شعار قسم مدونات

هل تنقذ ملايين المملكة ولي العهد من المساءلة كما أنقذت حليفه؟

blogs ترمب و بن سلمان

في بدايات عام 1984، كان الأمريكي ذو الأصول العربية خالد حسن يعمل مستشارًا لشؤون تعاقدات الأسلحة لحساب أحد أفراد العائلة الحاكمة في أبو ظبي، قبل أن يجري اعتقاله على يد الأجهزة الأمنية الإماراتية، واحتجازه في زنزانة صغيرة، مع وجبة يومية من التعذيب وهو مقيد الساقيين والقدمين لفترات طويلة قد تتجاوز نصف اليوم، على مدار عامين، فيما يعد إخفاء قسريا، لعدم معرفة أحد من أهله عنه شيئا طوال تلك الفترة، بشهادة وزارة الخارجية الأمريكية التي راسلت نظيراتها الإماراتية للسؤال عن خالد كأحد رعاياها، تلك المراسلات التي سربتها وثائق ويكيليكس عام 2006، والتي أرفقت فيما بعد في الدعوى التي رفعها حسن أمام القضاء الأمريكي، والتي أختصم فيها رئيس دولة الإمارات، وولي العهد محمد بن زايد، والجنرال سعيد هلال عبد الله الدرمكي.

  

المدعى عليهم الثلاثة منافسون لرب العمل الذي كان خالد حسن ممثله في صفقات السلاح، وما كان إخفاء حسن وتعذيبه إلا جزء جزءاً من هذا الصراع الذي يجب أن يدفع ثمنه أحد ووقع اختيار الثلاثة على حسن لتأديب منافسهم، وعلى الرغم من أن إجراءات التقاضي التي بدأت عام 2009 لم تكتمل بسبب الضغط الذي مارسته الدبلوماسية الإماراتية مدفوعة من القيادة السياسية والتي انتهت بالنتيجة إلى اتفاق بين المجني عليه وجلاديه بدفع مبلغ عشرة ملايين دولار لإيقاف القضية وإغلاق ملفها الإعلامي بعد أن ساءت سمعة دولة الإمارات وأحجمت الكثير من المنظمات والمراكز والمؤسسات عن التعامل معها وهو ما ضيق من مساحات الحركة والمناورة السياسية للدولة النفطية التي تسوّق نفسها كواحدة من واحات الأمان والاستقرار الجاذب للاستثمار.

  

ترمب الذي صرح حينها بأنه لم يستطع سماع اللحظات الأخيرة من حياة المغدور خاشقجي، استطاع أن يسمع وعودا بمزيد من المليارات من ولي العهد في رسائل مع وسطاء، أسالت لعابه

في مقابلته مع برنامج "60 دقيقة" المذاع على قناة "سي بي أس" الأمريكية وفي إجابته على سؤال مقدمة البرنامج هل أمرت بقتل جمال خاشقجي؟ أجاب الأمير الصغير الإجابة بلا شك لا، لكني أتحمل مسؤوليتها بالكامل كقائد في المملكة العربية السعودية، خصوصاً أنها حدثت من مسئولين سعوديين يعملون في الحكومة السعودية، واستطرد، ما حدث كان خطأً، ولابد أن أتخذ كافة الإجراءات لتفادي حدوث أي أمر مثل هذا مستقبلًا، وعندما سألته مقدمة البرنامج: العالم يريد إجابة عن هذا.. كيف لم تكن على علم بهذه العملية؟ أجاب البعض يعتقد أنني يجب أن أكون على علم بما يقوم به 3 ملايين شخص يعملون للحكومة السعودية يوميًا؟ من المستحيل أن يرفع الثلاثة ملايين تقاريرهم اليومية للقائد في المملكة العربية السعودية أو ثاني أعلى رجل في الحكومة السعودية، انتهت إجابته عند هذا الحد، لكن الإجابة تجره في الغالب إلى مجهول لم يطلعه عليه خبراء القانون في مملكته، أو أنه كأي دكتاتور يعتبر المستشارين أقل وعيا وفهما مما أوتي من منطق الطير وتسخير الجن وصولا إلى علم النانو ذرة، فلم يعلم ولي العهد أن هناك قاعدة أصولية في القوانين الجنائية في العالم تسمى (مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه)، وهي القاعدة التي رفع بمقتضاها خالد حسن دعواه في أمريكا.

