شعار قسم مدونات

أول ذروة في صراع الرئيس عبد الناصر المعلن مع زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة

blogs عبد الناصر

تمثل الأزمة المعروفة تاريخيا على أنها استقالة كمال الدين حسين بسبب موضوع الانتساب في الجامعات ذروة من الذروات المبكرة أو الأولى في صراع الرئيس عبد الناصر المعلن مع زملائه من أعضاء مجلس قيادة الثورة بعد أن أصبح هو رئيسا على حين بقوا هم عند ما كانوا قد وصلوا إليه كوزراء.

 

وأبدأ بالإشارة الى أن رأيي في هذا الموضوع يتعارض تماما مع ما يشاع عن تحيزاتي للأشخاص، فمن المعروف أني أحب كمال الدين حسين جدا، لكني مع حبي الشديد له أراه في الناحية الموضوعية من هذه الأزمة مخطئا تماما حتى لو كان كل العمداء والأساتذة من صفه وفي صفه، ذلك أن كل جهد ممكن لتوسيع رقعة التعليم العالي مطلوبا بل واجبا، أقول هذا عن اقتناع ومشاركة جادة ومتحمسة فقد شاركت بكل ما استطعت من الجهد من مواقع مختلفة ومن دون منصب حتى أنشئت الجامعات الخاصة وما تلاها من تعليم مفتوح وانتساب موجه …الخ ، أعرف أن الدواعى لإثارة موضوع فتح الانتساب في 1957 لم تكن تنموية ولا تربوية لكن هذا لا يؤثر في اقتناعاتي بل إنه يزيدها قوة.

 

أنتقل بسرعة الى حقيقة أخرى وهي أن المستشارين المقربين من كمال الدين حسين كانوا يعرفون عن يقين أن جذور هذه الدعوات قد لقيت معالجة ممتازة في عهد وزارة الوفد الأخيرة (1950-1952) , وان قيادات الجامعة حصلوا على الموازنات الكافية والملائمة بالمواكبة مع قرارات التوسع في التعليم الجامعي وانشاء كليات جديدة، وقد كان في وسع كمال الدين حسين بمشورتهم ان يحل الموضوع بمثل هذه الطريقة لكنه كان كما نعرف عصبيا، ننقل بعض تفصيلات هذه القصة من رواية للاستاذ سامي جوهر عن كمال الدين حسين نفسه وقد أوردها في كتاب " الصامتون يتكلمون " .

 

ومن فقرات كثيرة وردت على لسان كمال الدين حسين في روايته للأستاذ سامي جوهر نقتطف هذه الفقرات المصورة لتعاقب الاحداث: " بعد أن تقدمت ببيان سياسة وزارة التربية والتعليم إلى مجلس الأمة وأحيل إلى لجنة التربية والتعليم وتمت الموافقة عليه، وصل إلى علمي أن عدداً من أعضاء المجلس المعروفين بميولهم الشيوعية يحاولون جمع رأي عام في المجلس للموافقة علي فتح باب الانتساب في الجامعات بدون قيد ولا شرط..

" لم أهتم في بادئ الأمر.. إلا أنه حدث في أحد اجتماعات مجلس الوزارة.. وكان يرأسه جمال عبد الناصر أن قال لي بعد انتهاء الجلسة:

– يا أبو كمال ما تسيب باب الانتساب في الجامعات مفتوح للجميع.. [نريد] الناس تبقي مبسوطة.

وقلت له:

– مش ممكن يا ريس.. احنا حددنا القبول لمن ينجح وحصل عي 50% أما غيرهم فلن تكون هناك أماكن لاستيعابهم ولا أساتذة ولا مدرجات.

فابتسم وقال :

– بكرة تشوف مجلس الأمة ها يعمل لك ايه"

   undefined

  

نتوقف لنشير الى ان النظام في ذلك الوقت كان يسمح بالنجاح باقل من 50% ولم يكن يشترط نجاحا فى المجموع، و يواصل كمال الدين حسين ما يمكن وصفه (و لو ظلما) بأنه التعالي على الرغبات الشعبية حسبما يروي هو نفسه: " ولم أعر الأمر اهتماما في البدء.. الا أنني فوجئت أن عددا من الأعضاء تقدموا إلى المجلس بمشروع قرار برغبة بإباحة الانتساب للكليات النظرية في الجامعات الثلاث.. وكان وقتئذ جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية، لجميع الحاصلين علي الثانوية العامة دون التقيد بحصولهم علي 50%.. تقدموا بهذا المشروع يوم 2 ديسمبر.. وبدأت جلسات مناقشته.. وأحيل إلى لجنة التربية والتعليم..

 

"ولأول مرة لم تتخذ اللجنة قراراً محدداً.. فقد عارض المشروع عدد من أعضاء اللجنة وأيده عدد من الأعضاء.. لم تصل اللجنة بذلك إلى قرار..

