طالما اعتقدت أن حكايات جدتي الخيالية الساحرة التي كانت ترويها لي في طفولتي هي ما منحني ذلك الخيال الواسع الذي استطعت من خلاله أن أكتب للأطفال، وأن مكتبة والدي الكبيرة جاءت بعدها لتصقل قلمي وتصنع مني ما أنا عليه اليوم، في الحقيقة كنت محظوظة جدا في طفولتي كوني الفتاة الأكثر شقاوة بين إخوتي، ولأنني لم أتوقف عن كسر أطرافي وملئ جسدي بالإصابات التي تضطرني للبقاء في البيت بعد أن تثبتني الجبائر لفترات طويلة حصلت من خلالها على أوقات رائعة كنت أقضيها بصحبة جدتي في المنزل وحدنا.
لقد حظيت بالوقت الأثمن والأغلى والأهم في حياتي بصحبتها حينها، ولأنني كنت غير قادرة على الحركة بسبب الجبائر، كانت جدتي الحنونة جدا تشفق علي، وتحاول تسليتي بشتى الطرق في الوقت الذي تكون فيه والدتي ووالدي في العمل وإخوتي في المدارس، وكانت مبدعة جدا في اختراع القصص والحكايات المملوءة بالخيال والسحر، وأظنها بحق من صنع قلمي للأطفال وسر نجاحي.
عندما أنظر إلى عائلتي وأولادي اليوم أدرك تماما أن حصولي على أولاد يعشقون القراءة والكتابة والفن كان ناتجا عن تكرار تجربتي مع جدتي في بيتي وبين أولادي، ثم صنعت مع زوجي مكتبة كبيرة في بيتنا، وكنت لا أتوقف عن إضافة المزيد من الكتب إليها باستمرار، واستطعت من خلال الحكايات أن أجعل أطفالي يتعلمون أشياء كثيرة ومعلومات كثيرة، ومن خلالها أيضا تعلقوا وأحبوا القصص وانتقلوا للقراءة عندما كبروا قليلا.
ستعزز النقاشات والحوارات التي ستدور بينه وبين من يحكي له الحكاية من قدرته على النقاش والحوار وهو ما سيطور جدا من أدائه وشخصيته مستقبلا |
ربما لا يتخيل الكثير من الإباء والأمهات المشغولون بهواتفهم أن السنوات الست الأولى من عمر الطفل هي ما يصنعه ويمنحه أكبر قاعدة من المعلومات عن نفسه، ومحيطه، وعقيدته، وأخلاقه، وتاريخه، وأن تلك السنوات الأولى من عمر الطفل أيضا هي ما نستطيع من خلاله نحن الآباء أن نخلق طفلا قريبا منا وصديقا لنا نستمتع بصحبته ورفقته عندما نكبر ويستمتع هو أيضا بصحبتنا، وأن قصص ما قبل النوم من أهم العادات التي نستطيع من خلالها التأثير على أطفالنا وبشكل لا يصدق.
– إن لقصص ما قبل النوم تلك القدرة على الرسوخ في ذاكرة الطفل وأنها لا يمكن أن تنسى كونها تثبت في مركز الذاكرة في دماغه عندما ينام.
– ما يميز قصص ما قبل النوم أولا أنها تصنع تلك العلاقة الحميمية مع الوالدين أو الجد والجدة وتكسر جمود العلاقات التي ساهمت الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي في جعلها باردة وخالية من المتعة.
– سيشعر الطفل بالاهتمام وسيمنحه هذا المزيد من الثقة بنفسه والشعور بالانتماء للعائلة والأمان وهو ما سيؤثر بشكل كبير على شخصيته مستقبلا عندما يبدأ بالدخول إلى المدرسة والمجتمعات الأخرى الغريبة.
– ستعزز النقاشات والحوارات التي ستدور بينه وبين من يحكي له الحكاية من قدرته على النقاش والحوار وهو ما سيطور جدا من أدائه وشخصيته مستقبلا.
– ستمنحه تلك القصص الكثير من المعلومات التي تريد الأم أن توصلها وبطريقة ممتعة وسهلة كالمعلومات التاريخية والعلمية والاجتماعية والدينية.