 

قد يكون ولي العهد قد اعتمد في إجابته هذه على تصريحات الإدارة الأمريكية السابقة بخصوص أزمة الصحفي السعودي المغدور جمال خاشقجي، والتي حاول خلالها القابع في البيت الأبيض تبرئة ولي العهد، بعد أن جاء على الأمير المطيع منفقا المليارات لترسيخ شعبية ترامب من خلال صفقات سلاح، قال عنها الأخير إنها "فول سوداني" بالنسبة للمملكة. فالنهج الذي اتبعه الرئيس الأمريكي في التعامل مع السعودية منذ أن تصدر ولي العهد المشهد السياسي في المملكة بعد أن تجاوز الكل لحكم المملكة، وإن كان هو الفاعل الحقيقي في السياسة السعودية، فالتصريحات الأمريكية التي حاولت باستماتة تبرئة الفاعل الأصلي في الجريمة التي هزت العالم ليس فقط لبشاعتها، ولكن أيضا لاختراقها كل الأعراف الدولية والدبلوماسية المستقرة في العالم منذ زمن بعيد، قد تغيرت بعد أن تغير موقف العالم من قضايا الدم المسفوك ومن الأمير الصغير ومن ترامب نفسه.

 

فترمب الذي صرح حينها بأنه لم يستطع سماع اللحظات الأخيرة من حياة المغدور خاشقجي، استطاع أن يسمع وعودا بمزيد من المليارات من ولي العهد في رسائل مع وسطاء، أسالت لعابه وأغرته بتقديم مزيد من الاستثمارات تتيح مزيدا من فرص العمل التي تجلب مزيد من الأصوات، لكن وفيما يبدو أن حتى تلك الأصوات لن تستطيع ان تنقذ حامي حمى الأمير بعد أن أصبح ترامب نفسه على شفا جرف هار وينتظر محاكمة ترتب فيها الأوراق وترص فيها الأدلة وتعدد فيها كذباته على الشعب وعلى النواب.

 

وبعقلية الصبي الذي ضرب في الشارع أثناء لعبه، يريد الصبيان رد الصفعة بصفعة محتمين بولي أمرهم، وهم في ذلك ظاهرين بمظهر المطيع لولي الأمر، فالضغط الرهيب الذي تمارسه تركيا على المستويين الرسمي بتصريحات المسئولين، وعلى المستوى الإعلامي من خلال كل الوسائل المتاحة، والمتوافقتين مع الحالة الشعبية المستنكرة للجريمة والمطالبة بمعاقبة الفاعل الأصلي في تلك الجريمة الشنيعة، والتي تتزايد يوما بعد يوم، لاسيما في ذكرى مرور عام على مقتل خاشقجي، وباتت محاكمة الفاعل الأصلي في الجريمة على رمية حجر.

 

إن الجريمة التي دخلت مرحلة عض الأصابع منذ الخطاب الأول للرئيس أردوغان، والذي أكدت فيه تركيا بأنها اختارت الحل الاستراتيجي طويل المدى لقطع يد الشيطان في المنطقة، بدأت تظهر نجاحاتها بعد أن اعترف الأمير الصغير بمسئوليته، لكن السؤال هل سيكون ذوو خاشقجي كخالد حسن الذي قبل بملايين ابن زايد لإغلاق القضية؟ في اعتقادي أن ذلك مستبعد، لأن قضية خاشقجي أصبحت قضية كل صحفي حر، وكل سياسي حر، وكل إنسان حر، لقد أصبحت قضية كرامة إنسانية ناضلت شعوب الأرض من أجل الانتصار لها، ولن تجدي معها ذهب المملكة بعد أن فشل سيفها أن يسكت أحرار العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.