شعار قسم مدونات

هل تقبل حركة النهضة حكومة كفاءات وطنية؟

blogs حزب النهضة

لقد أدت الانتخابات التشريعية في تونس إلى فوز حركة النهضة الإسلامية بالمرتبة الأولى مما يأهلها لتشكيل الحكومة الجديدة من قبل رئيس الجمهورية القادم في نهاية هذه الأسبوع في انتخابات 13 أكتوبر 2019 وذلك طبقا لما يقره دستور الجمهورية الثانية. إلا أن تشكيل هذه الحكومة يبدو صعب المنال باعتبار التشتت الذي يغلب على البرلمان الجديد مما يجعل إمكانية جمع 109 من الأصوات الضرورية لتزكية الحكومة من البرلمان غير ممكن في ظروف الحالية.

 

لقد عبر كل من التيار الديمقراطي وبعض قيادات حركة الشعب عن رفضهم الدخول في تحالف حكومي مع حركة النهضة ودعت قيادات التيار لتشكيل حكومة انقاذ وطني غير متحزبة إذا ما فشلت حركة النهضة في التوصل لبناء تحالف حكومي جديد يمكنها من تشكيل الحكومة المنتظرة ودعوا أن تقام هذه الحكومة على أساس البرامج وليس المحاصصة الحزبية. والسؤال هو: هل تقبل حركة النهضة حكومة كفاءات وطنية غير حزبية أم تتجه في صورة عجزها عن تشكيل الحكومة إلى الدفع نحو انتخابات سابقة لأوانها؟

 

إن المؤشرات الأولية تكشف أن الحركة الآن ستحاول بناء تحالف من أجل تشكيل حكومة مع من يقبل التحالف معها من الأحزاب والشخصيات المستقلة التي تشكل عددا هاما من النواب وهي تسعى للدخول في تفاوض معها على أساس برامج واضحة تركز بالأساس على تحسين الحياة اليومية للشعب التونسي وتعيد الأمل في حياة أفضل وتوزيع عادل للثروة وخاصة المحاربة الجدية والجادة للفساد وتحقيق شعار الثورة: شغل حرية كرامة وطنية. وقد أبدى ائتلاف الكرامة استعدادا للمشاركة في هذ التحالف إلى جانب حركة الرحمة وهي حزب جديد تحصل على خمسة مقاعد وبعض الشخصيات المستقلة أبدت استعدادا للدخول في هذا التحالف.

 

قبول حركة النهضة بمبادرة التيار الديمقراطي سوف يكون طوق نجاة للجميع وطوق انتحار للثورة المضادة وكل ممثليها في الإعلام والنقابات وغيرها وسوف يضع تونس في السكة الصحيحة نحو بناء وطني

وقد يصل العدد إلى النصاب القانوني للتزكية مع تنازل النهضة عن رئاسة البرلمان للكرامة وقبولها بمنصب نائب رئيس البرلمان لرئيسها راشد الغنوشي وهو أمر ممكن إذا ما أرادات تشكيل حكومة بقيادتها وأن تتصدر للحكم بنفسها وتتحمل مسؤولية الحكم في تونس. ولكن هل هذا الخيار في مصلحة الحركة وفي مصلحة تونس؟

 

إن الإصرار على تشكيل حكومة حزبية في تحالف سياسي يغلب عليها الإسلاميين مجازفة خطيرة ذات عواقب خطيرة على البلاد والحركة في محيط داخلي يتحكم اليسار المتطرف في المؤسسات الإعلامية والتي ستواصل حملتها بأكثر شراسة لضرب كل إمكان للاستقرار الاجتماعي الضروري لتحقيق أي تنمية مستدامة وهؤلاء لا تعنيه مصلحة تونس بقدر ما يحركهم حقدهم الأيديولوجي الأعمى إلى درجة دفعت إحداهن وبعد إعلان النتائج الأولية لاعتبار من انتخب النهضة حيوانات وقطيع علالش (خراف) وهو خطاب متردي أخلاقيا وسياسيا سيزاد شراسة أكثر مع تمسك النهضة بتشكيل الحكومة وهو ما سيعيد تونس لفترة الترويكا التي شهدت كل صنوف التشويه والتحريض حتى بلفت الإضرابات 35 ألف إضراب محطمة كل الأرقام القياسية للإضرابات العمالية في العالم.

 

مع خروج الجبهة الشعبية التي تمثل أقصى اليسار نهائيا من البرلمان فستزاد النقابات التي تسيطر عليها شراسة في تعطيل كل إمكانية لتحقيق تنمية مستدامة في ظل اضطراب اجتماعي وفوضى شاملة سيدفع هؤلاء نحوها ومع شعور أقطاب الثورة المضادة بالهزيمة النكراء في انتخابات تونس حيث فقدوا ممثليهم الرئيسيين رغم كل الأموال التي صرفت فإنهم سيحتمون بهذه النقابات وبالإعلام الفاسد للدفع نحو الفوضى في تونس بكل الطرق وهو الأمر الذي يهدد السلم الأهلي ولذلك يبدو اقتراح التيار هو الحل الأفضل لتونس في الفترة القادمة.

 

إن قبول حركة النهضة وحلفائها بتشكيل حكومة انقاذ وطني على أساس برنامج يتم الاتفاق عليه بين جميع الأطراف الفاعلة في المجلس وتحدد فيه بدقة وواقعية كل الضرورات التي تفرضها المرحلة الحالية من أجل انقاذ الاقتصاد الوطني عبر القضاء على الفساد وإعادة القيمة للقيم الأخلاقية والإنسانية في المجتمع التونسي وإصلاح المنظومة التربوية التعليمية والمنظومة الصحية والاهتمام أكثر بالبنية التحتية وإعادة الاعتبار لقيمة العمل والنهوض بالمؤسسات الاستراتيجية في النفط والفسفاط ومشاركة الجميع شعبا وسياسيين في حملة وطنية لإنقاذ تونس والعمل على تقدمها سوف يكون أمرا مفيدا لحركة النهضة ولتونس.

 

إن قبول حركة النهضة بمبادرة التيار الديمقراطي سوف يكون طوق نجاة للجميع وطوق انتحار للثورة المضادة وكل ممثليها في الإعلام والنقابات وغيرها وسوف يضع تونس في السكة الصحيحة نحو بناء وطني يحقق كل الأهداف التي قامت من أجلها الثورة التونسية ذات شتاء في 2011. إن الجميع متفقون في برامجهم حول جملة من المبادئ التي تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية وغيرها وبذلك هناك أرضية جاهزة لتشكيل حكومة انقاذ وطني أو وحدة وطنية مع تشريك المنظمات الوطنية الرئيسية في هذا الحوار كالاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الأعراف واتحاد الفلاحين واتحاد المرأة التونسية وبعض الشخصيات الوطنية الثقافية والفكرية والتربوية وبذلك يكون البرنامج المتفق عليه مبارك من الجميع فنضمن له النجاح ويكون دور البرلمان مراقبة احترام الحكومة لهذا البرنامج ومحاسبتها متى أخلت بذلك.

 

أخيرا نتمنى أن ينتصر صوت العقل من أجل المصلحة العليا لتونس حتى لا ندخل في إعادة ركيكة لما حدث طيلة السنوات الفارطة كما نتمنى أن يرفع المجلس الجديد الحصانة على كل النواب الذين أعيد انتخابهم ليحتموا بحصانة المجلس من القضاء فتلك أول بوادر تأكيد جدية المجلس في محاربة الفساد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.