شعار قسم مدونات

اغتيالات إسرائيل والأمن القومي للحركة

blogs غزة

بعد أن استطاعت إسرائيل وضع حد لحياة بهاء أبو العطا القائد البارز في سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الفلسطينية، في عملية أشرفت عليها قيادتها متمثلة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير جيشه وجهاز الأمن العام، في دلالة واضحة على أهميتها، يسأل الكثيرون، عن خيار الاغتيالات الإسرائيلية وتفعيله من جديد، خاصة بعد الهدوء الذي أعقب المواجهة بين فصائل المقاومة في غزة وإسرائيل والتي استغرقت عدة أيام.

  

حاولت اسرائيل خلال موجة التصعيد الأخيرة اللعب على أوتار الشقاق بين حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، بالترويج لتخلي القسام عن الدخول في المعركة ليعضد السرايا التي ناصرت حركته في جولات سابقة، لكن صور والتصريحات الأخوية المتبادلة بين الحركتين فوت الفرصة على إسرائيل.، كان من الطبيعي أن حركة الجهاد الفلسطينية وقفت أمام اختبار حرج بعد الحدث الذي فاجئها باستهداف قائدين لها في غزة ودمشق، وخيارات ضيقة تنازعت الحركة قبل الحسم والحكم، فخسارتها بمقتل أحد أعضاء مجلسها العسكري العام، وقائد المنطقة الشمالية، وأحد كوادرها الفاعلين في تطوير قدرات الجهاز، وإدارة العمل فيه، والتخطيط للعمليات التي تقوم بها الحركة، وأحد شخصياتها النائبة عن الجهاز العسكري في الاجتماعات الخارجية كاللقاءات التي تجمع الحركة مع المخابرات المصرية.

 

كما أنه يصنف كأحد أبرز ثلاث شخصيات على المستوى الإقليمي لهم ارتباطات بإيران وضعتهم إسرائيل على قوائم الاغتيال، وهم حسن نصرالله وقاسم سليماني وبهاء أبو العطا وفق ما نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية قبل أيام من عملية الاغتيال، بل تعده إسرائيل رجل إيران الأول في غزة، وتصفه ب "القنبلة الموقوتة"، وقد تعرض لثلاث محاولات اغتيال كان اخرها عام 2004م نجا منها، وقد تصدر اسمه عناوين الأخبار في وسائل الإعلام الإسرائيلية في الفترة السابقة كشخصية مؤثرة قادرة على ضرب إسرائيل وخرق الهدوء في غزة وإحراج حماس التي تدير القطاع، ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لإصدار مجموعة من العقوبات بحقه.

 

ليست هذه المرة الأولى التي يستهدف الجيش الإسرائيلي الأمن القومي لبعض الفصائل الفلسطينية، لكن التعطي من هذه الفصائل مع ذلك كان متبايناً،

وعلى الطرف الآخر فإن حركة الجهاد الفلسطينية التي تعد ثاني أكبر حركة مسلحة في غزة بعد حماس الحاكمة، كانت تتأرجح بين مطرقة الثأر لقائدها وسندان الأخوة مع الحليف الأكبر حماس التي لا ترغب في التصعيد وتقدم التريث ومجموع الشعب الغزي الذي تخشى أن تأتي إسرائيل عليه بطائراتها، فكان ترك الثأر الموازي لحجم الضربة التي تلقتها يعني خيبة لدى أنصار الحركة ومن ينتظر تصديق قولها بالفعل، كما أن إقبالها على انتقام كبير يعني وضع جميع المواطنين في قطاع غزة تحت مطرقة حرب واسعة جديدة أشد من حربي 2012م و2014م، كما يرجح المراقبون.

 

ومن المقطوع به في علوم السياسة والأمن والعسكر، أن الكيانات والدول والجماعات تستمد قوتها من سيادتها، فلكل دولة أو كيان أمناً قومياً لا يُسمح باختراقه، فإن تعرضت الدول لاختراق أمنها القومي الذي تحدده لذاتها كقتل أو خطف بعض رموزها، أو الاستيلاء على أخطر معلوماتها وسجلاتها، فإنها قد تشن حروباً لحفظ ذاتها، وزجر المعتدي عليها، أو تتخذ قرارت مصيرية، وكذلك الجماعات والحركات، فاغتيال قائد من أعظم ركائزها خرق لأمنها القومي، وتجاوز لخط أحمر فيها، يستوجب منها التعامل مع الأمر بصرامة، وإلا فقدت مكانتها وقيمتها.

