شعار قسم مدونات

ماذا تفعل لو يحكمها صهيوني؟

blogs إسرائيل

قبل اندلاعِ الربيع العربي كان لا يمكن تخيل فكرة أن يكون على رأسِ دولةٍ عربيةٍ حاكم صهيوني، أو حتى يعملُ وفقَ أجندةٍ صهيونيةٍ، أو في أقلِ تقدير يقبلُ بها ويتعايشُ معها، ولكن صدمات ما بعد الربيعِ العربي جعلت هذا الطرحُ هو الأكثر تداولاً في فضائياتِ المعارضةِ وأيضا عبر مواقع السوشيال ميديا، فهل هناك سبيلٌ للتعاطي الإيجابي مع هذه الفرضية؟ أم أن خيارَ النواحِ والبكائيةِ هما البديلُ الوحيدُ المتاحُ للمواطنِ العربيِ؟ الصهيونيةُ العالميةُ لم تتسامح مع أي زعيمٍ رفضَ وجود كيانٍ صهيونيٍ في فلسطين التاريخية، بداية من السلطان عبد الحميد آخر خليفةٍ حقيقيٍ للمسلمين، وانتهاءً بصدام حسين الذي لطالما ردد شعار عاشت فلسطين حرةٌ أبيةٌ من النهرِ إلى البحر.

الولايات المتحدة الأمريكية ليست استثناءً من هذهِ القاعدة، فالرئيس الأمريكي كارتر سقط في انتخابات عام 1979 لصالح ممثل هوليودي هو بالطبع رونالد ريجان لأن الصهاينة اعتبروا أن كارتر قد مارس ضغوطا على رئيس الوزراء الصهيوني مناحم بيجن أثناء مفاوضات كامب ديفيد مع السادات، نفس الأمر تكرر مع الرئيس بوش الأب رغم قيامهِ بتدميرِ العراق في عاصفةِ الصحراءِ عام 1991، وضربَ حصارً قاسيا عليها رغم عودة الكويت لحكامها، لا لشيءٍ سوى أنهُ أجبرَ رئيس الوزراء الصهيوني شامير على الجلوس مع ياسر عرفات في مؤتمر مدريد للسلام، وجاءت هزيمة بوش الأب وهو المخضرمُ سياسيا أمام شابٍ وسيمٍ هو بيل كلينتون الذي اشتهر بفضائحهِ الجنسيةِ أثناءَ فترةِ رئاسته، والأمر يتعدى أحيانا استخدام الصندوق لإسقاطِ الرئيس الذي يتجاوز حدودَه المرسومةِ بعنايةٍ في واشنطن إلى جريمة الاغتيال كما حدث مع الرئيس الأمريكي ابراهام لينكولن، وأيضا مع جون كيندي.

التخلص من احتمال وجود حاكم صهيوني على رأس أي دولة عربية هو غاية لا تقبل التأجيل، أو استمرار التعرض لتخريبٍ منظمٍ وانعدامِ أي أملٍ في التطورِ والرقيِ وصناعةِ المستقبل

فإذا كان هذا هو حال كواليس الحكمِ في أقوى دول العالم، فكيف هو الحالُ في بلادِ العربِ التي تعاني الضعف والتقسيم والتشرذم؟ إن قرارَ مواجهةِ الحاكمِ الصهيوني يجبُ أن يفهمَ لأسبابٍ دينيةٍ ودنيوية، الأسباب الدينية معرفة وتحكمها نصوص قطعية الثبوتِ والدلالةِ، وعلماءُ الدينِ هم الأجدرُ على شرحِها وتفسيرِها وتقديمها للعامةِ بصورةٍ واضحةٍ لا تقبل الشكَ أو التأويل، أما الأسباب الدنيوية، أو دعوني أسميها البراجماتية، فهي تتعلق بالتركيبة النفسية للصهاينة وهواجسهم التي تدفعهم للمبادرةِ بتدميرِ وتخريبِ أي عدوٍ محتملٍ حتى في ظلِ وجودِ معاهداتٍ للسلام، والسعي الدءوب لمنع أي فرصة إحداثُ تقدم ونهضةٍ في دولِ الجوارِ المزعوم، والمخططات الصهيونية بدأت قديما ولا تتوقف أبدا.

 

لذا فليس من المستغربِ أن تحُرم دولةٌ كبيرةٌ مثل مِصرَ من أي صناعةٍ حقيقيةٍ، بل حُرمت من قدراتها التنافُسية في بعضِ المحاصيلِ الزراعيةِ مثل القطن طويل التيلة، وصارت أكبر مستوردٍ للقمحِ بعدما كانت سلةٌ غذاء العالم القديم، الشيء نفسه حدث تقريبا في معظمِ الدول العربية والإسلامية، والمدهش أن طالعتنا الأخبار في عام 2018 عن قيام الموساد باغتيال عالم مسلم في ماليزيا، وآخر في تونس، فضلاً عن قائمةِ اغتيالٍ طويلةٍ للعلماءِ العرب أشرفَ عليها الموسادُ حتى قبلَ قيامِ كيانهَم المسخ في فلسطين، إذن التخلص من احتمال وجود حاكم صهيوني على رأس أي دولة عربية هو غاية لا تقبل التأجيل، أو استمرار التعرض لتخريبٍ منظمٍ وانعدامِ أي أملٍ في التطورِ والرقيِ وصناعةِ المستقبل.

