شعار قسم مدونات

إطلالة السياسة والنخاسة فوق السجادة الحمراء

blogs السجادة الحمراء

لحظةُ صمتٍ صاخبةٍ تتجمد فيها سُبلَ الحياةِ إلا من أنفاسٍ بطيئة وضربات قلب منتظمة الإيقاع، وشريط ذكريات قديمة وحديثة يبرق الى الذهن فجأة، صراعات، تحديات، منافسات، كل هذا مصحوب بنظرةٍ واجمةٍ خلف أستارها تكمن إشارات التحدي والصمود رغم ضربات الزمن جميعها تُطِلُ من عيني المسكينة التي قررت أن تشارك في المهرجان السينمائي القادم، وما يتبع ذلك من تحدي الوقوف الحاسم أمام عدسات المصورين التي ترفعُ أقواما وتهوي بآخرين فوق السجادة الحمراء.

تقديرٌ سريعٌ للموقف المالي يفوق في صرامته وانضباطه تقديرات معظم وزراء المالية في بلادنا العربية المحررة، وفق نتائجه تتحد قيمة رمز الجود والعطاء، ذلك المانح الذي بقدرِ ما يساعد المتابعين على إطلاق نظرات تكاد تلتهم صاحبته، بقدر ما يمنحها أيضا فرصا جديدة للبقاء في سوق الصخب وفق الإلهام والتطلعات ومساحة الخيال التي يفجرها في وجدان المنتجين والمخرجين.

لماذا يسمونك ثوبا، أو بالإنجليزية الرشيقة الـــ "Dress" إن هذه التسميةِ القديمةِ ما عادت تليق بك، ما عادت تناسب حجم عطاءك اللامحدود يا مانح الشهرة، وصانع الـ "هاشتاج" المنتَظر. إن قرار الـ "Dress" ليس بالبساطة والسطحية التي يتخيلها البعض، إنه قرار متبوع بالعديد من الأسئلة الصعبة، التي يجب الإجابة عليها بدقة وحسم، ويا له من شقاء.

تعددت الصور والنخاسة واحدة، ولا ألوم البضاعة الرخيصة فهذا هو واقعها المأسوي ولا ألوم المشتري المؤقت فهذه هي أخلاقه واهتماماته ومتعته، ولكن اللوم كل اللوم للعامة الذين يُستدرجون إلى هذا السوق

لحظات قبل أن يتم تحويل مؤشر الذاكرة صوب ذلك الشخص الذي يستطيع وحده أن يعطي القرار النهائي حول الذي يتحتم علي صاحبة التحدي إخفاءه، والذي يجب عليها أن تتركه للعامة بالمجان عبر عدسات المصورين، ليس بالمجان تماما، فهناك أمل أن يساهم العامة في المقابل في صناعة "الهاشتاج" وركوب الــ "تريند" لساعات طويلة تكفل تحقيق الانتصار، هذا الشخص أيضا هو الوحيد المؤتمن على عيوب الجسد، كذلك على المناطق التي تبدوا فيه أكثر إبهارا وإلهاما، وهو الذي يعطي التعهدات دائما بكتم الأسرار، يا له من صراع! وليت الأمور بهذه البساطة، فمن أين لها – المسكينة – أن تضمن أن مُصمم ثوبها الجديد لن يقدم تصميما أفضل لمنافستها اللعينة التي أقسمت بشرف عائلتها ورأس أبيها أن تسحقها وتذيقها مرارة الهزيمة فوق السجادة الحمراء.

ثم تتوالى الأسئلة الحائرة، يا إلهي، هل عاملت مصمم ثوبها السابق باللطف اللازم في لقائهما الأخير بما يضمن استمرار حماسته، هل ضمّته حين التقته يومها بما يعكس حرارة الأشواق، وخصوصية العلاقة، مدى حاجتها إليه، هل كانت قبلتها التي وضعتها على جبينه حينها بالإحساسِ اللازم؟ ثم تتحول إلى الأحلام الى خطة عمل جادة، مباحثات، مواعيد، بروفات، وقرارات حاسمة تتخذ بشأن "الماكيير" و"الكوافير" وربما الـ "سمكري" ونوع "الدوكو".

وأخيرا.. يُمنح المواطن العربي فرصة الاضطلاع على مساحات واسعة من جسد ممثلة إن أنصفت لانضمت طوعا لقائمة القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا، تحت مسمى إطلاله فلانة ويا له من اشتقاقٍ في اللغة، حتى يظهر الخلل الجسيم الذي أحدثوه عن عمد في قائمة اهتمامات العرب الذين أمسوا يعيشون على هامش الحضارة الإنسانية، لا يروق لهم منها إلا قشورها الرخيصة البالية.

