شعار قسم مدونات

غياب السعادة إجبار أم اختيار؟

BLOGS تفكير

لون حزنك بلون سماوي! سينفعك هذا إن رأيت غياب السعادة اختيار وتعلمت كيف تدير خياراتك، فبداخل كل منا رتوش فنان عليه أن يستحضرها حين تصبح الحياة قاتمة. يزينها بألواناً مبهجة من شأنها أن تقلل العناء، فبين أمواج السعادة والوجع يمكن أن نضفي إلى لوحة عمرنا لوناً سماوياً ينعشها وينضرها دون استسلام لعتمة أو فقدان للشغف، أما إن كنت ترى أن غياب السعادة إجبار فربما بعد المقال تغير رأيك. يقول الكاتب -أنطونيو بورشيا- "في داخلي مئة فرحة، وألف حزن، وما لا يُحصى من الآمال والحسرات، وركن صغير فارغ أختبئ فيه منكم جميعًا" فاسمحوا لنا قليلاً أن نتجول داخل ذلك الركن الصغير الذي تحدث عنه الكاتب.

 

مر الكثير منا بأوقات تعاسة مكثفة وصلنا خلالها إلى قاعات الكآبة بنجاح تجولنا في معظم طرقات الآسى فإذا ببعضها قد تؤسرك للبقاء ملوماً محسوراً وتعزل القلب عن سعادته، غير أن هناك طريق واحد بين هذه الطرق كتب على بابه "جوة العتمة نور". ربما نظن أن ضحكاتنا غرقت في بحار الضغوط والهموم الهائجة أو أنها غادرت بمحض إرادتها حين احتل الغم مكانها بالقلب وفرض عليها حظر التجوال. غير أن بداخلي شعور أحن إليه بأن البهجة قريبة تنتظر عقلاً واعياً يغيثها ويداً حانية ترويها، فنحن أحق بقلوب سعيدة، وقد حان لتلك البسمة المنسابة بعفوية على وجوهنا أن تعود.

 

احذر من كونك "غاوي نكد"
هذا الحزن سيمضي فلا الحزن دائم ولا السعادة باقية، ولكنها أدوار، فإذا جاء الحزن فلنعايشه بدواء اليقين بأنه مغادر، ولنمهد له طريق الرحيل، وإن جاءت السعادة فلتجد قلوبنا مفتحة لها الأبواب

"يا بخت من بكاني وبكى عليا ولا ضحكني وضحك الناس عليا"، مثلٌ كثيراً ما رددته جدتي -رحمها الله- ويبدو أنه حمل في طياته موروثاً ثقافياً بتفضيل الحزن على السعادة وتعلق بعض البشر بالنكد، ربما هؤلاء يفضلون الألوان القاتمة، أنا شخصياً لا أفضلها، أو لم أعد قادرة على تحملها. هذا عني، فماذا عنك؟ أذكر هذه الجدة المسكينة التي توفى عنها زوجها وهي في ريعان شبابها فتمادت في الحداد لسنوات، وجددت في كل مناسبة إقامة سرادقات العزاء، ويبدو أن الحزن قد استطاب الإقامة في حياتها فقد توالت الأحداث من وفاة ابنتها الصغيرة، فبالغت الجدة كعادتها في كل مظاهر الوجع. لربما أكثر من عشر أعوام ما لبث خلالها إلا أن أصيبت ابنتها الباقية بمرض السرطان وتوفاها الله. وهكذا حتى غادرت الجدة الحياة ولم أرها طيلة حياتي بغير ملابس الحداد. ماذا لو حاولت التناسي وسمحت لنفحات السعادة وألطاف الله أن تلامس قلبها؟ ألم تكن لتحيا حياة أكثر راحة وطمأنينة؟

