شعار قسم مدونات

مهلا.. فأنتِ تختارين أبا لأطفالك

BLOGS أب وابنه

اقتربت من صديقتي التي بدت مكسورة وسألتها: إذا كيف كان اللقاء؟ أطرقت قليلا وأجابتني بصوت حائر: لا أدري، ليس شخصا سيئا، لكنه ليس ما أبحث عنه! لن أستطيع أن أكون نفسي بجواره، أهدافنا في الحياة متناقضة ومبادئنا مختلفة جدا! ربما تقدمت في السن لكني لا أستطيع أن أكون مجرمة في حق أطفالي.. سألتها: سترفضين؟ أجابتني بابتسامة جميلة: نعم، لن يكون أبا جيدا. قرار صديقتي كان صعبا، فالشخص الذي تقدم لها كان يحمل كثيرا من المؤهلات الممتازة في ميزان المادة، لكن رؤيتها للأمور كانت أكبر وأوسع، كانت تتخطى الحاضر وتهتم للمستقبل، أرادت ثمارا طيبة، فما جدوى أن تجتهد وتزرع إن كان الحصاد شوكا؟

لعل الكثيرات اليوم يجدن أنفسهن بين نارين: مجتمع مريض يرى من المعيب تأخر زواجهن، وقبول شريك يُعَرِّفُهُن المعنى الحقيقي للتعاسة، ولعل عددا غير قليل يُفَضِّل الخيار الثاني فيسعين للحصول على لقب "متزوجة" ولو كان الثمن أن يضحين باستقرار أنفسهن وأن يضعن نهاية لكل أحلامهن! وكما قيل: لا معنى لازدهار الطريق إن أفضى إلى الجحيم، درس صديقتي كان بليغا، فهي لم تبهرها الأضواء لأنها تأكدت أن الباطن معتم جدا ولابد للبريق الكاذب أن يخفت في القريب العاجل، وعندها سوف نرى جليا ما حاولنا أن نتعامى عنه ولن ينفع حينها الندم!

لذا سأهمس لك عزيزتي الطيبة: لا تتزوجي من عليك أن تمثلي أمامه طوال الوقت، فالتمثيل عمل منهك، شخص لا تكونين نفسك بجواره، رجل تَتَخَلَّين عن كثير من مبادئك لتنالي إعجابه! لا تتزوجي من يُسَفِّه أحلامك، من يقول لك كل يوم أنك تعيشين في عالم المثاليات، أنك بعيدة عن الواقع، من يخبرك أن عليك التأقلم والتكيف كما الحرباء، يطلب منك أن تنضمي للقطيع! لا تتزوجي من يكره الكتب، ولا يفهم لغة الثقافة، وكلما رأى في يدك كتابا تأفف وأظلم وجهه كأنه رأى بين يديك سيجارة!

تزوجي شخصا يذكرك إذا نسيتي، يَشْدُّ على يدك عند حيرتك، يُمْسِك يدك برفق ويقول لك: من هنا هذا هو الطريق، تزوجيه رجلا يحمل رسالة الأخلاق

لا تتزوجي، لا تتزوجي، لا تتزوجي ذاك الذي عليك خوض حرب ضده وضد أهله لتربي أطفالك، ذاك الذي يسمح بما تمنعين ويهدم ما تبنين، ذاك الذي عليك أن تُحَذِّرِي أبنائك من سيئ أفعاله وأفعال أهله، فما تَبْنِين في سنوات تَهُدُّه زيارة في سُوَيْعَات، أبناؤك حبيبتي هم كنزك فلا تشاركيه من لا يعرف قدره، لا يكترث بما عليه فعله لحمايته وحفظه. لعلي أثقلت عليك، وشدَّدت في الشروط، وجعلت الأمر شبه مستحيل، لكن تأكدي عزيزتي أن تناقض الأفكار وتنافر الطباع هو ما يفضي للشقاق، أن يكون هَمُّك آخرتك ومنتهى أمانيه دنياه، أن تكوني مليئة بالمبادئ ويكون فارغا منها، هذه الاختلافات العظيمة غربان شؤم فوق أطلال علاقتكم تؤذن بالخراب.

تزوجي شخصا يذكرك إذا نسيتي، يَشْدُّ على يدك عند حيرتك، يُمْسِك يدك برفق ويقول لك: من هنا هذا هو الطريق، تزوجيه رجلا يحمل رسالة الأخلاق، يعلم معنى أن يقطفك وردة من بيت أهلك ويزرعك في بيته فيتعاهدك فلا تذبلين، يقولون أن أجمل هدية يقدمها الأب لأطفاله أن يحب أمهم، وأقول لك أن أعظم ما تقدمينه لأطفالك أن تحسني اختيار والدهم، أجمل هدية أن تمنحيهم أبا رائعا، قدوة في فعله قبل قوله، يبني آخرتهم قبل دنياهم.

أعلم جيدا يا عزيزتي أن ما أطلبه منك معدن نفيس، وقد يطول الانتظار لكن تأخر القطار لا يبرر تغيير الوجهة ربما عليك تغيير المحطة، لن أقول لك انتظريه مشتملا كل ما وصفت، لكن ما أحببت أن تفهميه أيتها الطيبة لا تقبلي بالخبيث مهما تمكن اليأس منك، نعم لا تقبلي خبيثا يلوث طيبتك، لا تساومي على مبادئك لا تخوضي حربا تخسرين فيها نفسك هروبا من لقب "العانس" لتتلظي بوصف "متزوجة".

لعلك ترينني أتكلم من خيال، لكن صديقتي التي حدثك عنها أول المقال أتتني بعدها بمدة مشرقة الأسارير وهمست لي: لقد أتاني من كنت أبحث عنه، لا بل أفضل مما تمنيت.. أفضل بكثير، كانت صادقة عندما تقبلت الكسر فكان جبر الله لها فوق حدود خيالها، لذا نصيحتي لك حبيبتي في زمننا المفتون هذا: ضعي قلبك بين يدي الله، وثقي في سعة كرمه ومُطْلَقِ حكمته وثقي أن عطاءه أكبر من رجائك واصدُقِي الطلب يُجَبِ الطَّلَب، وسأقولها لك مرة أخرى: حبيبتي تريثي.. فأنت تختارين أبا لأطفالك!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.