 

وبالرغم من قصف سرايا القدس لمدينة تل أبيب، التي تعد العاصمة السياسية غير المعلنة لإسرائيل، وتوجيهها ضربات صاروخية محدودة لبعض المستوطنات، إلا أن ذلك يعد محدوداً مقارنة بحجم الضربة التي تلقتها الحركة، كما أن الشروط التي طرحها الأمين العام للحركة، دللت أن حركته معنية بالهدوء وإيقاف الجولة إلى هذا الحد من الرد المتوسط على جريمة الاغتيال، ما قد يترك خطر غياب الردع الذي قد يغري العدو لإعادة كرة الاغتيالات مرة أخرى.

 

وليست هذه المرة الأولى التي يستهدف الجيش الإسرائيلي الأمن القومي لبعض الفصائل الفلسطينية، لكن التعطي من هذه الفصائل مع ذلك كان متبايناً، فقد اغتالت إسرائيل أبا علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية في أغسطس 2001م، فهدد الأمين العام البديل أحمد سعدات في تأبين مصطفى بقوله" العين بالعين والسن بالسن والرأس بالرأس" فاغتالت الجبهة في اكتوبر من نفس العام وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي في القدس، بينما تعرضت حماس إلى ضربة قاسية بقتل زعيمها أحمد ياسين في مارس 2004م، فهددت الحركة بمائة رد حينها، لكنها كانت ردوداً محدودة لا تتناسب وحجم خسارة الحركة، فعادت إسرائيل الكرة بقتل زعيم الحركة الجديد عبد العزيز الرنتيسي بعد أقل من شهر من قتل المؤسس السابق.

   

ويبدو أن حماس قد أدركت ذلك ففي نوفمبر 2012م، اغتالت إسرائيل نائب القائد العام لكتائب القسام أحمد الجعبري، فردت حماس بعد ساعات بقصف تل أبيب لأول مرة منذ العام 1991م حين أصابتها صواريخ العراق، وأتبعت ذلك بعد أيام بقصف مدينة القدس، فكانت مفاجئة ورداً قوياً، كما توقفت الحرب بعد ثمانية أيام، وبالعودة إلى حيثيات التصعيد الأخير، تظهر عدة سيناريوهات بشكل جلي حول سبب إقدام إسرائيل على هذه العملية، فقد يعود الأمر لضعف قدرة "نتنياهو" في جمع الشمل الإسرائيلي في حكومة موحدة، فلجأ إلى هذا الخيار ليشملهم ضمن حكومة طوارئ، لكن هذا الخيار يضعف مع قصر أمد هذه الجولة، لكن من المتوقع أن تشهد المنطقة جولة تصعيدية أشد وأطول أمداً إن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى لهذا الهدف.

   

كما يظهر سيناريو آخر وهو اختبار إسرائيل لمشاركة جبهات أخرى في التصعيد كحزب الله وإيران خاصة بعد إدانة الأخيرة للعملية، وهذا الخيار يبعد السيناريو الأول من إعادة جولات التصعيد على المدى القريب، بعد أن تيقنت إسرائيل أن المحيط لن يتدخل في مصير غزة، كذلك سيناريو قطف النبتة التي قد تهدد أمن إسرائيل كقوة مؤثرة لها بعض الاستقلالية عن قرار حماس كما تنقل بعض التقارير، ومعرفة القدرة التي توصلت لها الحركة، وهذا الهدف لا زال محتملاً من حيث النتائج فقد استخدمت فصائل المقاومة بعض ما عندها، فيما يرى بعض المتابعين أنها لا زالت تحتفظ بمفاجئات في جعبتها ستلجأ لاستخدامها في الجولات المفتوحة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.