شعار قسم مدونات

الحرب النفسية وانتصار العقول!

MIDAN - الإعلام

قبل البدء، لابد من الاعتراف، أنه ليس من السهل وضع تعريفًاً محدداً للحرب النفسية، أو تحديد مجالها، رغم الترجمات والكتابات والاصطلاحات العديدة والمفاهيم المختلفة والمتغيرة التي تناولت موضوع الحرب النفسية، فلم يتمكن حتى أولئك الذين تخصّصوا في هذا الموضوع أن يضعوا هذا الاصطلاح في إطار واضح المعالم.

 

لقد جاء هذا الاختلاف في تحديد تعريف واضح للحرب النفسية، نتيجة أن مجال نشاطها غير متفق على حدوده، فهي لا تعرف حدود الزمان ولا المكان، فهي تمارس قبل الحرب لإعداد عقول الناس لها، وأثناء الحرب لرفع الحالة القتالية وزيادة الاعتقاد في عدالة القضية التي نحارب من أجلها، وبعد الحرب لتدعيم مكاسبها وترسيخها، تمارس عبر الأثير، وتنطلق لتجوب العالم كله، وهي وإن كانت لا تستخدم الأساليب العسكرية إلا أن تأثيرها قويا في النيل من معنويات الخصم وعزيمته وإضعاف إرادته.

 

كذلك فإن الحرب النفسية ذات طبيعة مستترة، فهي تعمل في الخفاء ومن وراء ستار ولا تظهر بصورة علنية وواضحة، وقد تمارس في شكل خبر أو قصة أو واقعة أو رواية أو مسرحية أو شائعة، أوردت الموسوعة العربية الميسرة تعريفاً يكاد يتقارب مع التعريفات التي وُضعت للحرب النفسية في العصر الحديث، يقول من ضمن تعريفه لمادة حرب هي حرب أهلية يهمها تخريب وتدمير قوات المحاربين وممتلكاتهم وغير المتحاربين بهدف إملاء شروط معينة على الفريق المهزوم، وإملاء عقيدة دينية، أو مذهب سياسي، أو حماية تلك من أي عيب، ويُعد هذا التعريف أقرب التعريفات الواردة في المعاجم العربية للحرب النفسية، حيث قال إنها تهدف لإملاء شروط معينة أو عقيدة دينية أو مذهب سياسي.

 

تعتبر الحرب النفسية أخطر من الحروب التي يُستخدم فيها العنف، وقد أوضح تلك النقطة نابليون بونابرت حين أكد أن حرب العقل أقوى من حروب الأسلحة

ومما لاشك فيه أن الحرب النفسية تعد جزءاً من النشاطات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية التي تتم خلال الحرب الفعلية، أو الحرب الباردة، أو حرب الأفكار، ومن هنا جاء اتصالها بعلم السياسة من حيث كونها في النهاية تقوم لخدمة سياسة الدول المصدرة لها والقائمة عليها، ولا ريب في أن سياسة الدولة المصدرة للحرب النفسية هي التي تضع الإطار والضوابط لهذه الحرب، وتتضمن الحرب النفسية بعيدة المدى، نشر الأخبار بطريقة مستمرة وبوسائل شتى بغرض مساعدة السياسة الخارجية للدول ورفع سقفها والحصول علي التعاطف والتأثير.

 

في خضم الصراع لابد من إعداد الدولة للحرب، وذلك بتوفير جميع المستلزمات وجميع المتطلبات التي تحتاجها لخوض الحرب، ومباشرة الصراع بعد الأخذ بمجمل أسباب القوة المادية والمعنوية، وتلك التي تهيأ عادة للحرب خصوصاً، وذلك بتسخير جميع قدرات وموارد الدولة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية لتستطيع تحقيق خططها وسياساتها الاستراتيجية الهادفة وبانسجام تام بهدف تحقيق الانتصار على الخصم في الصراع الدائر بين الطرفين.

 

لذلك تعتبر الحرب النفسية أخطر من الحروب التي يُستخدم فيها العنف، وقد أوضح تلك النقطة نابليون بونابرت حين أكد أن حرب العقل أقوى من حروب الأسلحة، وأضاف أن هناك قوتان فقط بالعالم العقل والسيف، وعلى المدى الطويل، العقل دائمًا ما ينتصر على السيف!

 

ولنجاحها لابد من اعتمادها على العلم والمنهج العلمي، ومن ذلك دراسة اتجاهات وظروف المجتمع الذي توجه إليه، ومعرفة التربية التي يحتمل أن تنمو فيها وتنتشر وتزدهر الشائعات، وتلقى الشائعات قبولاً إذا كانت تشبع حاجات الناس مع المعرفة بحقائق الأمور وأسباب الأحداث والوقائع، وتنتشر في جو الغموض وحيث يحدث التعتيم الإعلامي عن تفسير الأحداث الجارية، وهي أكثر نجاحاً إذا راعت المستوى العقلي، والثقافي، والتعليمي، وإذا استخدمت وسائل جذب الانتباه، واعتمدت على التكرار غير الممل وعلى عنصر التشويق، وإذا كان مصدرها جذاباً أو مقبولاً من قبل الجمهور المستهدف، وإذا كان مصدر ثقتهم وتنطبق عليها شروط التعليم الجيد وشروط الإعلام الجيد وشروط الإقناع الجيد، وكما تشن للهجوم فإنها أيضاً تتصدى للدعاية المعادية بالرد عليها وبيان زيفها وبطلانها.