إن ما نشاهده فوق السجادة الحمراء هو صورة تشبه في جوهرها أسواق النخاسة القديمة التي كان الجواري يعرضن فيها بضاعتهن الوحيدة بحثا عن مشتري دائم، أما المشتري الحديث فهو مؤقت تتعدد صورة من صديق خليجي يدفع مقابل فترة من الزمن يقضيها مع الموديل الأبرز فوق السجادة الحمراء، أو منتج يدفع مقابل عقد انتاج عمل فني، أو ربما…

يُمنح المواطن العربي فرصة الاضطلاع على مساحات واسعة من جسد ممثلة إن أنصفت لانضمت طوعا لقائمة القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا، تحت مسمى إطلاله فلانة ويا له من اشتقاقٍ في اللغة

تعددت الصور والنخاسة واحدة، ولا ألوم البضاعة الرخيصة فهذا هو واقعها المأسوي ولا ألوم المشتري المؤقت فهذه هي أخلاقه واهتماماته ومتعته، ولكن اللوم كل اللوم للعامة الذين يُستدرجون إلى هذا السوق فيساهمون في تنشيطه وتفعيله وليس لهم من الأمر ناقة ولا جملُ. ودعونا نسأل أنفسنا، هل باهتمامنا بهذه الدهون التي تتوزع تحت جلود هؤلاء النسوة وفق خريطتهن الجينية وخطتهن الخمسية للرجيم نكون قد حصلنا على تكنولوجيا صواريخ متطورة مثل اسرائيل، أو قطعنا أشواطا في مجال البحوث النووية مثل إيران، هل نضمن بهذا الاهتمام الجاد أن يتحسن ملف الحقوق والحريات في بلادنا، هل نستعيد صحافتنا الحرة، وثقافتنا النافذة؟ 

هل يتحسن المرور وتقل حوادث الطرق؟ هل يرتفع الحد الأدنى للأجور؟ هل تتوفر مساكن للشباب؟ هل يصبح واقع المستشفيات أكثر آدمية؟ هل بالتدقيق في الجزء العاري الذي تتركه لك الفنانة الواقفة فوق السجادة الحمراء بهدف الاضطلاع والتعليق تنهض بأمتك وتعتقد انها أصبحت مثل أمريكا تلك الغانية التي أسكرت العالم بخمرها؟ الحق أقول لك أن هؤلاء النخاسين الجدد يقدرون قيمة العمل، ويمنحونه الجدية اللازمة، ويقبلون بكل التحديات، ويهتمون بتطوير أساليبهم، ولكن في المقابل، ما عنك؟ هل تقبل أن يمضي قطار حياتك وأنت تنظر إلى هذه الخرائط الدهنية العارية تمنى نفسك بأحلام المراهقة وفضولها، ويكون إسهامك الصارم في الشأن العام، حول هل تجاوزت إحدى الخرائط العارية حد المقبول وفق – المرحومة – عاداتنا الشرقية، أم يجب منح الحرية التامة لكل خريطة دهنية في عرض ما تشاء فوق السجادة الحمراء وفق رؤيتها الشخصية وقناعاتها ومقدار العطاء المتبادل التي تؤمن به؟ 

يا سادة، إن فلسطين محتلة، ومصر تكاد تغرق، وبلاد الحرمين في مفترق طرق مرعب، وعراقنا غائب، وسوريا يأسرها وحشا كاسر، ولبنان يغلي فوق صفيح ساخن، وليبيا من يأسها تتمنى عودة نجل القذافي، والجزائر تستعد للزفاف على مومياء عاجزة، والمغرب قد تغرب عنا، وتونس تخالف أحكام الشريعة الإسلامية في أحكام المواريث، وقطر ما زالت محاصرة من أشقائها، وعمان احتفت بالصهيوني نتانياهو دون حياء وكذلك فعلت إماراتنا العربية بوزيرة الثقافة الصهيونية، والسودان قد انقسم، والصومال صمت، وموريتانيا لا حول لها ولا قوة، فكيف بالله عليكم نرتب أولوياتنا، وإلى متى يستمر هذا الخلل الخطير في قائمة اهتماماتنا. في الجاهلية، كان أصعب ما يخشاه العربي هو أن يصيبه العار هو أو قومه، وكانت هذه الخشية تدير العديد من العلاقات الاجتماعية والسلوكيات العربية قديما، كانت خشية العار تجبر الفاسد على تحسس أهداب مكارم الأخلاق، فأين كلمة العار بالله عليكم في قاموس العرب اليوم؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.