شعار قسم مدونات

"كلّن يعني كلّن".. وحزب الله منهم

blogs لبنان

إحدى الإشكاليات التي رافقت التظاهرات في لبنان التي بدأت قبل أسبوعين، هي إصرار الغاضبين في الشارع على رفع شعار "كلّن يعني كلّن"، قاصدين بذلك الطبقة السياسية دون استثناء أحد. لم يحددوا حزباً ولا جماعة ولا زعيماً بعينه، وهذا جعل كل طرف في الطبقة السياسية أن يعتبر نفسه غير معني بالشعار، إلا حزب الله وجمهوره الذي استفزّه شموله بالطبقة السياسية، فتجاوز عن إيجابيات الحراك، وبدأ حراكاً معاكساً وصدامياً للتظاهرات الشعبية. لحزب الله رواية تستحق التفكير، فلم يسبق أن عُرف عن أحد قياديي أو وزراء أو نواب الحزب فساد أو سرقة، هذا لا ينفي براءة الحزب بالمطلق، فقد يكون داخل أطر الحزب الداخلية الكثير من مظاهر الفساد، لكنه لم يؤثر بالمال العام، وبالتالي لا علاقة للبنانيين به.

 

هذا صحيح، لكن ما هو صحيح أيضاً، هو أن حزب الله يتحمل مسؤولية كبيرة عن حال الفساد الذي وصلت إليه السلطة، والذي انعكس ترد في الأوضاع الاقتصادية وتدهور في الأوضاع المعيشية. ففي القوانين الجنائية تقع مسؤولية على عاتق من امتنع عن القيام بواجبه، وهي تسمّى "فعل امتناع". هذه المسؤولية لا تقع لارتكاب صاحبها جرماً، بل لأنه امتنع عن القيام بواجب موكل إليه. ويقدم رجال القانون أمثلة على ذلك، بالطبيب الذي يمتنع عن تقديم العلاج المناسب للمريض فتسبب بوفاته، أو رجل الإطفاء الذي امتنع عن إطفاء الحريق مما أدى لوقوع ضحايا، أو المنقذ البحري الذي يمتنع عن إنقاذ غريق. هنا تماماً تكمن مسؤولية حزب الله. فربما لا يكون حزب الله فاسداً، لكنه وجوده في السلطة خلال السنوات الماضية، واطلاعه على مكامن الفساد والهدر والرشوة دون قيامه بأي دور في فضح الفاسدين، وسعيهم لمحاسبتهم، واسترجاع ما نهبوه، أو على الأقل محاولة منعهم من الاستمرار في فسادهم وسرقتهم، وبطريقة غبر مباشرة، ساهم في التستر عليهم، كل ذلك جعله شريكاً في تحمّل المسؤولية.

 undefined

 
قبل قرابة عامين، رفع أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله راية مكافحة الفساد، وضرب على صدره معلناً أن المعركة المقبلة التي سيخوضها حزب الله، ستكون في مواجهة الفساد والسرقة. تفاءل اللبنانيون خيراً يومها، لكن منذ ذلك الحين لم يلمس اللبنانيون أي أثر لهذه المعركة. على العكس، استشرى الفساد، وزادت السرقات، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية حتى وصلت مستوى غير مسبوق، مهد الطريق أمام التظاهرات الشعبية التي تشهدها مختلف المناطق اللبنانية.

 

من على منبر مجلس النواب قبل أشهر، أطل نائب من حزب الله، وأعلن أن بحوزته وثائق وأدلّة لو تمّ الكشف عنها لزجّت برؤوس كبيرة في السجن. توقّع اللبنانيون حينها أن هذا الإعلان هو تدشين مرحلة جديدة من الكشف عن الفاسدين وفضحهم، وبدء معركة محاسبتهم واستعادة الأموال المنهوبة منهم. لكن إعلان النائب بقي يتيماً ولم يتبعه أي إجراء آخر.

 

ما سبق لا يعني أن مسؤولية حزب الله تقتصر فقط في امتناعه عن مواجهة الفساد وكشف الفاسدين، فللفساد وجوه أخرى ليست بالضرورة أن ترتبط بسرقة أو رشوة أو نهب. فقد يكون الفساد تعطيلاً لتشكيل الحكومة لأكثر من عام بسبب الإصرار على حقائب بعينها، وقد يكون الفساد عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية وتعطيل عمل مجلس النواب بسبب التمسك بمرشح للرئاسة دون غيره، وقد يكون الفساد احتلالاً لوسط بيروت أكثر من عامين لإرغام الآخرين على منحه سلطة تعطيل قرارات المجلس، كل ذلك سبق لحزب الله ارتكابه خلال السنوات الماضية، وقد تكون انعكاسات هذه الأفعال أكثر سوءاً من الفساد والسرقة والنهب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.