قرأت كتاب الإباحية وخطرها على الأطفال وهو عبارة عن حوار بين أم وابنها يتناول موضوعًا غاية في الحساسية بأسلوب شيق وعرض جذاب وطريقة سلسة، للمؤلفين كريستين جنسون ودكتور جيل بوينر وقد ترجمه الدكتور محمد عبدالجواد مؤسس فريق واعي وسأحدثك عزيزي القارئ عن الفريق بالتفصيل لكن دعني أعرض للكتاب وما احتواه من معلومات تعاير بالذهب لأن قيمة المعلومة من قيمة أثرها وما تحدثه من تغيير وعندما تكون المعلومة توجهنا لكيفية حماية أطفالنا من غول الإباحية هذا الكوكايين البصري والمخدر المدمر فإنها بحق تكون كلامًا من ذهب.
الفرد هو لبنة الأسرة والأسرة هي نواة المجتمع، فلا يكون المجتمع سليمًا صحيحًا قويًا متماسكًا إلا إذا كان أفراده يتصفون بتلك الصفات، فالأفراد القلقون، المضطربون، عديمو النفع، المتمكنة منهم الأمراض النفسية والانحرافات السلوكية، كيف لهم أن يفرزوا مجتمعًا صحيًا، والفرد داخل الأسرة يبدأ حياته طفلًا رضيعًا، فمراهقًا، فشابًا راشدًا، فكهلًا، فشيخا يحتاج من يساعده كما كان في مرحلته الأولى رضيعًا، ومن العجيب أنه وفقًا لدراسة أنجزت من طرف جامعة ميدلسيكس، وبطلب من الجمعية البريطانية لحماية الطفولة من العنف، أن 94 في المئة من الأطفال الذين خضعوا للدراسة شاهدوا محتوى جنسيا على صفحات الإنترنت، ولم يتجاوزوا سن الرابعة عشرة من العمر، ومن أهم النتائج الملفتة لهذه الدراسة، أن الفئة الأصغر سنا أي من 11 إلى 12 سنة، تتعرض للمحتوى الإباحي من صور أو أشرطة فيديو عن طريق الصدفة أثناء البحث في الإنترنت، من خلال نوافذ الإعلانات التي تبرز بشكل مفاجئ أثناء التصفح، ومن هنا تبرز أهمية الكتاب الذي أدعوكم جميعًا للاطلاع عليه وتطبيق ما فيه من قواعد، سأعرض الآن للكتاب بأسلوب مختصر أرجو ألا يخل بالفكرة.
ذكر الدكتور محمد عبدالجواد في مقدمته للكتاب أن ما دفع كريستين جنسون للكتابة في هذا الموضوع ما بينته هي أنها تلقت اتصال من أم تقول لها بصوت حزين أن ابنها البالغ سبعة عشر ربيعًا (17 سنة) قام بالتحرش الجنسي بإخوته الصغار، وأن إدمانه للإباحيات قاده لذلك، وبينت كريستين أن من أهم المشاكل وأخطرها أن غالب الآباء والأمهات يقولون: (طفلي لا تمتد يده إلى تلك الأشياء، أنا أراقب استخدامه للإنترنت جيدًا)، لكن الدراسات العلمية تقول أن أكثر من 90% ممن أعمارهم تتراوح بين 12 و17 قد تعرضوا للصور الفاضحة وطالما أنهم تعرضوا ولو لمرة واحدة فسوف يعودون مرة تلو الأخرى إن لم يكن هناك معالجة لكيفية تعاملهم معها.
تناولت كريستين وشريكها في الكتاب الطبيب النفسي دكتور جيل بوينر تعريف الإباحية بأسوب قصصي جميل وهو الأسلوب الذي اُعتمد في كامل الكتاب، وهنا سأسعى لرصد الخلاصات حتى لا أطيل، فالإباحية في تعريفها المبسط هي الصور المؤذية لأناس بدون ملابس أو بقليل من الملابس، وخطورة الإباحية أنها تستطيع مخادعة الدماغ وتجعله يرغب في مشاهدة المزيد من الإباحية والذي قد يتحول إلى إدمان، وعرف الكتاب الإدمان أنه التعود بشكل لا إرادي على سلوك معين بحيث لا يستطيع الإنسان الامتناع عنه، ولقد تطور مفهوم الإدمان فلم يعد خاصًا بإدمان المواد المخدرة، أو إدمان الحشيش وغيرها من النباتات والعقاقير، ولكن الإدمان أصبح مفهومه أشمل من ذلك بكثير، فقد شمل كل سلوك إنساني يقوم به الإنسان، ويفعله بشكل لا إرادي، مثل شرب الشاي والقهوة، وتناول الأطعمة بشكل مفرط، وغيرها من أنواع الإدمان.