لون حزنك بلون سماوي

لا زلت أذكر البكاء الشديد الذي بكيته من قلبي أول مرة عدت فيها من "هندسة حلوان" وكم كنت منكسرة وقتها من عدم قبولي بجامعة القاهرة وإذ بأنها تصبح باباً للكثير من الخيرات بحياتي، عرفت هناك اللون السماوي الذي يضفي إلى كل عتمة في حياتنا ضياءً لا حدود له. وجدت أن الحزن في القرآن لم يذكر إلا منهياً عنه .. وحين وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ذا وصف بليغ شافياً لكل حزين موجوع.. "إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا"، "إن القلب ليحزن" .. فالحزن عند بدايته وجع لا إرادي يصيب القلب فلك الحق كل الحق أن تعيشه وتتقبله بهدوء دون تجاهل. جالس حزنك كصديق. إن استطعت فتفهمه وأصغ إليه، وإن لم تستطع فهون على نفسك وعليه. "إن العين لتدمع" -لا تحبس وجعك- ابكِ بدلاً من أن ينخر وجعك داخلك. "ولا نقول إلا ما يرضي ربنا" راقب جوارحك وانتبه حتى لا يجرك الحزن إلى ما تندم عليه لاحقاً.

الأصل عدم الحزن وإن كان ولابد فحق الضيف ثلاثة أيام، ضيف جاء ليشير إلى إحدى مواطن الخلل وعليه المغادرة سريعا ً حتى تستعيد عافيتك وتفرغ لعلاج ذلك الخلل، فكل شعور موجع يقوى به القلب لاحقاً. أما أن تأسرك الأحزان المتجددة ويبيت خروجك من تلك المتاهة غاية في الصعوبة، فهذا ما عليك أن تحذر منه فعلى صعيد قريب وفي طريق مواز هناك محطات للسعادة لا يتقاطع طريقها مع تلك المتاهة أبدا.

 

لون مشاعرك بألوان الطيف

– إن استطعت ألا يراك أحداً حزيناً.. فافعل. "إذهب الى الله بكل أحزانك ثم اخرج للناس بكل سعادتك".

– تخير شريك حزنك بعناية: عند الحاجة لمشاركة أحزانك مع أحدهم فليكن ذا إيمان قوي، وتفكير إيجابي وإلا فلا.

– ابتسم في وجوههم وسترى الفرق: إن هلت نفحات سعادة مضيئة في وسط عواصف أحزان مظلمة فالإبتسامة حينها ليست رذيلة، وبشاشة الوجه عندها ليست عيباً يخجل منه، فالصحابة كانوا يرجعون من الغزوات بالجرحى والشهداء، فإن جاء العيد كبروا وفرحوا بفضل الله، وقد كانت الصحابية ينفطر قلبها لإستشهاد زوجها ثم إذا ما انقضت العدة قد تتزوج صحابياً آخر وتكون له نعم الزوجة.

– لا تبالغ في استعراض أوجاعك: كتابة "بوستات" معظمة لليأس ساخرة من الأمل والابتهاج بكثرة "اللايكات" والمتابعين فخ سرعان ما ستذهب لذته سريعاً ويبقى كل شعور مؤلم بالغت في وصفه وسعيت إلى نشره، "الطاقة الحلوة بتلف تلف وترجع لصاحبها" وكذلك العكس. صف مشاعرك كما تشاء ولكن لا تنشر منها إلا ما رأيت في نشره نفعاً وفائدة.

 

هذا الحزن سيمضي فلا الحزن دائم ولا السعادة باقية، ولكنها أدوار، فإذا جاء الحزن فلنعايشه بدواء اليقين بأنه مغادر، ولنمهد له طريق الرحيل، وإن جاءت السعادة فلتجد قلوبنا مفتحة لها الأبواب، ولنحياها بكل ما أوتينا من قوة قبل أن تغادر. أرجو أن تكون كلماتي قد لامست دموعاً منهمرة فمسحت بعضها، وسعت لتحرير قلوب من أسر أحزان لا طائل لها. فربما حينها تصبح الحياة أقل عناءً ونجد نحو السعادة طريقا ممهداً. لوحتنا بعون الله لن تبقى قاتمه فهناك في السماء ما نرقب منه البشرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.