شعار قسم مدونات

دولة محمد علي الجديدة

blogs محمد علي

يبدو أن الفنان ورجل الأعمال المصري محمد على، قد ترسخ لديه ومن واقع خبرته واحتكاكه برجال السلطة في مصر، مدى قبح الفساد المستشري في بلاده، فقرر الرحيل كاظمًا بركان الغضب في نفسه، والتي بدت حممه عبر فيديوهاته المتتالية تتساقط فوق رؤوس رجال الحكم والسلطة، وتبث هالة من الضوء عن حجم ذلك الفساد المرعب الذي كلف مصر أكثر من خمسة تريليون جنيه هي حجم الديون الخارجية!

     

فالرجل قد توغل كثيرا إلى داخل سراديب الحكم من خلال مشاريعه في مجال البناء ولم يكن ليستقل في أعماله ورجل السلطة هو من يمنح المشروع بالأمر المباشر، متجاوزا في ذلك قواعد المنافسة بين شركات القطاع الخاص والعام، فلم يجد سوى رجل السلطة العسكري المحتكر لكافة مشاريع الدولة، فاستطاع أن يحصل على مشاريع ليقوم بإنشائها بالأمر المباشر من تلك السلطة الكبيرة التي تخول لرجالها الثراء الفاحش والسريع من خلال النسبة المحددة التي يحصلون عليها دون رقيب أو حسيب.

  

نجح محمد على الفنان أن يمنح المصريين قبلة الحياة في إطار كوميدي، أن الرجل الذي يخشونه مجرد " معلقة"

الرجل كان يرى الشعب وهو يئن من العوز والفقر الشديد ويرى سكان المقابر والأرصفة والعشش الصفيح، وهو يشيد القصور الفاخرة لرجال السلطة الغاشمة، ويشيد كافة المشاريع الاستثمارية بالأمر المباشر، فحجم الأموال التي يربحها رجال السلطة وقد تخطت مئات المليارات خلال خمسة عشر عاما قضاها بين أولئك السلطويين، كانت كفيلة ببناء مساكن للشعب المسكين والمشرد في وطنه، مما دعاه لنسج سيناريو الهروب والعودة إلى الشعب ليصرخ ويصدح بحقائق مذهلة بل مرعبة عن حجم النهب المنظم من وطن بحجم مصر، وآثاره الكارثية على كيان وتركيبة المؤسسة العسكرية التي بدت وقد تفرغت تمامًا لإدارة آلاف المشاريع الاستثمارية وليس الصناعية كمعيار للنهضة، إلى حساب كبار القادة وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أمر ببناء وتشييد عدة قصور لتليق به في الحكم، فلم يقبل أو يكتفى بقصور مصر التي هي أعظم قصور في العالم، بل ولا يوجد مثيلا لدقة وروعة معمارها الفني، الذي يحاكي الأزمنة الذهبية في تاريخ مصر.

 

فالديكتاتور لا يعرف من الفن سوى الأغاني التي تمجده وترفعه إلى حد أن يملك الحياة والموت بإشارة منه، مما دفع بجناح عظيم القدرة والحنكة داخل الجيش ذاته لرفض سياسة الديكتاتور الحاكم والذي فرض نجله فوق الجميع دون مراعاة لفارق الرتب ووقار القادة، والعمل على اسقاطه وفتح المجال أمام الشعب المكبل بالحديد والنار أن يدوي صوته عاليا في الشوارع ليرى العالم أن الديكتاتور الحاكم لا ظهير له بعد الآن لو قرر خنق صوت وإرادة الشعب، وهو ما يؤكده محمد على في غير مرة أن الجيش به قادة لم ينجح الديكتاتور في شرائهم مما دفعه للتنكيل بهم والزج برفاقهم في السجون وعلى رأسهم الجنرال سامي عنان، وغيرهم مطلقو السراح.

 

إن محمد على الفنان الذي يعرف قيمة أن يحتمى الشعب بسلطة تجابه سلطة الرئيس وكمقاول يعرف كيفية البناء السليم والبناء الهش الذي سرعان ما ينهدم فوق رؤوس ساكنيه، يناشد الشعب المصري أن يشرع في بناء نظام برلماني حر لا يمنح سلطة مطلقة للرئيس القادم غداة إزاحة الديكتاتور الذي يعشق القصور ولن يتوقف عن بنائها وقد أقر بذلك أمام شعبه في تحدٍ صارخ ومهين لشعب قد تذمر وبدت ارهاصات ثورته تلوح في الأفق، فمصر الفرعونية هي التي أسست للعالم أجمع حكم الرجل الواحد، شديد السطوة، وهى أول دولة تخترع السجون والمعتقلات ولا يعرف مواطنوها غير الانحناء للفرعون، ورسم ابداعاته أقصد تجلياته على الجدران، وتشييد الأهرامات كدليل عظمته، وقد حفل التاريخ الفرعوني كذلك بالانقلابات المتتالية، واعدام كافة رجال الحكم السابقين، ليرتع الملك الجديد ويشيد قصوره هو الآخر، فدولة محمد على الجديدة تكره الملك الفرعون والسلطان والرئيس وتدرك فرعونيته عن أجداده، فلن تمنحه السلطة من جديد لينكل بها ويهوى بها إلى أسفل سافلين، بل تمنح السلطة للشعب عبر برلمان حر لا سلطان فوقه يكبله بالترهيب والترغيب.

  

لقد نجح محمد على الفنان أن يمنح المصريين قبلة الحياة في إطار كوميدي، أن الرجل الذي يخشونه مجرد " معلقة"، كما نجح محمد على المقاول أن يشيد لهم أعظم بناء للحكم لن تنجو مصر بدونه وهو النظام البرلماني وهو ما يعني حكم الشعب بالشعب، فلن يسرق الشعب ثروته وأمواله، فهل ينجح المصريون في بناء دولتهم الجديدة؟ ونرى مصر في ثوبها البرلماني ومحمد على عضوا فيه، يكشر عن أنيابه ضد المسؤولين عن الادارة ويطلق نكاته وكلماته اللاذعة ليصوبهم، إن دولة محمد على الجديدة، هي التي ينتفض الشعب الآن في سبيل تشييدها. بموجات تتصاعد وقد تبلغ ذروتها حتمًا بالطوفان الكبير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.