من النقاط الخطيرة التي تناولها الكتاب أن إدمان الإباحية يؤثر على نفس المناطق التي يؤثر عليها إدمان المخدرات، وتأييدا لهذا الكلام كنت قد قرأت في مقال عن دراسة تؤيد هذا الكلام، وكانت هذه الدراسة دراسة بريطانية نشرت في العام 2014 وقالت: أن المواد الإباحية لها تأثير على المخ مماثل لتأثير المخدرات على المدمنين، وأجرى الدراسة باحثون من جامعة كمبردج ونُشرت في دورية "بلوس وان"، ودرس الباحثون نشاط المخ لدى 19 مريضا بـ"إدمان الجنس"، وقارنوا ذلك بحالات متطوعين أصحاء، وتبين أن المرضى بدأوا مشاهدة المواد الإباحية في سن مبكرة وبنسب أعلى من المتطوعين، وخلص الباحثون إلى أن ثلاث مناطق بالأخص في المخ بها نشاط أعلى لدى مرضى إدمان مشاهدة المواد الإباحية مقارنة بالمتطوعين الأصحاء، وقال الباحثون إن هذه المناطق تنشط أيضا لدى مدمني المخدرات.
أعود إلى الكتاب حيث تناولت كريستين الدماغ العاطفي والدماغ الفكري وفرقت بينهما وبينت أن الدماغ الفكري له دور في حل المشكلات والتحكم في الذات وهذا الدماغ يقوى بالتدريب على معرفة الخطأ من الصواب، وأوضحت أن الدماغين يعملان سويًا، ثم تناولت التعريف بمركز الانجذاب بشكل مبسط وأنه جزء من الدماغ العاطفي وشرحت كريستين كيف تؤثر الإباحية على مركز الانجذاب وتضر به كثيرًا، ثم تطرقت إلى أن الإباحية تقود إلى الإدمان، حيث تتولد رغبة شديدة داخل المدمن على الإباحية ليطالع صورًا وفيديوهات أكثر صدمة للمخ من التي شاهدها سابقا مما يسوق المدمن إلى انحرافات سلوكية شديدة الخطورة كالسادية والشذوذ، وطرحت الكاتبة خطة لكيفية التعامل مع الإباحية كي يتصرف الأطفال وفقها، وجاءت خطواتها على هذا الترتيب:
1- أن يغمض الطفل عينيه فورًا.
2- يخبر شخص أكبر منه ويكون ثقة.
3- أثناء ذلك يردد (إباحية! إباحية! إباحية!) حتى يشتت ذهنه وينفره من التفكير فيما شاهد.
4- ويشغل نفسه بشيء آخر يشغل ذهنه عن التفكير فيما شاهد.
5- يحفز دماغه الفكري للسيطرة على الأفكار السلبية.
وبهذه الخطوات أنهت كريستين كتابها الذي حمل أيضًا اسم (صور سيئة وصور جيدة)، وقبل أن أتطرق للتعريف بفريق واعي الذي عمل على ترجمة هذا الكتاب وله نشاطات لا مثيل لها في العالم العربي في هذا الصدد، أود أن أسرد بعض الإحصائيات المخيفة، فقد أوردت الدراسة التي أجرتها جامعة ميدلسيكس البريطانية:
– استجوب القائمون على هذه الدراسة 1000 طفل من فئة 11 إلى 16 سنة، ووجد الباحثون أن 65 في المئة منهم شاهدوا صورا إباحية في هذه السن، و28 في المئة منهم شاهدوها وهم في السن من 11 إلى 12 سنة.
– أن 19 في المئة من الأطفال بين 11 إلى 12 سنة، شاهدوا محتوى إباحيا عن طريق البحث المباشر والمقصود.
– نسبة مشاهدة الصور الإباحية عبر الإنترنت بشكل إرادي ومقصود مرتفعة لدى الذكور أكثر من الإناث.
– 14 في المئة من العينة المستجوبة من الأطفال أخذوا لأنفسهم صورا وهم عراة أو شبه عراة، وأن 7 في المئة منهم على الأقل تبادلوا تلك الصور.
– 38 في المئة من الأطفال المستجوبين شاهدوا الصور الإباحية لأول مرة عبر الهواتف المحمولة الذكية أو جهاز الكومبيوتر المحمول.
– 60 في المئة من المستجوبين شاهدوا الصور الإباحية في البيت، و 29 في المئة منهم قالوا أنهم فعلوا ذلك في بيوت أصدقائهم.
