لطالما تساءلت لماذا يدور معظم القرّاء في نفس الحلقة المفرغة، فيتداولون نفس العناوين ويتبادلونها بينهم أو يقترحونها على بعضهم البعض. لا يبدو الأمر كارثيا بما أننا نشجع بعضنا على القراءة وهذا أمر جيد، لكن السؤال المطروح هو: ماذا نقرأ؟ هذا السؤال في الحقيقة مهم جدا، حيث أن للمضامين التي يمكن أن نتلقاها عن طريق الكتب، عظيم الأهمية في تحديد شخصياتنا وآرائنا حول القضايا التي يتناولها المؤلفون.
فيلعب الإعلام بوسائله التقليدية أو قنواته الحديثة المعتمدة على الإنترنت دورا محوريا في عملية تعريف القرّاء بالكتب وإيصالها إليهم وإقناعهم باقتنائها ومطالعتها، عن طريق مختلف وسائله الإعلامية واستراتيجياته الإشهارية المدروسة خصيصا للترويج لهذا المنتج الأدبي وتحقيق الربح من خلاله باعتباره سلعة في الأخير!، ولا يقتصر الأمر على الإعلام فقط الذي يتحمل جزءا من المسؤولية لكنه لا يتحملها كلها، حيث يلجأ الكتّاب والمؤلفون إلى وضع عناوين مثيرة، تجذب اهتمام القارئ وتثير فضوله، وهذا أمر معقول ما دام العنوان دالا على المضمون، لكن الأمر تجاوز الحدود في الآونة الأخيرة، لتكون العناوين أقرب للاحتيال، فتوضع خصيصا على حساب المضمون الذي صارت الرداءة والركاكة سماته الغالبة..
تتحمل دور النشر قسطا من المسؤولية، مساهمة في هذه الرداءة بطرق مدروسة وغير مقصودة، حيث أنها توافق على طبع أي شيء دون وجود قانون داخلي منظم، أو مبادئ تسير عليها، كما لو أن همها الوحيد هو تحقيق الربح |
كما يتمتع الإعلام بقدرته على جذب متابعين جدد وإغراقهم في بحر المطالعة، التي تغير مفهومها بتغير الزمن، هذا الزمن الذي صار يشهد تطورا وتسارعا كبييرا في كل المجالات، فالمطالعة لم تعد غاية لاكتساب اللغات والثقافات، والتعرف على جديد العلوم والمساعدة في الدراسة وغيرها من الأهداف ولو أن الأمر يبقى جزئيا، لتصير مظهرا من مظاهر الثقافة الزائفة، والرقي الاجتماعي الذي يتباهى به الجميع أمام الآخرين، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي التي صارت تشهد إقبالا كبيرا على مجموعات الكتب والمطالعة والمنصات الإلكترونية، مما جعل عدد القراء في إزدياد، لكن النوعية في القراءة غائبة..
والملاحظ في سلوكات القرّاء الجدد، أنهم يطلبون من غيرهم إقتراح كتب يبدأون بها مشوارهم، والتي هي في الغالب روايات رومانسية حسب طلباتهم.. فتتصدر العناوين الجذابة قائمة الاقتراحات، مادامت تشبع رغباتهم وتثير فضولهم كمواضيع الحب، الغدر، الألم والمراهقة، فيحصرون أنفسهم ضمن دائرة معارفهم المسبقة فلا يتعلمون الجديد، بينما تغيب العناوين المفيدة وباقي الأنواع العلمية والفكرية، وإن حضرت فإن حضروها لا يزيد على أن يكون شرفيا غير مقنع..
والملاحظ أيضا في سلوكات القرّاء الجدد، أنهم يستمرون في نفس النوع من الكتب التي بدأوا بها، تلك الكتب ذات العناوين البراقة خارجيا، والسطحية في مضامينها ومحتوياتها الفكرية والأدبية، وإن غابت تلك الاقتراحات أو إنتهوا من قراءتها جميعا، فإن الحديث لا يتجاوز إنتظار مؤلفات أو أجزاء جديدة لعناوين قديمة، تكون لنفس المؤلفين، فيعاب عليهم عدم تنويع مصادر قراءاتهم، وعدم إكتشاف وسبر أغوار هذا البحر العميق، واضعين لأنفسهم قيودا وحواجز، تمنعهم من التعمق، ليبقوا في شواطئ العلم فلا ينهلون من خيراته إلا القليل..
وتتحمل دور النشر قسطا من المسؤولية، مساهمة في هذه الرداءة بطرق مدروسة وغير مقصودة، حيث أنها توافق على طبع أي شيء دون وجود قانون داخلي منظم، أو مبادئ تسير عليها، كما لو أن همها الوحيد هو تحقيق الربح بكل الطرق، بغض النظر عن المؤلف وعن المحتوى، ولا يقتصر الأمر على الموافقة فقط في أغلب الأحيان، حيث يتعداها إلى عدم مراجعة الكتابات والتدقيق في الأخطاء النحوية وتصويبها، وإخراج الكتب في الشكل اللائق بها. وتبقى إحدى أهم مهام الإعلام والتي يجب على القائمين مراعاتها والاهتمام بها، مهمة التربية والتوجيه.. فمن واجبنا كإعلاميين، ومن حقنا كمستخدمين وممارسين لصحافة المواطنة أن نقوم بتوجيه بعضنا إلى ما نراه مفيدا وذا قيمة، أو على الاقل كشف الحقائق ووضعها متاحة أمام العامة، والعمل وفق ما يعرف بمواثيق الشرف، فلا نروج لما يخالف الدين والأعراف، ولا نعطي قيمة لشيء أكثر مما يستحق، فلنكن ناصحين لبعضنا، مصابيح للخير قولا وفعلا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.