شعار قسم مدونات

الكاب الأحمر الذي اكتسبه السادات بمشاركته في اغتيال أمين عثمان

blogs السادات و بيجن

ولا زلت أكرر أن مشاركة السادات في اغتيال أمين عثمان قد منحته عنصر «التطهر» السيكولوجي الذي لم ينله غيره، وهي قضية معقدة في التحليل النفسي ليس هذا المقام محلًا لمناقشتها. لكن المشكلة الحقيقية في السياسة المصرية وفي التاريخ المعاصر، أن تصوير دور أنور السادات في قتل أمين عثمان كان تصويرا ملتبسا وظل كذلك لأسباب كثيرة.. وقد امتد الالتباس من عهد الملكية إلى عهد الثورة.. وربما نفهم أن التباس عهد الثورة قد حدث أو أحدث من أجل عيون أنور السادات.. أما التباس عهد الملكية، فكان أمرًا غريبًا بعض الشيء.. لأننا نعلم أن الملك فاروق كان يريد لهؤلاء الذين قتلوا أمين عثمان أن ينجوا من عقوبة الإعدام.. ولهؤلاء الذين شاركوهم أن ينجوا من أي عقوبة أخرى، لسبب مهم، وهو أنهم شفوا غليله من هذا الرجل الذي أسهم في خلق الموقف الذي أدى إلى إذلاله في ٤ فبراير 1942.

 

لهذا يعتقد كثيرون أن القصر الملكي كان حريصا على أن يساعد على تنجية هؤلاء من حبل المشنقة أو من أي عقوبة.. بل تصل الروايات إلى أن القصر الملكي حاول أن يساعدهم على خطف ملف القضية.. أي على خطف اعترافاتهم حتى تفقد القضية ركنها الأكبر. ونحن نعرف من روايات أنور السادات المتكررة عن ذكرياته عن الحادث أنه كان من الذكاء بحيث أنكر الاعتراف على طول الخط.. وهو ما أدى إلى الحكم ببراءته في النهاية.. وفيما بعد فإن بعض الأقلام لم تمانع في أن تتمادى في الإشارة إلى أن «العملية الوطنية» التي أدت إلى قتل أمين عثمان كانت بإيحاء مباشر من القصر.. وفيما بعد فترة أخرى تمادى البعض ليستنتج أنها كانت بتدبير القصر نفسه.. وهكذا.

 

أيًّا ما كان التشخيص الذي يعتمده القارئ لهذا التصرف.. فإن أنور السادات خرج من هاتين التجربتين اللتين اتصلتا لمدة ٦ سنوات منذ 1942 وحتى ١٩٤٨ أقوى شخصية.. وأكثر تجربة.. وأنضج فكرا

ومن الطريف، بل من المذهل، أن ما دفع القليلين إلى إهالة التراب على هذه العملية الوطنية الفدائية لم يكن حب الوفد ولا كره الملك.. وإنما كان هو كره أنور السادات.. وهذا من عبر التاريخ الوطني المعاصر عندما يتحكم الهوى في كتابته. ونعود إلى موقف القصر الملكي من قضية اغتيال أمين عثمان ونذكر أن نظرية تقاطع المصالح قد تفسر لنا موقف القصر الملكي وموقف أنور السادات.. وموقف بعض فصائل الحركة الوطنية.. وبهذه الطريقة أو بهذه القضية، فإن أنور السادات أسهم مساهمة إيجابية، لكنها كانت أقرب إلى أن تكون مساهمة في عمل خاطئ أو في عمل يضر الحركة الوطنية.

 

وسواء أكان الأمر كهذا أم كذلك، فإن السادات في الواقع أسهم مساهمة إيجابية حقيقية تحمّل نتائجها (نقولها مرة واثنتين وثلاثا) من فصل وسجن وتشريد.. بل ولقي سوء معاملة الوفد له. وبالطبع فإن الخطأ الرهيب في هذه القضية (كما قلنا وكما سنقول مستقبلا)، هو أن أنور السادات أخذ موقفا عدائيا من الوفد.. وهذا إن بدا أمرا طبيعيا في وقتها حين كان أنور السادات في ذلك الوقت معذورًا.. فإنه لا يجوز أن يظل بعد مرور بعض الوقت معذورًا في أن يدرك حقيقة أن موقفه الذي قام به كان موقفا اندفاعيا في أساسه وفي نتائجه.. وأن ذلك الاندفاع كان ينبغي أن تكون له حدود.. وأن حرمة النفس البشرية تظل دوما أكبر من هذه الاندفاعات.

 

وعلى كل الأحوال، فقد كانت هذه «المشاركة» تجربة إنسانية عميقة.. وقد أفادت هذه التجربة أنور السادات في فهم حدود الآثار الإيجابية والسلبية والآنية واللاحقة التي يمكن أن تترتب على نجاح عملية الاغتيال.. وما يمكن أن يؤثر به هذا الاغتيال في المصلحة الوطنية سلبا أو إيجابا.. فمن الثابت، منذ ذلك الحين، أن اغتيال أمين عثمان لم يفد القضية المصرية.. لا من قريب ولا من بعيد.. ولم يفد الحركة الوطنية.. لا من قريب ولا من بعيد.. وإنما كان ثأرا شخصيا استلذ أو سرّ به أحمد حسنين لأيام قليلة.. وسرعان ما توفي أحمد حسنين.. ذلك أن من عجائب القدر أنه لم تمض أيام قليلة على اغتيال أمين عثمان إلا وقد توفيّ أحمد حسنين.. وكانت تلك حكمة إلهية أن ينتهي ذلك الصراع على هذا النحو. وأحيانا ما يقال إن الملك كان مسرورا لهذا الاغتيال، ولكن الواقع أن الملك أيضًا لم يفد منه كثيرًا ولا قليلا.

 

وفي المقابل، فإن هذا الاغتيال لم يقلل من كوادر الوفد ولم يضعف من كيان الوفد.. لأن الوفد باعتباره وعاءً للحركة الوطنية كان حافلا بالكفايات.. والقدرات الكفيلة بتعويض أي نقص يعتريه في أي وقت من الأوقات. وربما كان هذا درسًا نحتاج إلى تأمله. والحاصل أن أنور السادات خرج من هذه المشاركات الانفعالية في هذا الميدان، وذاك باعتقاله وحرمانه من الحرية مرتين.. مرة بسبب التعامل مع الألمان.. والأخرى بتعامله أو تورطه مع القصر أو تعامله مع الحركة المعادية للوفد.. أو مشاركته في اغتيال أمين عثمان.

 

وأيًّا ما كان التشخيص الذي يعتمده القارئ لهذا التصرف.. فإن أنور السادات خرج من هاتين التجربتين اللتين اتصلتا لمدة ٦ سنوات منذ 1942 وحتى ١٩٤٨ أقوى شخصية.. وأكثر تجربة.. وأنضج فكرا.. وقد أتيح له أن يعرف في فترة المعتقل كثيرًا من القيادات السياسية.. وكثيرًا من نشطاء الحركة الوطنية.. وليست معرفة الشخصيات في المعتقل كمعرفتهم في ظروف «الهنك والرنك».. كذلك فقد أتيح للسادات أن يعرف طبيعة المعاملة هنا وهناك.. وأن يعرف السجون والمعتقلات بأنواعها.. السجن الحربي، والسجن السياسي، ومعتقل الأجانب.. وما إلى ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.