شعار قسم مدونات

من أجل خطابٍ دعوي ناجحٍ

blogs الخطاب الديني

لقد كثرت التساؤلات وانتشرت الشبهات في صفوف الشباب في عصر التكنولوجيا، عصر وفرة شبكات التواصل الاجتماعي، حيث أصبح تداول التساؤلات الشائكة بشكل أسرع وسهولة نشرها دون إجراءات أو تعقيدات، فيجب تدارك الأمر بإعادة النظر في طريقة الدعوة والتوجيه والخطاب، والسبب هو الفجوة الكبيرة الحاصلة بين المتخصصين الشرعيين وبين عموم الشباب، وعدم الوعي بحقيقة التساؤلات والإشكالات الموجودة في الساحة، ثم ضيق مساحة الحوار الذي يشعر فيه الشباب بوجود وسيلة آمنة للتجاوب معهم و استقبال إشكالاتهم وأسئلتهم، مما يؤدي الى ضعف في تصور الواقع والعزلة بين الطرفين. فالشباب هم ركيزة المجتمع وأساسه، لهذا يجب وضع خطط جديدة واستراتيجيات بديلة لتطوير الخطاب والحرص على تقوية دينهم وإيمانهم والاهتمام بعقيدتهم بطرحٍ بنائي ومنهجي لا هدمي وفوضوي.

 
كما إن معظم مساجدنا اليوم لا زالت تعاني من كسل بعض الفقهاء وخذلان المسؤولين في الارتقاء بالنّهج الإسلامي وخُطب الجمعة والدروس اليومية أو بالأحرى في تجديد الخطاب الديني المِنبريّ. لم نعد نذهب يوم الجمعة إلى المسجد متحمسين للاستماع للخطبة، قد صرنا نعرف مسبقا مواضيع الخطب لكثرة تكرارها واستهلاكها، لا يغيب علينا ذلك المشهد الذي نرى فيه أناساً مستندين الى الحائط أو العمود، منهم من هو نائم، ومنهم من هو غائب يتأمل سقف المسجد ويتطلع نحو الداخل إلى المسجد والخارج منه، ويعدّ من جاء وخرج باكرا أو متأخرا.

  

سئمنا هذه المشاهد فعلا، ولا أعرف لِم يُصرّ بعض أشباه الخُطباء والفقهاء على التشبث بالمواضيع المكررة والخطب المملة الطويلة التي لا تغني ولا تسمن من جوع والقضايا التي لا تمت للواقع بصلة وهم بعيدون بعد المشرق والمغرب عن واقع اليوم وما يعيشه الشباب المسلم من اضطرابات وهموم وزعزعة في العقيدة قد تؤدي بهم إلى الإلحاد لا محالة، خصوصاً بعد أحداث الرّبيع العربي وما نتج عنها من خذلان كبار الفقهاء وسُكوت آخرين. فَعلى المَعنيين بالأمر أن ينهضوا من سباتهم العميق قبل تفاقم هذه المعضلة.

يجب الاهتمام بتأطير الخطباء والدعاة ليكونوا متمكنين شرعيا، وناضجين فكريا، ومتوسعين معرفيا، ومواكبين لأفكار وأزمات الشباب، ثم تكوينهم في فنيات ومهارات الإلقاء

فالخطاب المِنبري يجب أن يركّز على النهوض بالمجتمع إيجابيا وغرس قيم التضامن والتكافل والتآخي بأفضل صورة، وأن يراعي اهتمامات الشباب واحتياجاته وتوعيتهم بطرق حل المشاكل التي يواجهونها وتحصينهم من الانحراف والتطرف، كيف يعقل أن يكون منبر الجمعة -وهو الملاذ الوحيد لمعظم المسلمين نظرا لمتطلبات الحياة وانشغالهم طيلة أيام الأسبوع -لا يلبي طلباتهم ولا يوقظ مشاعرهم الإيمانية ولا يجدد صلتهم وعلاقتهم بالله. كم اشتقنا إلى خطب غنية بالمعلومات الدينية مواكبة لقضايا الساعة، تستنهض الهمم وتستلهم العقول وتبعث في النفوس الأمل والطموح وتنهض بالشباب إيجابيا لتحقيق أهدافهم على مختلف المجالات وجميع المستويات فكريا وروحيا ومعرفيا ومهنيا.

لهذا يجب الحرص على تطوير خطبة الأسبوع خاصة لتنسجم مع الواقع الحالي وروح العصر وأن تكون مؤثرة، واضحة، مشوقة، حتى نتشوق إلى سماعها من الجمعة إلى الجمعة، بدل أن تقتل فينا روح التفاعل والتأثر نظرا لبرودة الإلقاء وعدم التحضير لها جيدا. ويجب الاهتمام بتأطير الخطباء والدعاة ليكونوا متمكنين شرعيا، وناضجين فكريا، ومتوسعين معرفيا، ومواكبين لأفكار وأزمات الشباب، ثم تكوينهم في فنيات ومهارات الإلقاء حتى يمتلكون الأسلوب الإقناعي والقدرة الحوارية العالية، ويصبحون قادرين على تنويع أساليب الحوار، كما كان يفعل رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، حيث كان يحرص في الخطاب بتنويع أساليبه لتوصيل المعلومة الشرعية بتفانٍ ودقة، فتارة بالسؤال، وتارة بالرسم، وأخرى بالخطبة البليغة التي تتسلل الى القلوب بكل ارتياح وأريحية.

كل تمنياتي أن يقوم المسؤولون والجهات المعنية بترشيد هذا الخطاب وبيان أهميته وقيمته وتطوير رسالة المسجد بما يخدم مبادئ الإسلام الحنيف وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال وبث روح الأخوة والتسامح وأن يسعوا لتأطير الخطباء والأئمة وتوعيتهم بالمسؤولية الكاملة في القريب العاجل. كما أتمنى أن يشرعوا في العمل على هذا المشروع والتفكير جديا في تطبيقه لا أن يظل حبرا على ورق قبل أن تصير الأمور إلى ما لا يحمد عقباها مستقبلا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.