شعار قسم مدونات

هل تعرضت يوما لموقف في مسلسل الإحراجات؟

blogs حوار

تكمن صعوبة الإحراج في حصوله المفاجئ، وتساهم سرعة البديهة في التقليل من آثاره، والخروج بأدنى الخسائر، ويسبب الإحراج ارتباكا وتوترا وغضبا، ولا بد من السيطرة على هذه المواقف بالهدوء والتصرف بروية، وعدم الاستعجال في ردود الأفعال للوصول لحل سريع بحكمة واتزان جراء هول الموقف، أما آليات الهروب فتتوزع بين: النكتة أو الطرفة التي تلطف الجو، وتصنع موقفا مغايرا يخفف من وقع الكارثة، أو عليك بالتجاهل فهو خير معين في تحجيم الموقف، والنفاذ منه بلباقة ولطف إلى أحداث أخرى مختلفة السياق.

مسلسل الإحراجات رفيق الدرب وصديق الطفولة

كأن يطرح أحدهم عليك سؤالا لا تعرف له جوابا، أو أن تسقط هنا أوهناك، أو تعلم في الوقت الضائع أنك في القطار الخطأ، أو تتناول طعاما تجده حارا بعد فوات الأوان. ألا تذكر موقف ما في طفولتك، أو في المدرسة حين تطوعت بالإجابة فوبخك المعلم: مين حكالك تجاوب؟ هل انهالت عليك جرعة من الكلمات الجارحة، ليكتشف قائلها أنها كان ينبغي عليه توجيهها لصديقك. هل صحيح أن الحياة بذاتها موقف محرج؟ هل نمت من شدة التعب وتفاجأت عند الفجر بأنك لا زلت بربطة العنق، هل تعرضت لموقف وجب على نظيرك استذكار اسمك فخانته الذاكرة، فعاتبته: ألا تذكرتي أنا فلان الفلاني؟ ألم يكن حريا بك أثناء المصافحة أن تذكر اسمك وبعض بياناتك الشخصية، بطريقة دبلوماسية مجنبا إياه الحرج.

لا أنسى حين كنت أتنقل بين المدرسة والجامعة، وكان أحد الزملاء يلح علي متى ستفطر في بيتي؟ وكنت أتهرب على الدوام، إلا أن المحذور وقع فقد أعطيته وعدا، ووجدت نفسي قبيل الغروب أطرق بابه، كم كان الموقف محرجا؟

تقول إحداهن: شاهدت امرأة فظننتها صديقتي، فانطلقت نحوها، فخيبت آمالي حين قالت: يخلق من الشبه أربعين، وتقول أخرى: ناديتها بغير اسمها، فلم تتطوع بتذكيري به، فوقعت في حرج بالغ. ألا تذكر يوم تخرجت من الجامعة فسألتك العمة هل عثرت على عمل، وحين أدركت أن لون عيني الخطيبة لم يكن سوى عدسات لاصقة ملونة، أو حين سألتك أمك عن ميعاد قدوم الصبي، ألم يختلط عليك الأمر فصادفت في السوق امرأة حسبتها قريبتك، هل مددت يدك للمصافحة نحو أحدهم فرفض مد يده، أو هل تزوجت خلافا لرغبة والديك، أو هل أوقعتك وسائط المواصلات في حرج بالغ حين أضعت موعدا ما؟

هل أضعت محفظة نقودك أو وجدتها فارغة، فتطوع أحدهم بدفع أجرتك، أو صعدت الحافلة لتتفاجئ بعدم وجود مقعد فارغ، أو تعرض حذاءك للتمزق أو للسرقة، هل تمزقت ذات مرة ثيابك فبحثت عن مخرج لماء الوجه؟ هل نسيت تقليم أظافرك فوجدت المعلم موبخا، أو هل كنت الأشد نحافة بين أفراد عائلتك، أو هل خرجت منك كلمات لا معنى لها، أو هل اكتشفت أن الحذاء توسع قليلا، أو أوقعت أحدهم في الحرج وأنت لا تقصد، وحين أسرعت للدوام فأخبرك الحارس بأن اليوم هو الجمعة، أو هل ذهبت للمسجد لتجد المصلين وقد فرغوا من صلاتهم؟ اعلم أنها كلها تهون أمام هول موقف تطاير الصحف حين تؤتى صحيفتك بشمالك لا سمح بالله، أوحين تفتقد أحد أولادك من مرافقتك في الجنة.

إحراجات في الذاكرة لا أنساها ما حييت

ذات مره وفي أواسط الثمانينيات حضر لمنزلنا ضيف عزيز، فذهبت من فوري لوالدي أبلغه بقدوم الضيف، فاستغربت كيف يطلب مني السماح له بالدخول دون تردد، وهو المنهمك بمعية والدتي في إحصاء رزم النقود التي تصل لمبلغ لم يكن يحلم به واحد من أبناء القرية آنذاك، وما إن دخل الضيف حتى شهق شهقة كادت تزهق روحه، وبدا كما لو كان يقف بجوار السندباد في وادي الماس في حكايات ألف ليلة وليلة، غضبت والدتي كيف تدخل ضيفا علينا بهذا الشكل، فيما كانت نظرات الوالد تمتلئ مكرا ودهاء، فقد كان يريد إرساله خطيبا لواحدة من بنات الحي زوجة ثانية له على كتاب الله وسنة رسوله، وكان حريصا على أن يجعله يرى رزم النقود الورقية، صحيح أن والدي كان راغبا في توظيف الموقف لصالحه، إلا أن والدتي غفر الله لها بقيت سنين طوالا تشعرني بالحرج، وتعيرني كيف تدخل علينا ضيفا دون "إحم أو دستور"، وهي لا تعلم أن والدي سمح له.

وقريبا من ذلك لا أنسى حين كنت أتنقل بين المدرسة والجامعة، وكان أحد الزملاء يلح علي متى ستفطر في بيتي؟ وكنت أتهرب على الدوام، إلا أن المحذور وقع فقد أعطيته وعدا، ووجدت نفسي قبيل الغروب أطرق بابه، كم كان الموقف محرجا؟ ظهر كل ذلك في وجه الرجل، ما إن حان أذان المغرب حتى مدت سفرة الافطار أمام ناظري، كانت قمة في البساطة مؤلفة من صحن واحد  من الملوخية الساخنة وبضع تمرات وكاسة ماء، لا تخبروا والدتي بأني التهمت طبق الملوخية فداء لأعراف للضيافة، فقد عشت عمري كله لا أطيق الملوخية، ولكن متطلبات الموقف فرضت نفسها، ولم أكن أعلم بمقدار الفقر الذي كان به الرجل، ولا ألوم نفسي فقد كان يلح علي دوما بالضيافة.

دعاني صديق لصلاة التراويح برفقته في مسجد لا يبعد كثيراً عن بيته، فقبلت الأمر وأنا أحمل على كتفي رحلة العمر برفقة اللغة العربية قرابة نصف قرن، وكان الإمام من الجالية الآسيوية لا يعرف العربية حرفا ولا رسما، يؤم المصلين العرب بصوته الند الجميل، فأحسست كم أنا مقصر في حق الله وفي حق لغتي وفي حق نفسي، هذه مشاعر تراودك وأنت ذاهب في عمرة لبيت الله الحرام، فتفيض الدموع: كم فرطنا في حق الله! عزيزي القارئ: قم بجردة حساب لتفاصيل يومياتك في الماضي لترى كم هي الإحراجات التي نمر بها يوميا، ونجتازها دون توقف متناسين وقعها في خضم حياة ملؤها الانشغالات المريرة بالهم اليومي والسياسي والاجتماعي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.