شعار قسم مدونات

عام الفرصة الأخيرة لواشنطن وطهران في العراق

blogs العراق

هذا العام هو أخطر عام على العملية السياسية والنظام السياسي الحالي في العراق منذ تأسيسه بعد الغزو الأمريكي وتشكيل أول حكومة عام ٢٠٠٥ والخاسر قد لا يقوى على قرع طبول الحرب وستكون هزيمته نكراء، هي ليست حرب مدافع وجبهة قتال رجال لرجال وإنما حرب عصابات واستخبارات ووكلاء ونفوذ ومصالح بمنطقة مشتركة باتت أرضها أشبه بقنبلة موقوتة تنفجر في أية لحظة تعلن بها إحدى الدولتين ساعة الصفر على الأخرى.

 

فلن تضرب المصانع والمدارس والأسواق والمؤسسات الأمريكية ولا الإيرانية لأنهما اختارا أرضَ معركة بعيدة عن حدودهما، كما إن ضحايا الحرب سيكون جلهم من أبناء تلك الأرض سواء من جنود الوكالة أو من أرض المحرقة كما حصل في السنوات السابقة ومات على إثر استهتار الدولتين الآلاف ممن لا ناقة لهم ولا جمل بهذه الحرب، فلا شرف ولا ميثاق ولا عهد لدى طرفي الصراع مع أهل الأرض الذين ابتلاهم الله بالنفط وقبور الصالحين.

 

وقبل الولوج فيما يمتلكه طرفا الصراع وما قد يرجح كفة أحدهما على الآخر لنتفق أن أكثر من ٩٠٪‏ من العراقيين يرفضون أي وجود إيراني أو أمريكي على أرضهم كما إنهم ناقمون على العملية السياسية الحالية بسبب الإخفاق المتكرر منذ ١٥ عاماً، والذي أسفر عن ارتفاع نسبة الأمية والفقر والبطالة والفساد المالي والإداري، إضافة إلى هجرة ونزوح أكثر من ٨ ملايين شخص وموت وإعاقة أكثر من مليوني شخص وتدمير عدة مدن وتعذيب أهلها وارتفاع نسبة الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والبشر كل ذلك بعد ٢٠٠٣.

 

إيران على حدود برية طويلة ومفتوحة مع العراق ومنذ أكثر من عشر سنوات هي الأكثر تأثيراً من الولايات المتحدة في العراق واستطاعت تثبيت الأحزاب والشخصيات المقربة منها في السلطة طيلة الفترة الماضية

بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الأخيرة لقوات بلاده في الأنبار غربي البلاد وعدم اكتراثه بلقاء أي مسؤول عراقي في رسالة مفادها أن هذه الحكومة شكلت بمباركة إيرانية ولا تمثل الرؤية الأمريكية، وقد يعد ذلك إدراكاً حقيقياً للواقع واعترافاً أمريكياً مبطناً بالهيمنة الإيرانية لأول مرة منذ سنوات عديدة، ويبدو أن الولايات المتحدة باتت أكثر وضوحا منذ خسارتها معركة الانتخابات وتشكيل الحكومة في العراق لصالح إيران ونفوذها، وهو أيضاً اعتراف من إدارة ترمب بإخفاقها في الملف العراقي لا سيما بعد اعتمادها على شخصية هزيلة وساذجة مثل بريت ماكغورك الذي حتى عندما استقال قال ترمب إنه لا يعرفه وكأنه يتبرأ من هذا الرجل الذي شبع تهزيئاً ووُصِف بالفاشل والضعيف من قبل سياسيين عراقيين.

 

فما بالك بمن يقابله من الطرف الآخر وهم كبار قيادة النخبة الإيرانية مثل مجتبى خامنئي وقاسم سليماني وغيرهم من الأسماء التي يعتمد عليها النظام الإيراني بشكل كبير لابد أنهم استمتعوا بإضاعته بين الدهاليز، لكن في التغييرات الأخيرة التي شملت وزير الدفاع إضافة إلى تعزيز الوجود في القواعد العسكرية على الأرض وإحاطتها بقوات وتعزيزات في الخليج والمناطق المحيطة بالعراق يبين كل ذلك أن واشنطن تدرك أنها في أرض غير موثوقة، وأنها بحاجة إلى إسناد من أجل التمكين وضمان عدم جعل تلك القوات هدفا سهلا لنيران قوات إيران أو الفصائل المسلحة الموالية لها.

 

عوامل نجاح البلدين موجودة، وهذا ما يصعب الصراع بينهما فإيران على حدود برية طويلة ومفتوحة مع العراق ومنذ أكثر من عشر سنوات هي الأكثر تأثيراً من الولايات المتحدة في العراق واستطاعت تثبيت الأحزاب والشخصيات المقربة منها في السلطة طيلة الفترة الماضية، بل وكسبت مؤخرا ٩٠٪‏ من الطبقة السياسية المشاركة في العملية السياسية ولم تكتف بذلك بل عملت على تقوية الأجنحة المسلحة للأحزاب الموالية لها ودعمت إنشاءَ فصائل مسلحة توجَّه وتدار من قبلها حتى جاءت المعارك ضد داعش فتحقق ما تحلم به.

 

جيش رديف أقوى تسليحاً وقوة من القوات الرسمية في العراق ويتحرك ويدار بأسلوب عقائدي كما الحال في الحرس الثوري والباسيج ومسلح بكل أنواع الأسلحة الثقيلة بما في ذلك الدبابات والطائرات والمدافع وله ميزانية خاصة في الدولة العراقية كما وتمت مساواة مرتبات جنوده بمرتبات الجنود في وزارة الدفاع والتي تصل إلى ألف دولار أمريكي، هذه القوات المسجلة في القوائم الحكومية والتي تجاوز عددها ١٠٠ ألف مقاتل ليست وحدها من تعول عليها إيران، إذ قام طهران في العام الماضي بفتح باب التطويع أمام قوات سمَّتها قوات "التعبئة" ويسجل المتطوعون لها في دور العبادة "الحسينيات" كما هو الحال في البصرة، حيث فتحت لهؤلاء المقاتلين مراكز تدريب خاصة يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني.

