؛ فقد يكون الصديق هو الشخص الذي تستطيع الاتصال به في الرابعة صباحا لكي تخبره عن موضوع تافه وإن لا ترى في تصرفك أي إزعاج! وقد يكون الصديق شخص نلعن الحياة معا، ونقاوم هزاتها معا. الصداقة هي أن اقحمك دواخلي وأناقشك عيوبي وكأنني أناقش أطروحة دكتوراه.. أن لا يخالجنا الشك والحرج.. أن أعيش ضعفي أمامك وأعري نواقصي وأنا في تمام راحتي، وأن أرفع التكلفة والألقاب! وأنا لا استطيع أن أفعل أي شيء مما ذكرته معك! حتى أنك لا تعلمين شيئا عن تقلباتي المزاجية، وعن حماقاتي وانهياراتي الداخلية.. أنت يا عزيزتي لا ترين سوى الجانب المضيء مني والذي تحبينه.. ألم تقولي بأننا نضحك سويا حد البكاء، إنك تترجمين تلك الدموع على أنها دليل هستيريا ضحك، بينما هي قد تكون إشارة على أنني فقدت توازني.

أرسطو يا حبيبتي قسم الصداقة إلى ثلات أقسام: صداقة المصلحة وصداقة المتعة، وكلاهما تنتهيان بزوال المصلحة أو المتعة واللذة. وصداقة الفضيلة؛ أساسها عميق، عميييييق جدا. أتمنى أن تتفهمي كلامي، قد نكون يوما أصدقاء فضيلة، وسأكون سعيدة بذلك.. لكننا لم نصبح بعد كذلك. كوني حريصة في مسمياتك وثريتي في الروابط الاجتماعية، ولا تقولي على فلان أنه صديق، إلا إذا كان فعلا أهلا لذلك.. وثريتي في اختيار الصديق أكثر من اختيار الشريك.. وتذكري أن الصديق قبل الطريق. وحتى تتفهمي موقفي أكثر، تأملي هذه المقولة لجبران خليل جبران، ضعيها نصب عينيك وتأملي معانيها: لا تطلق مسمى الصداقة على كل عابر يمر بحياتك حتى لا تقول يوما الأصدقاء يتغيرون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.