شعار قسم مدونات

ماذا بعد أول 12 شهرا من عمر شركتك الخاصة؟

blogs عمل

كما الإنسان كذلك الشركات الناشئة تحتاج إلى رعاية حثيثة في البداية، حتى تستطيع الوقوف على قدميها وتثبيت أركانها في السوق. خلال أول 12 شهر من عمر أي شركة ناشئة، ينبغي لمؤسسيها أن يتحلوا بعقلية قوية ومنهجية في التفكير تمكنهم من الصمود ودفع الشركة الجديدة نحو أفق متقدم ومستوى آخر جديد. في الشهور الأولى ستكون – كمؤسس – مفعما بالطاقة وستواجه التحديات الكثيرة ورصيدك من العزيمة مازال في أوجه وعنفوانه. لكن مع مرور الأيام، ستجد أن الصعوبات لم تنته أو تتوقف، بل ربما قد ازدادت أو تضاعفت، وأن رصيدك من الصبر والمثابرة قد بدء بالهبوط تدريجيا!

حينها لا بد من ردة فعل سريعة، والريادي بطبعه يجب أن يكون دائما كذلك. لا بد من أن تُبقي جذوة الحماس متقدة بقوة في داخلك، وأن تضع الحقائق والخلاصات الجديدة أمامك كما هي؛ بعيدا عن الأحلام الوردية التي كانت معك في بداية الأمر وفي أول الطريق.

بعد مرور 12 شهرا لا بد من تحديد واضح لأماكن القوة وأماكن الضعف في مشروعك. فائدة ذلك – عدا التصحيح والتلافي- أنك لا بد من أن توجه جل جهدك وحملتك التسويقية نحو نقاط القوة في مشروعك. التسويق هو العامل المحفز لأي مشروع، والحملات التسويقية إن لم تكن على مفاصل القوة؛ فستكون مجرد عملية يضيع فيها الجهد والمال. في بداية الطريق يجب أن تكون نقاط القوة أو الميزة التنافسية لأي مشروع أو شركة واضحة تماما. لكن يمكن أن يكون مداها عريضا بعض الشيء. ال 12 شهرا الأولى كفيلة أن تؤطر أمامك الميزات ومكامن القوة، وأن تحددها أكثر، والذي لا بد من أن ينعكس تركيزا عليها لاحقا.

بعد مرور 12 شهرا لا بد من تحديد واضح للفئة المستهدفة في السوق. ففي البداية قد تكون الشريحة المستهدفة من العملاء ذات مدى واسع بعض الشيء. لكن مع مرور الوقت، لا بد لهذه الشريحة من أن تصبح محددة وواضحة أمامك جيدا، والذي لا بد من أن ينعكس وبشكل قوي ومركز على عملية التسويق المستهدفة لهذه الفئة خصوصا.

بعد مرور 12 شهرا ستغدو تقلبات السوق شيئا اعتياديا بالنسبة إليك. ما أعنيه هنا أن عامل الخبرة – وإن كان قصيرا نسبيا – سيجعلك أكثر واقعية وأكثر قدرة على تحمل المشاق

بعد مرور 12 شهرا لا بد من أن يعرف زبائنك أن قد أصبحت "ثقيلا" في السوق. لابد من أن تبني على خبرتك، وأن تبرز نجاحاتك مع العملاء الذين حزت على ثقتهم وتعاملت معهم خلال الأشهر الأولى. لا يجب أن يشعر العملاء المستهدفون أنك ما زلت تلهث وراء إثبات نفسك ومنتجك. لا بد لكل من في السوق أن يعرف أنك بت تحصل على مشاريع، وأن هذه المشاريع قد أكسبتك الخبرة اللازمة في السوق. فائدة ذلك أنه يعني أن عامل الخبرة قد بات بحوزتك، وأن ما تقدمه بات شيئا يمكن الاعتماد عليه.

بعد مرور 12 شهرا ستغدو تقلبات السوق أو ما تسمى بالإنجليزية "Ups and Downs" شيئا اعتياديا بالنسبة إليك. ما أعنيه هنا أن عامل الخبرة – وإن كان قصيرا نسبيا – سيجعلك أكثر واقعية وأكثر قدرة على تحمل المشاق التي ستقابلها على الطريق. ستبدو لك أيام من الانتظار مفهومة أكثر، وشيئا يمكن احتماله أيضا…! سيبدو لك الشهر الواحد أو الشهرين من دون زبائن أمرا صعبا، لكنه مفهوم بشكل أو بآخر. ستفهم أن عملية الحصول على عميل أو مشروع عملية معقدة من جهة، ومفاجئة عندما تجد في أحد الأيام أنك حصلت على أكثر من عميل واحد في نفس اليوم، وبعد انتظار دام لأشهر أحيانا…!!

بعد مرور 12 شهرا لا بد من تقدير لذاتك، فما كان بالأمس أحلاما وأفكارا على الورق، ها قد بات شيئا حقيقيا على الأرض، ومضى من عمره 12 شهرا. تقدير الذات على كل ذلك، عامل قوي لتعزيز رصيد الثقة بالنفس، وعامل حاسم في إيجاد صيغة تُوازن وتُقابل الكم الهائل من الحقائق والأرقام على الأرض، والتي هي في الغالب لن تكون في صالحك، نفسيا على الأقل.

منذ أكثر من 15 عاما وأنا أحلم ببناء شركة خاصة، وأن أغدو صاحب عمل حر. كانت الأحلام كثيرة ومبعثرة والعمل لم يكن حقيقا وواقعيا كما كان في 12 شهرا الأخيرة. في هذه الأشهر ازددت يقينا أن إنجاز هذا الأمر عمل حقيقي، يجب أن تترسخ جذوره في الأرض بشكل جيد، وهو أمر ليس من السهولة بمكان، ولن يكون وليد أشهر أو سنة أو سنتين. الأمر معقد ومركب أكثر مما كنت أتخيل. إدراكي لهذه الحقائق -والذي لم يكن لو أنني لم أبدأ وأنطلق – جعلني أكثر واقعية وتواضعا، وأكثرا عزما وقوة على متابعة الطريق حتى النهاية. فالأمر لله من قبل ومن بعد…وما عزائمنا وجهودنا إلا أسباب نستند عليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.