والحل يبدأ بقرارٍ يستقرُ في وجدانِ المجتمع أو غالبية أفرادهُ، بضرورة العمل لإسقاط هذا الحاكم وبطانته – وهم المنتفعون بلا شك من حكمِهِ – وتقديم هذا العمل على أي عمل آخر يظن المواطن أن فيه مصلحةٍ شخصيةٍ له أو لأسرتِه، فالغايةُ الاستراتيجية يجب أن تسعى لتخليص حكم بلادك من قبضة الصهاينة بفهم أنه لا يمكن تحقيق أي منفعة تكتيكية في ظل استمرار وجودهم في سدة الحكم وقد أكدت كل التجارب أن عمل هؤلاء الحكام يشمل تخريب الشخصية العربية بتراثها المجيد وثقافتها الراقية.

بعد ذلك يجب تهيئة النفس لمواجهة كل الصعابِ المحتملة بسبب هذا القرار البطولي، فالتاريخ يؤكد شراسة مقاومة الأنظمة العميلة التي تتناسب طردياً مع حجم الجرائمِ التي ارتكبوها في المجتمعات التي سيطروا عليها، كما يؤكدُ التاريخُ أنه لا يمكن إحداث تغيير في أنظمة الحكم إلا بعدَ فرضِ قوة التغييرِ على أرض الواقع. يجب أن يعلم كل راغبٍ في التغيير أن التكنولوجيا الحديثة جعلت الكل مراقب في هذا العالم، حتى الأنفاس كادوا أن يعدوها علينا، لذا فمن اللازم استخدام التكنولوجيا الحديثة بطريقة ذكية، كأن تُستَخدم مثلا للدعاية للفكرة الرئيسية وحشد الانصار لها، على أن تبقى الخطوات الحركية بعيدة كل البعد حتى عن الاتصالات الهاتفية، وعوضا عن ذلك تستخدم الطرق البدائية القديمة وهي وحدها كفيلة بأن تصيبهم بالعمى والصمم.

الاستثمار في إسقاط الأنظمة الصهيونية في بلادنا بخلاف أنه فرض ديني وأخلاقي وعروبي، هو ايضا استثمارٌ مالي يضمن أن يعيشَ أبنائُنا في رفاهةٍ لم يعرفها جيل الآباءِ أو الأجدادِ والقادم اسوأ إذا لم تتحرك الجماهير لإنقاذ البلاد من الصهاينة
الاستثمار في إسقاط الأنظمة الصهيونية في بلادنا بخلاف أنه فرض ديني وأخلاقي وعروبي، هو ايضا استثمارٌ مالي يضمن أن يعيشَ أبنائُنا في رفاهةٍ لم يعرفها جيل الآباءِ أو الأجدادِ والقادم اسوأ إذا لم تتحرك الجماهير لإنقاذ البلاد من الصهاينة
 

إن تكتيك ثورة العباسيين ضد حكم بني أمية لا يزال صالحا مع ادخال بعض التحسينات عليه لإسقاط الأنظمةِ العميلة، حيث أنهم استخدموا لدعوتهم نظام الشبكات العنقودية مع اخفاء هوية قادة الدعوة الرئيسيين عن غالبية الانصار، وأخذ البيعة للفكرة ممثلة في شخص امام غير معروف للعامة، فإذا ما سقط فرد أو حتى خلية، وانهار بسبب التعذيب وجدت الأنظمة أن المعلومات التي يحصلوا عليها غير كافية للوصول إلى المدراء الحقيقيين للدعوة التي يجب ألا تبُنى على فكرِ أي جماعةٍ أو حزبٍ أو تيار، بل من الضروري أن تعمل لمقاومة التحزب وأسباب الفرقة بين فئات المجتمع التي يغذيها الحكام بدعايتهم المضللة، كما أن العباسيين بدئوا بمهاجمة أطراف دولة بني أمية، وهي دائما الجزء الأضعف والأكثر بعدا عن سطوة الأمن وبطشه.

يجب العمل على تدبيرِ موارد ماليةٍ للدعوةِ من تضحيات الأعضاء في الداخل والخارج، فلا عمل مقاوم دون نفقات، والقروش القليلة التي يبذل المواطن البسيط لدعوة هدفها الخلاص من حكم الصهاينة هي أعظم استثمارٍ في المستقبل، لأن الصهاينة ببساطة استولوا على معظم ثروات العالم ويمكن بسهولة القراءة عن ثروات آل روتشيلد وآل روكفلر وغيرهم من العائلات الصهيونية التي شكلت الحكومة الخفية للعالم، بمعنى أن الاستثمار في إسقاط الأنظمة الصهيونية في بلادنا بخلاف أنه فرض ديني وأخلاقي وعروبي، هو ايضا استثمارٌ مالي يضمن أن يعيشَ أبنائُنا في رفاهةٍ لم يعرفها جيل الآباءِ أو الأجدادِ والقادم اسوأ إذا لم تتحرك الجماهير لإنقاذ البلاد من الصهاينة.

قد يبدوا كل ما سبق كالحلمِ بعيد المنالِ، ولكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، والأمر يمكن أن يتحقق بتسارع مدهش إذا تكونت مجموعات صغيرة متماسكة تستقر الثقة بين افرادها، هذه المجموعات ستجد بلا شك سبل الاندماج مع مثيلاتها لتحقيق الغاية النهائية، ولا أفهم أن تطيبَ الحياةِ وان طالت والمرءُ يحيا في أسرِ اعدائه وان كان اسراً بلا جدران.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.