"وطبقاً للائحة فقد أعيد مشروع القرار برغبة إلى المجلس لمناقشته.. وتحددت جلسة الثلاثاء 10 ديسمبر 1957 لهذه المناقشة.. واستمرت المناقشة عنيفة حتى منتصف الليل.. وكنت حاضراً الجلسة..

 

"وبعد قفل باب المناقشة أخذت الأصوات فنال مشروع القرار برغبة أغلبية.. ووجدت نفسي أنني لن أستطيع تحقيق هذه الرغبة لأنها ضد الصالح العام. وليس الغرض منها الا كسب رخيص لإرضاء الجماهير.. "

وذهبت إلى مكتبي في الوزارة وكتبت استقالتي.. وطلبت جمال عبد الناصر تليفونياً، وأصررت أن أقابله في نفس الليلة.. وقدمت له استقالتي بعد منتصف الليل" .

 

ثم يروي الأستاذ سامي جوهر ما يدلنا على تمسك كمال الدين حسين برأيه حتى ذلك الوقت الذي جرى فيه الحديث بعد عقدين من الزمان: " وقام كمال الدين حسين من مكانه ودخل غرفة مكتبه وأحضر صورة من خطاب استقالته ونصه:

 

من جانبي أنا كاتب هذه التدوينة فإنني لا زال أرى النهاية التي أسعدت كمال الدين حسين نهاية مؤسفة مهما كان حظها من إرساء معارضة في وجه الديكتاتور

السيد رئيس الجمهورية

لقد عهدتهم إلى القيام بأعباء وزارة التربية والتعليم، وقد حاولت جهدي أن أؤدي واجبي بما يرضي الله والوطن والضمير مترسما مبادي الثورة المجيدة، عاملا علي خدمة بني وطني بكل ما أوتيت من قوة، ولكن يظهر من قرار مجلس الأمة في جلسة اليوم أنه غير مقتنع ببياني خاصة بموضوع الانتساب في الجامعات وما رأيته عن اقتناع وبعد استشارة المجلس الأعلى للجامعات ومجالس الجامعات المختلفة، ولما كنت أجد نفسي إزاء ما عاهدت به ربي وضميري من ألا أقوم علي عمل إلا إذا كنت مقتنعاً بفائدته للوطن والمواطنين الذين أبذل نفسي دائما في خدمتهم، ولما كنت غير قادر علي تنفيذ هذه الرغبة من المجلس، فأني أرجو أن تتفضلوا بقبول استقالتي من وزارة التربية والتعليم، راجياً لكم دوام التوفيق في الأخذ بيد الوطن إلى مراقي العز والسؤدد.

المخلص

كمال الدين حسين

 

ثم يواصل كمال الدين حسين الحديث ة للأستاذ سامي جوهر عما يذكره من تفصيلات تتعلق بالتداعيات التي ترتبت على موقفه: " وانتظر كمال الدين حسين حتي انتهيت من نقل استقالته واستأنف حديثه قائلاً:

" تركت الاستقالة لعبد الناصر معلناً إصراري عليها، وعدت إلى منزلي واعتكفت به، وجاءني في الصباح الأخ بغدادي محاولاً إقناعي بالعدول عن قراري.. ولكنني أبلغته إصراري عليها.."

 

"وبدأ توافد أعضاء مجلس الأمة إلى منزلي يحاولون إقناعي هم الآخرين بسحب استقالتي على أساس أن القرار برغبة لا يلزم الوزير بتنفيذه.. الا أنني كنت مصراً على الاستقالة.. اعتبرت أنها مناورة لأحراجي برفض سياسة التعليم التي كنت رسمتها.."

   

وتنتقل الأزمة إلى صيغة مؤسسية مع قادة الجامعات ومجالسها التي دعمت كمال الدين حسين وهو الذى كان قد تبنى رؤيتهم : "وفي نفس اليوم اجتمع المجلس الأعلى للجامعات برئاسة المرحوم محمد كامل مرسي مدير جامعة القاهرة وحضور الدكتور السعيد مصطفي السعيد مدير جامعة الإسكندرية والدكتور أحمد بدوي مدير جامعة عين شمس وجميع العمداء وأصدر قراراً بعدم قبول المنتسبين إلا في حدود الشروط التي سبق أن تم الاعلان عنها".

    

أعود لأكرر أنه من جانبي أنا كاتب هذه التدوينة فإنني لا زال أرى النهاية التي أسعدت كمال الدين حسين نهاية مؤسفة مهما كان حظها من إرساء معارضة في وجه الديكتاتور: " وفي يوم الأحد 15 ديسمبر طلب عبد الناصر أن يقابلني.. وحضر المقابلة المشير عبد الحكيم عامر.. "وتم الاتفاق أن يرفض عبد الناصر الاستقالة على أن يعلن أن السياسة التي يعرضها الوزراء علي مجلس الأمة لوزاراتهم هي تعبير عن سياسة الحكومة.. "ووافق عبد الناصر.. "وانتهت الأزمة بعد أن جعلت عبد الناصر يقر سياستي ولا يسعي إلى كسب لإرضاء الجماهير على حساب الصالح العام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.