شعار قسم مدونات

من بغداد إلى بيروت.. لابد أن يستجيب القدر!

blogs العراق

لم يكن شهر تشرين الثاني من العام 2019، كسائر الشهور التي مضت، حيث أصبح العراقيون على سماع صوت "الثورة"، ثورة الحق ضد الباطل، ثورة استعادة الحقوق التي سرقت ولا زالت تسرق على مدى أكثر من 16 سنةً، ثورة الجياع ضد بطون شبعت من خيرات الشعب، ثورة الفقراء ضد أناس صالوا العالم وجالوا به بأموال المساكين، ثورة المعطلين عن العمل (رغم امتلاك غالبيتهم للمؤهلات العلمية والعملية).

  

في الشهر الذي ذكرته أعلاه، نزل الشعب العراقي إلى ساحة التحرير في بغداد، كما نزلت جماهير المحافظات العراقية كلٌ في محافظته، للمطالبة بإصلاح الحال البائس، الحال الذي عشنا به بألم وحسرة حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، مضت أيام وسنوات كان فينا أمل التغير نحو الأفضل يعيش بداخل كل فرد عراقي، توالت الحكومات وظل نفس الأمل مستمرًا، ولكن!، ما الذي جنيناه؟، ما الذي وصلنا إليه؟، وأي تغير حدث؟، لم يحدث شيئًا سوى تزايد الخراب في البلاد، والذهاب نحو الهاوية.

  

العراق ولبنان.. مطلب واحد!

وعلى غرار بغداد لا يختلف الحال في بيروت، حيث تعاني لبنان مثل ما يعانيه العراق بدءً من المحاصصة الطائفية وتقسيم المناصب والمغانم على المكونات، وصولًا إلى حالات البطالة التي يعيشها شباب البلدين. ومثل ما تغص ساحة التحرير بالمتظاهرين العراقيين، تمتلئ كذلك ساحة رياض الصلح (ببيروت) بالمتظاهرين اللبنانيين، وسط إصرار الشعبين على مبدأ "اللا عودة" حتى تحقيق المطالب التي تبدو متشابهة هنا وهناك.

 

أجيال فهمت لعبة "السياسة"

الحراك الذي يحدث في الدولتين هو حراك جيل لا يخاف، جيل بات يعي ويدرك تمامًا كل مفصل من مفاصل العملية السياسية ولا تمضي عليه مجرد قرارات تنطلق من الافواه ولم تدخل حيز التنفيذ، حراك جيل متشوق للحياة، متشوق لرؤية بلاده مزدهرة تحكمها شخصيات تعمل لخدمة الوطن والمواطن، جيل أتى ليبرهن للجميع أن إرادته تهزم مخططات الطغاة، وربما أنه الجيل المعني بقصيدة الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري عندما قال:

"سينهض من صميم اليأس جيلٌ … مريـدُ البـأسِ جبـارٌ عنيد

يقـايضُ ما يكون بما يُرَجَّى … ويَعطفُ مـا يُراد لما يُريد"

  

كلمة لمرجعية العراق

أما المرجعية الدينية العليا في العراق، فهي كعادتها لم تترك البلد يتجه إلى ما لا تحمد عقباه، حيث أصدرت منذ بداية الحراك الشعبي بياناتها الداعمة للمتظاهرين، ودعت أكثر من مرة لحمايتهم، وشددت على سلمية المطالبة بالحقوق، فقد أكدت في خطبة الجمعة بتاريخ (15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019) أن الحكومة تستمد شرعيتها من الشعب وليس هناك من يمنحها الشرعية غيره، كما ذكرت أن معركة الإصلاح التي يخوضها الشعب العراقي إنما هي معركة وطنية تخصه وحده ولا يسمح للأطراف الخارجية بالتدخل فيها، المواقف المشرفة للمرجعية لم تكن مفاجَئ، لاسيما إنها عودتنا على مثل هكذا مواقف مشرفة، وخير دليل على ذلك، فتوى الجهاد الكفائي في (13 يونيو/ حزيران 2014) لمقاتلة عصابات داعش الإجرامية.

   undefined

   

بشاعة القمع وطرافة المواجهة

على الرغم من مطالبة المرجعية الدينية والمنظمات المحلية والدولية وبعض أجهزة الأمن، بتوفير كامل الحماية للمتظاهرين، إلا أن ذلك لم يمنع ما تسمى بقوات "مكافحة الشغب" من استخدام طرقها البشعة في قمع تظاهرات العراق، حيث استخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع بطريقة مفرطة الأمر الذي أدى إلى حدوث حالات اختناق كثيرة بين صفوف المتظاهرين بلغت بالآلاف، ليس ذلك فقط، بل عمدت على توجيه تلك القنابل بصورة مباشرة نحو المتظاهرين فاخترقت بسرعتها جماجم الأفراد وراح ضحية هذه العمليات مئات المتظاهرين.

  

وأجه المتظاهرون طرق القمع البشعة، بكل طرافة حيث هناك من يراوغ القنبلة، وآخرون يحملون بطانيات (أغطية سميكة) يخمدون بها القنابل، ومنهم من يحمل الـ "بيبسي" والـ "خميرة" ليرش بها وجوه المتظاهرين حال إطلاق "المسيلة للدموع" بالقرب منهم. أما التكتك (دراجة نارية تستخدم كوسيلة نقل في الأحياء الفقيرة)، فصار إسعاف ينقل الجرحى إلى المستشفيات القريبة.

  

جبل أُحُد في بغداد!

التأريخ سيذكر في صفحاته "أُحُد" مرتين، في الأولى سيكون عن معركة المسلمين التاريخية عند جبل أُحُد، والثانية عن المطعم التركي المهجور (وسط العاصمة بغداد) الذي أطلق عليه المتظاهرون اسم "جبل أُحُد" وكيف تم اتخاذه كبرج لمراقبة تحركات قوات "الشغب".، ما قبل الختام، نتقدم بالشكر الجزيل إلى الـ "بيبسي"، والـ "خميرة"، فقد قدما للعراقيين فائدةً وخدمة فاقت ما قدمته السلطات الحاكمة بعد عام 2003 ولمدة 16 عامًا. أخيرًا، قالها الشاعر أبو القاسم الشابي في قصيدته (إرادة الحياة): "إذا الشعب يومًا أراد الحياة … فلابد أن يستجيب القدر"، ترى هل سيستجيب القدر لمطالب المتظاهرين في بغداد وبيروت، أم سيكون له رأي مغاير. الأسئلة مفتوحة لإجابات الزمن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.