شعار قسم مدونات

لماذا لن يرحل ترمب قريبا؟

blogs ترمب

لم تعد نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي مجرد سياسية اعتلت رئاسة أحد مجلسي الكونجرس، بل أصبحت أملا للكثير من شعوب العالم وربما حكامهم، وذلك عقب إعلان تحديها لسيد البيت الأبيض، ومساعيها لعزله وإنهاء حياته السياسية، على خلفية تهم خيانة الأمن القومي الأمريكي. لم يقتصر الهجوم على ترمب من قبل الديموقراطيين وفقط، بل امتد إلى أعضاء جمهوريين، حيث شكل اتهام ميتش ماكونيل زعيم الجمهوريين، لترمب بتقويض الأمن القومي، في أعقاب قراره بالانسحاب من سوريا، ضربة جديدة لم تظهر تبعاتها حتى الآن، ولكنها تشكلا خطر ينذر بتخلي الجمهوريين عن ترمب.

ووسط كل هذه الأحداث المتشابكة ربما يتساءل القارئ هل سيرحل ترمب عن منصبه قريبا، وهل تؤثر هذه الأحداث تأثيرا حقيقيا في مسار عزله، ولو حدث ذلك هل ستنتهي الحروب التجارية، وهل سيتوقف دعم الأنظمة الديكتاتورية حول العالم وعلى رأسها مصر، وهل سيعم الاستقرار السياسي والاقتصادي العالم، ربما نحاول أن نجيب على تلك التسؤلات التي تراودنا جميعا. التطورات الأمريكية سريعة ومتعاقبة، وتشكل تغيرا جوهريا في سياسات ترمب مع دول العالم، خاصة وهو يعلم أن الديموقراطيين يحاصرونه، ويستغلون الأحداث ضده بداية من الحكم القضائي الذي يلزمه بتسليم إقراراته الضريبة، ومرورا بطلب استدعاء تسليم مكالماته مع فلادمير بوتين رئيس روسيا، وأزمته مع الرئيس الأوكراني، وانتهاءا بقراره المعني بسحب القوات الأمريكية من سوريا بداية شهر أكتوبر الماضي.

المسار الثاني فشل الديموقراطيين في إكمال إجراءات العزل، وذلك بعد أن يصوت الجمهوريين ضد قرار الاتهام -وهو المتوقع- وهنا يبدأ فصل جديد في حياة أغلبية مجلس النواب

وبالرغم من الضغط المستمر لعزل الرئيس الأمريكي من قبل مجلس النواب إلا أن الأمر يحتاج دعم الجمهوريين على الأقل بتصويت نحو 19 عضوا من مجلس الشيوخ، على اعتبار أن أصوات الديموقراطيين والمستقليين محشودة في مسار العزل، وإذا نجح الديموقراطيون في ذلك ستكون نهاية ترمب وشيكة. في نهاية الشهر الجاري، سيعرض مجلس النواب قرار اتهام الرئيس الأمريكي على مجلس الشيوخ -الموالي أغلبه لترمب- وإذا حصد القرار 67 صوتا وأيدوا لاتهامات الموجه له، سيصبح الرئيس في أزمة حقيقية تستوجب محاكمته.

فرص ترمب في الاستقالة والإفلات من المحاكمة، كما فعل الرئيس نيكسون، متاحة ولكن ذلك قبل وصول قرار الاتهام إلى مجلس الشيوخ، ونظرا إلى طبيعة ترمب وتكوينه الشخصي سيكون احتمال استقالته مستبعدا، فهو لن يستسلم بسهولة، ولن تكون هناك إعادة لما حدث مع رؤساء سابقين، فالرئيس الحالي سيسطر تاريخا جديدا غير متكرر. وفي ظل سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، واستحواذهم على 53 مقعدا، تواجه مساعي الديموقراطيين لعزل ترمب صعوبة كبيرة في التنفيذ، حيث أنه من المتوقع أن يتم عرقلة إدانة الرئيس، التي تحتاج نحو 67 صوتا لتوجيه الاتهام وبدء محاكمته، لذلك قد يبدو ترمب مطمئنا غير عابئ بخطوات نانسي بيلوسي وفريقها.

وقبل إصدار ترمب قرار إنسحاب الجيش الأمريكي من سوريا ربما كان يكون اطمئنانه في محله، حيث أن المشهد ربما كان يسير في طريق رفض الإدانة وضمان نجاته من خطط الإطاحة، أما الآن وبعد غضب غالبية أعضاء الحزب الجمهوري، وعلى رأسهم ميتش ماكونيل زعيم الجمهوريين أصبحت فرص الإطاحة به مرتفعة بالرغم من صعوبتها، وأصبح يواجه رئيسة مجلس النواب الديموقراطية، ورئيس مجلس الشيوخ الجمهوري. ويشارك في التحقيقات 6 لجان مطالبة بتقديم تقاريرها بعد عملية موسعة من البحث والتحقيق وتشمل اللجنة القضائية والاستخباراتية والخدمات المالية والعلاقات الدولية، حيث سيبحثون الأمر من مختلف جوانبه، مما يصعب محاولات ترمب للسيطرة على بعض المشاركين في التحقيق.

مما سبق يبدو أن الحرب المستعرة بين الديمقراطيين والرئيس ترمب لن تنتهي بخير، فالنتائج لن تخرج عن مسارين، الأول نجاح مساعي عزله وبدء محاكمته، مما ينعكس على القضايا والملفات الدولية والمحلية، حيث سيفقد كثير من حكام المنطقة الحماية التي كان يوفرها لهم، والدعم الذي كان يمنحهم إياه على غرار (أين السيسي.. أين ديكتاتوري المفضل)، وسينظر بعين جديدة لمعايير حقوق الإنسان التي انتهكت خلال ولايته، كذلك ستنطفئ نيران الحروب التجارية المستعرة بن دول عدة. والمسار الثاني فشل الديموقراطيين في إكمال إجراءات العزل، وذلك بعد أن يصوت الجمهوريين ضد قرار الاتهام -وهو المتوقع- وهنا يبدأ فصل جديد في حياة أغلبية مجلس النواب، في مواجهة القائد المنتصر الذي سيسعى لإنهاء حياتهم السياسية أمام قواعدهم الشعبية، ويقتل كل الفرص في حصولهم على أصوات الشعب الأمريكي في الانتخابات المقبلة، التي من المرشح أن يخوضها ضده جون بايدن، أو بيرني ساندرز، أو إليزابيث وارين أو أي ديموقراطي قد ينوي الترشح لسيادة البيت الأبيض.

ويأتي اقتحام عدد من النواب الجمهوريين لإحدى جلسات مجلس النواب المنعقدة لمساءلة الرئيس الأربعاء الماضي، تأكيدا على أن الحلفاء لن يتخلوا عن حليفهم، إذ أن دخول النواب عنوة إلى قاعة شديدة التأمين وتعطيل شهادة مسؤولة من وزارة الدفاع، يدل على استماتتهم في الدفاع عنه ومنع إتمام عزله بكل السبل، الأمر الذي يرجح توقعات فشل الديموقراطيين في إنهاء حياة سيد البيت الأبيض السياسية، ونجاحهم فقط في تقليص فرص فوزه في انتخابات جديدة في 2020.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.