ميلادي (أنا الكُردي) كميلاد عيسى، حيث كان بقدرة "كن فيكون" فأنا الذي أراد الله أن أكون، فقال كُن، فكنت.. فلولا (كن) هذه لما كنا.. ولولا حفظ الله لهذا المكوِّن لما بقينا، وكنا من المنقرضين، مثل مَن سبقنا مِن آشور وسومر وغيرهم.. لا أب لنا غير الله الذي أبقى على ولادتنا سِرا لم يكشفه، على غير عادة ميلاد عيسى حيث كشفه.. عندما قال: (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ).
أنا كما عيسى عندما ولدته مريم، اتُهمت مريم وحورب عيسى.. أنا الذي حتى لو اصعد السماء حيّا بعزة الله كما عيسى، بعدما أُصلب، فسيهزأ بي من حولي إخواني.. فصلاح الدين الذي جاء من بعيد فأرجع القدس، بعدما خسره إخوانه، ما يزال إخوانه يحاربونه في كرديته.. وإلا لما قال أحمد مطر:
"دعوا صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه
لأنه لو قام حقا بينكم فسوف تقتلونه"
أنا هو الذي لا يجري الحديث عنه حتى ولو كنت من صحابة رسول الله، فها هو جابان الكردي لا في المراجع والكتب موجود، فلا يعرف الجيل عنه مثلما يعرف عن صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي.. أنا الذي لا تحديد لميلادي، فلا أعرف متى ولدت، فلم يهمني أبدا ميلادي.. فأنا ليس لي ميلاد وطن! لكن عشقي لهذا الوطن المسلوب يجعلني في تمخض دائم متمردا.. ثائرا.. مقاوما.. محاربا.. حتى يلد وطني.
أنا ذلك الذي في خضم فوضى حركي غير مخطط له صنع له سجلا طويلا من الهزائم والانتصارات والنكسات والهجرات والعودات في سلسلة حلقات مترابطة.. أنا الذي يبقى وتبقى السلسلة تتأرجح على حبل التاريخ والحاضر والمستقبل، ويذهب الآخرون.. أين أتاتورك ومن جاء من بعده، لم يبق منه إلا تمثالا صخريا في الساحات، ومن هم الآن في دوره أيضا سيذهبون، سيكون لهم تمثالا اولا، لا يهم!! سأبقى أنا ابحث عن ميلاد وطني.
أين صدام حسين ومن قبله، ذهب ولم يبق له حتى تمثالا مثل أتاتورك! وسيذهب من جاء بعده، سأبقى أنا باحثا عن وطن.. أين شاه إيران والخميني، ذهبوا وسيذهب من هم الآن، وسابقى باحثا عن الميلاد.. ذهب حافظ وجاء بشار، سيذهب بدوره.. وسيذهب أوردوغان.. الكل زائل إلّا وجه الله الذي جئت بـإرادة (كن) ـه فكنت.. وهو الذي يملك سر وجودي وميلادي الذي أبقاه لحين.. أنا الاربعون مليون إنسان.. وأربعمائة ألف كيلومتر مربع من الأرض.. لا يريدون لي ميلادا، بل يتعاونون من أجل عمل سجل وفاة لي.. كم من سجل وفاة أعدت في محافل الطب العدلي الدولي، ثم عدتُ حيا كأنني ولدت من جديد.
مشكلتي هي طالما بقيت دون ميلاد، سابقى في حالة مخاض.. مخاضي يؤلمني، ويؤلمه وربما يؤلمك أيضا بشكل مختلف.. ألمي من أنني لا وطن لي.. ولا تعريف بي.. وألمه من أنني أقاومه ولا استسلم له |
هل سمعت بقصة ثورة الشيح سعيد بيران؟! ذلك الذي رفع شعار الله أكبر والدعوة لعودة الإسلام الذي ألغاه أتاتورك في حياة الأتراك، (بيران) الذي هزّ علمانية أتاتورك هزّا فجاء إليه العالم من شرق وغرب منقذا أتاتورك مُعدما بيران، ويصفق لأتباع أتاتورك الآن ضد أتباع بيران أخوة في الإسلام من ترك وعرب قبل العلمانيين.. أين الشيخ محمود الحفيد في العراق، الذي رفع شعار الإسلام محاربا الإنكليز، فاجتمع الإخوان العرب حول الإنكليز ضد الحفيد.. أين القاضي محمد في إيران، الذي كتب له سجل وفاة في طب عدلي حضره الروس والإنكليز وإيران موقعين كشهود.. أين ملا مصطفى البارزاني الذي طلب من عبد الرحمن عارف أن يكون القرآن الكريم حكما بينهم وبين بغداد فرفض ذلك، فكانت للبندقية والمدفع والطائرة والسلاح الكيمياوي والإبادة الجماعية قول الفصل.. فانحاز الإخوة لمن رفض التحكيم بالقرآن ضد من كان ينادي به.
آه كم هو قاس أن تكتب من موقع ضعف، وتشعر شعور المظلوم، وسط إخوة في الدين كأنهم وحوش!! أما (رۆژئاڤا) وما أدراك ما (رۆژئاڤا) هي الأرض التي منعت عنها الشر زمن الأشرار.. وبقت آمنة زمن انعدام الأمن في سوريا، هي التي قصمت ظهر داعش.. بشهادة كل قوى الأرض شرقا وغربا، لكنهم جميعا خانوه.. يأتي إليها الآن أولئك الذين يريدون لي إعداد سجل وفاة، ليسجلوا لي موتا بميلاد مزور.. ويبنون مساجد للعبادة بمثابة مسجد ضرار.. آه كم هو قاس أن تكون يوسف ولا يبكي عليك يعقوب.
رغم القسوة فأنا السائر في طريق البحث عن ميلادي الحقيقي، وهو ميلاد وطن.. أعرف ايجاده صعب، وسمي هدفي هذا بأحلام العصافير.. أنا الأربعون مليونا، وأربعمائة ألف كيلومتر مربع.. بأضعاف الآخرين الذين لهم وطن.. لكنهم يمنعونني من الميلاد.. أنا الذي يعتبرني العربي عربيا، ويريد عمل سجل وفاة لي، فإن لم يتمكن فأنا ابن جني.. أما التركي ففي طريق عمل سجل وفاة لي، يعتبرني من أتراك الجبل، حتى جلعني والجبل جزءا واحدا، إذن فأنا الجبل والجبل أنا.. والفارسي ألغاني أصلا من الوجود، هكذا جهز لي سجل وفاة مزور.
لو استسلمت لهم لحلت المشكلة، ولما كانت لنا حاجة لتمرد وعصيان وقتال، وثورة وانتفاضة.. ولما كان لنا حاجة لتاريخ من الكوارث، والمآسي، وحروب، وهجرات وخراب لعمران.. مشكلتي هي طالما بقيت دون ميلاد، سابقى في حالة مخاض.. مخاضي يؤلمني، ويؤلمه وربما يؤلمك أيضا بشكل مختلف.. ألمي من أنني لا وطن لي.. ولا تعريف بي.. وألمه من أنني أقاومه ولا استسلم له.. وألمك من كونك إنسان تتأثر بمشكلة اخيك الانسان.. فآه وألف ألف آه.. أن تكتب من موقف ضعف! من ألا تملك غير أن تكتب.. وآه من إخوتي.. إخوة يوسف.. الذين رموني في بئر مظلم، بئر بلا نهاية، مع ذلك يخافون أن تأتي سيارة تنقذني من البئر، فاخبر يعقوب بما فعله إخواني بي.. لكن آه كم هو قاس أن تكون يوسف ولا يبكي عليك يعقوب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.