– سيتعلم الكثير من المهارات الاجتماعية من خلال المواقف التي يتواجد فيها أبطال تلك القصص.
ستتمكن الأم من غرس الكثير من القيم كالحكمة والشجاعة والأمانة وعدم الخوف والكرم والمسارعة لخدمة الأخرين عبر روايتها للقصص |
– ستشعل قصص ما قبل النوم خيال الطفل وتوقده وهي بهذا تساهم حتى في نجاح الطفل في التعليم لاحقا لأنها توسع قدرته على الفهم والاستيعاب للكثير من المواد التي تحتاج ذلك الخيال المتقد ومنها العلوم التكنولوجية والفيزياء والهندسة وغيرها.
– الخيال أيضا يجعل الطفل قادرا على التأمل والتفكير والخروج من الواقع الذي أصبح متمثلا بالأمور القليلة التي يعاينها الطفل الذي يعيش في منزل صغير بعيدا عن العالم الطبيعي الكبير، لقد قتل التلفاز من قبل الكثير من المخيلة الخصبة للأطفال، واليوم تقوم الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي بتدمير ما تبقى منها.
– ستتمكن الأم من غرس الكثير من القيم كالحكمة والشجاعة والأمانة وعدم الخوف والكرم والمسارعة لخدمة الأخرين عبر روايتها للقصص التي يتصرف أبطالها بالطريقة الصحيحة ويعالجون المشاكل التي يمرون بها.
– كما يمكنها تصحيح السلوك الخاطئ للأطفال كـ (الكذب، والسرقة، والإهمال، والعنف) عبر الحكايات او بأسلوب غير مباشر فنصحح السلوك الخاطئ للطفل دون أن نتهمه أو نتصادم معه بل نناقشه في سلوك أبطال القصص ونتوقع المفاجآت السارة.
– من الممتع والمفيد جدا أن يكون أبطال الحكايات هم أفراد العائلة في بعض الأحيان أو من رجال التاريخ في أحيان أخرى فتصنع الأم العلاقات الجميلة بينهم وبين أطفالها كما يحدث عندما نروي لهم قصص الصحابة والأبطال والسيرة النبوية.
لن تكون المتعة فقط للأطفال بل ستكون مشتركة بينهم وبين الأم التي ستجد متعة كبيرة في تلك العلاقة والصداقة التي ستنشأ بينها وبين أطفالها |
– ستلاحظ الأم تطورا كبيرا في القاموس اللغوي للأطفال وأيضا مهاراتهم في التحدث واستخدامهم للمفردات الجديدة التي ستمنحهم إياها جلسات القصص المسائية الممتعة.
– سيحب الأطفال الكتب قبل تعلمهم القراءة وبالتالي سيجدون متعة كبيرة وشوق لا ينتهي لتعلم القراءة، وهذا سيؤثر بالتأكيد على تحصيلهم المدرسي لاحقا، وسيجعل مهمة الأهل في التعليم أكثر سهولة.
– ستجعل قصص ما قبل النوم الطفل هادئا وسعيدا يشعر بالاطمئنان لوجود صوت أمه وروحها معه.
– في الحقيقة لن تكون المتعة فقط للأطفال بل ستكون مشتركة بينهم وبين الأم التي ستجد متعة كبيرة في تلك العلاقة والصداقة التي ستنشأ بينها وبين أطفالها وتلك الأجواء المسلية وستشعر معهم بالقوة والأمان والترابط وستكون فرصة رائعة للأحاديث التي ستكون مفتاحا لحل مشكلات الأطفال واطلاع الأم على عالمهم مستقبلا فلا يعانون وحدهم بعيدا عنها.
أدرك تماما أن الأهل ربما يعانون كثيرا من ضغوط العمل، وقد يكون إلهاء الطفل بالهاتف الذكي حاجة وطريقة أسهل من رواية قصة، لكن عشر دقائق فقط ستكون كافية في البداية، ومن ثم وبعد أن تشعر الأم بالمتعة والفائدة الكبيرة أنا متأكدة من أنها ستجعلها أطول وستدرك انها أمر أساسي ورائع في تربية الأطفال.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.