– وقد صرحت أنا لونغفيلد محافظة شؤون الطفولة في إنجلترا لل BBC، تعليقا على نتائج هذه الدراسة: "إننا الآن فقط بدأنا نفهم مدى تأثير الهواتف الذكية المحمولة على حياة الأطفال، خاصة وأن هذه الأجهزة نقلت الإنترنت من الواجهة في صالون البيت حيث الآباء والأمهات يراقبون سلوك أطفالهم، إلى غرف نوم الأطفال أو مكان لعبهم، حيث لا يستطيعون مراقبتهم بشكل كامل".
– وأخطر ما توصلت له هذه الدراسة، أن هؤلاء الأطفال الذين يشاهدون محتوى إباحيا في سن مبكرة، معرضون لفقدان الحس باللذة الجنسية بمرور الزمن، عند رؤية هذا النوع من المحتوى الإباحي.
وهناك من يتحدث من على أريكة الظن الحسن بالمجتمع العربي قائلًا: هذا يحدث في المجتمعات الغربية المنحلة الأخلاق والتي لا تحكمها تقاليد وعادات، الحمد لله مجتمعاتنا العربية محمية من مثل هذه المخاطر، لهؤلاء أقول: ألا يوجد في المجتمعات العربية أجهزة تكنولوجية حديثة؟! ألا يوجد شبكات اتصال بالإنترنت؟! أليس من السهل الوصول إلى المواقع السيئة؟!
دعني أصدمك، بهذا التصريح الذي ذكره مدير إدارة حماية الأحداث في وزارة الداخلية العميد بدر الغضوري خلال ندوة «الجرائم الإلكترونية وتأثيرها على المجتمع»، التي نظمتها رابطة الاجتماعيين في مقر الرابطة بالعديلية عام 2014، حيث قال : (إن الأطفال الذين تعرضوا لأفلام إباحية كان متوسط أعمارهم عالمياً بين 15 الى 17 عاماً، بينما الكويت كسرت هذه القاعدة لتكون الأعمار التي شاهدت أفلاماً من هذه النوعية أقل من 10 سنوات»، وإليك رابط مقال في غاية الخطورة يحتوي الكثير من الأرقام التي ينبغي أن نقف أمامها بالدرس والفحص، هذا في الكويت حيث الدولة تهتم وتدرس وتتابع وتضع الحلول، فالكويت إحدى الدولة العربية القليلة التي تفرض حظرًا على المواقع الإباحية، فما بالك بمن لا يفرض حظرًا على هذه المواقع، ومن ضمن المعلومات الخطيرة التي ذكرت في المقال الذي وضعت رابطه قبل قليل أن هناك 26 شخصية كرتونية محببة للأطفال تستغل لاصطيادهم للمواقع الجنسية.
بعد كل هذا العرض لابد وأن أعرج سريعًا على بارقة الأمل التي تلوح في الأفق، هؤلاء الجنود الأوفياء للخير المخلصين للحق، جند الله الذين يعملون على انتشال الأمة الإسلامية بل العالم أجمع من براثن مافيا الإباحية، فريق واعي هو فريق أسسه الدكتور محمد عبدالجواد ومجموعة من الشباب العربي الواعد الذي عبر عن رسالته ورؤيته بإيجاز بليغ (رسالتنا هي الدعوة إلى العِفَّة ومحاربة الرذيلة ، وتوعية الشباب والمربّين بخطورة الإباحية على المجتمع وشناعة الإدمان عليها ، ورؤيتنا أن نجعل هذا الموقع منبرًا للمساهمة بشكل علمي عملي لعلاج هذا المرض ، وأن تصل التوعية لجميع أفراد المجتمع)، وللفريق نشاط ملحوظ في وسائل التواصل الاجتماعي فقد جاوز عدد المتابعين لصفحتهم عبر تطبيق الفيسبوك المليونين ونصف المليون ولديهم مجاميع تعافي للرجال وأخرى للنساء، وأنتجوا تطبيقًا احترافيًا لمن يسعون للتعافي من إدمان الإباحية، ولديهم موقع جيد يحتوي مقالات مترجمة وكتب مترجمة وقصص للمتعافين واختبارات لتحديد مستوى إدمان الإباحية، وهذا رابط موقعهم ولعلي أتناول الفريق وإنجازاته في مقال قادم إن شاء الله خصوصًا وقد برز نشاطهم في ندوات ودورات وإعداد كوادر، أدعوكم إلى التفاعل معهم والتحدث عنهم وإبراز نشاطاتهم والفعاليات العالمية ضد «الإباحية» التي أقاموها في كل من الكويت، نيوزلندا، مصر، تركيا، باكستان، الأردن، فلسطين، الولايات المتحدة الأمريكية، استراليا، تحت شعار «كن واعيا».
في الختام أطفالنا قرة أعيننا وغرسنا ليوم الحصاد الأخروي، ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) أخرجه البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.