 

يُدار القسم الأعظم من الحرب النفسية بواسطة الدعاية حيث يمكن نقل معلومات معينة وأفكار وأراء وحتى أكاذيب للتأثير على العدو وإرباك خططه ومشاريعه لهذا يجب انتخاب الواسطة الجيدة والملائمة لنقل الدعاية وذلك لضمان نجاحها وقوة تأثيرها بشرط أن تبقى هذه الواسطة تحت المراقبة الدائمة لضمان فاعليتها لفترات طويلة، وان أفضل أسلوب لإدارة عمليات الدعاية في ساحة المعركة أو على الجبهة الداخلية هي استخدام وسائل الإعلام كالراديو والتلفزيون والأفلام والصحف والنشرات ووسائل الاتصال الحديثة والانترنيت بالإضافة إلى العملاء ومكبرات الصوت والمنشورات.

 

توجه الحرب النفسية التي هي أحدث أسلحة الحرب ضد، الفكر والعقيدة والثقة والشجاعة والمشاعر، وهي حرب دفاعية هجومية وذلك لأنها تحاول أن تبني معنويات الشعب والجنود

خلال الحروب الحديثة توسعت عمليات إدارة الحرب النفسية بتطور الوسائل والتقنيات الحديثة والأجهزة الالكترونية والأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة والرادارات المتطورة وأجهزة البث البعيدة وكاميرات المراقبة وأجهزة الاتصالات ونقل الصور البعيدة وأجهزة التشويش والحواسيب وشبكات الانترنت بالإضافة إلى الاستفادة من الوسائل القديمة المستخدمة في الحرب النفسية.

 

يؤكد خبراء علم النفس أن الحروب النفسية المعتمدة على الحملات الدعائية، التي يمكن تمريرها بسهولة عبر الشبكة العنكبوتية، أصبحت أكثر أنواع الحروب النفسية خطورة وتأثيراً، بسبب الارتباط النفسي للبشر بالتكنولوجيا في عصرنا الحديث، الأمر الذي جعلهم هدفًاً أسهل والوصول إليه أصبح أسرع، ولذلك دائماً ما تجد تقارير إرشادية ينشرها علماء النفس في مقالاتهم، حول كيفية تحاشي الحرب النفسية التي قد يواجهها الإنسان يومياً في حياته العادية.

 

توجه الحرب النفسية التي هي أحدث أسلحة الحرب ضد، الفكر والعقيدة والثقة والشجاعة والمشاعر، وهي حرب دفاعية هجومية وذلك لأنها تحاول أن تبني معنويات الشعب والجنود أو العكس، بينما تحطم في الوقت نفسه معنويات العدو أو أي مجموعات من الناس، والحرب النفسية جزء من الحرب الشاملة تشن قبل الحرب، وفي أثنائها، وبعدها، ثم أنها لا تخضع لرقابة القانون ولا لعادات الحرب، ولا تعرف على أساس وصف الأرض أو نظام المعركة، أو تبعاً لمعارك لها أسماء فهي عملية مستمرة.

 

يستخدم في ذلك الدعاية، وبث حالة الاندفاع لدى أبناء المجتمع العسكريين والمدنيين للتمسك بقضيتهم وبحقوقهم التي يحاربون من أجلها، وبيان ضرورة كسب الحرب، مع الاستعانة بإثارة المشاعر الوطنية والقيم الدينية، والأخلاقية، والعودة للمفاخر التاريخية التي تزكي قيمة الدفاع وعن العقيدة والمقدسات والعمل على حمايتها، وكذلك يستخدم في الحرب النفسية العديد من الوسائل، كالخطب والأناشيد والأغاني والموسيقى الحماسية، وغير ذلك مما يدخل في نطاق الحرب النفسية الحديثة.

 

وأخيراً، لتحقيق ذلك، فلا بديل عن العمل الجاد الذي يأخذ في اعتباره الاستفادة من كل معطيات العصر، واستثمار متغيرات الحياة الحديثة في هذا الصدد، ولا سيما أن القوى المعادية تعتمد في حربها النفسية، على ما تملكه من أجهزة حديثة ووسائل متقدمة، مستثمرة في ذلك فنون الاتصال وتقنياته للسيطرة على الرأي العام وغسل الادمغة، وتكوين الاتجاهات المتوافقة مع فكرها وأيديولوجياتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.