 

وعلى الرغم من الاختلاف العقائدي في مناطق غرب ووسط العراق وحتى المناطق الشمالية مثل نينوى وصلاح الدين والأنبار فإن إيران استطاعت تطويع الآلاف هناك من خلال السياسيين المقربين منها وشيوخ العشائر الذين يبحثون عن المال والجاه المفقود، وبهذا تكون طهران قد هيمنت على الساحة العراقية عسكريا دون أن ترسل جيشها بالاعتماد على الوكلاء لتأمين خط الدفاع الأول بالنسبة لها وهو العراق فهي لا تعتبر العراق أرضَ تمكين وإنما خط صد لإبعاد الخصوم وإشغالهم عنها كما هو الحال في لبنان واليمن وسوريا.

 

أما الولايات المتحدة فأمامها خياران، وكلاهما ينسف الوجود الإيراني في العراق، الأول أن تعيد إدخال قواتها إلى بغداد كما فعلت عام ٢٠٠٣ وتنصب حاكما عسكريا ثم حكومة مؤقتة لا تكون الأحزاب والجهات الموجودة حاليا ضمن هيكلها، وإعادة ترتيب الأوراق في العراق من جديد، والبدء من الصفر وهذا الخيار أستبعده على الرغم من أنه حلٌّ جذري، لأن إدارة ترمب لن تجازف بمثل هذا التصرف، خصوصاً أنها إدارة منقوصة ومربكة منذ تشكيلها، إذ أقيل العديد من قياداتها، واتخذ رئيسها قرارات متفردة وتراجع عن بعضها، ما يعني أنها لن تتحلى بالجرأة لمثل قرار كهذا دون وجود تخطيط ودراسة ومشروع لما بعده. كما أن هذا الأمر سيفتح باب القتال المسلح من جديد وهذه المرة من فصائل مسلحة ومدربة ومؤدلجة، إضافة إلى أن خصوم واشنطن وهم كثر سيثيرون جملة من الجدل والمشكلات دوليا. 

 

الطبقة السياسية الحالية هم مجموعة من المنتفعين الذين يستطيعون تبديل جلدهم ثلاث مرات في اليوم، فبعد أن جاءت بهم أمريكا وجعلتهم أصحاب سلطة نفوذ انقلبوا ضدها فور هيمنة إيران على المشهد العراقي
الطبقة السياسية الحالية هم مجموعة من المنتفعين الذين يستطيعون تبديل جلدهم ثلاث مرات في اليوم، فبعد أن جاءت بهم أمريكا وجعلتهم أصحاب سلطة نفوذ انقلبوا ضدها فور هيمنة إيران على المشهد العراقي

والخيار الثاني هو أن تعود قواتها العسكرية تدريجيا إلى القواعد السابقة والبدء من جديد بتهيئة وكسب قوى سياسية خصوصا المبعدة من التأثير والمشاركة الفعلية في تشكيل الحكومة، إضافة إلى الجهات غير المتفقة كلياً مع إيران، ومحاولة ترتيب أوراقها في العملية السياسية التي بنتها بطريقة عرجاء وبناء أعوج  حتى تتمكن من فرض سيطرتها على الأرض والحكومة من جديد وهذا الخيار هو الأقرب لكنه لن يحقق ما تصبو إليه، خصوصا أن إيران تغولت في جميع مفاصل الدولة والمنظمات المدنية والمستقلة والهيئات الدينية والثقافية والاجتماعية، وبنت قاعدة لا يمكن لأمريكا وضع طابوقة واحدة فوقها، فالسنوات الماضية كانت كفيلة بتأسيس ما تريده إيران من العراق.

 

إذاً هي سنة المواجهة وسنة ترجيح إحدى الكفتين وسنة الصراع المباشر وغير المباشر، ويمكن تسميتها المرحلة الأخيرة من اللعبة، حيث لابد من وجود منتصر، كقارئ ومتخصص بالشأن العراقي أرجِّح كفة الترسانة الأمريكية على التعبئة الإيرانية وعن تجربة خضناها عام ٢٠٠٣ لا يمكن التغلب على القوة والسلاح الأمريكي مهما كان الجنود مؤدلجين ومسلحين فغالباً يكون البطش الأمريكي أقوى وأشد، كما أن إيران لن ترسل الطائرات والبارجات وجيشها العرمرم لحماية من وضعتهم كحطب لمحرقة إطالة عمر نظامها أطول وقت ممكن.

 

إضافة إلى أن الطبقة السياسية الحالية هم مجموعة من المنتفعين الذين يستطيعون تبديل جلدهم ثلاث مرات في اليوم، فبعد أن جاءت بهم أمريكا وجعلتهم أصحاب سلطة نفوذ انقلبوا ضدها فور هيمنة إيران على المشهد العراقي، وسيفعلون الأمر ذاته إذا عادت أمريكا بقوتها ونفوذها من جديد، أما المحيط الدولي والإقليمي للعراق فالجميع يريد إخراج إيران لكنهم متخوفون من الجزية والإتاوات التي يفرضها ترمب عليها وعلى النفط والغاز المصدَّر لهم، لكن في النهاية ما يهم الجميع هو وقف الفوضى والنزوح وعودة الاستقرار، حتى وإن كان بتحديثٍ على خريطة سايكس وبيكو للمنطقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.