شعار قسم مدونات

كيف تؤثر القراءة على معدلات التنمية الاقتصادية؟

مدونات - مكتبة

هناك ارتباط بين فعل القراءة ومؤشر التنمية البشرية. فكلما زاد تأثير أو فعل القراءة ارتفع مؤشر التنمية: لأن القراءة تزيد من فاعلية الفرد، والبلدان التي تعاني من الأمية تعاني من نقص في فاعلية أفرادها.

 

إن ارتفاع نسبة قراء الكلمة المطبوعة هو الأساس الحضاري لتصنيف البلدان في العالم إلى دول متخلفة أو نامية أو متقدمة. فالتاريخ يؤكد وجود صلة وثيقة بين التطور الكبير لإنتاج الكتاب وتوسيع شبكة المكتبات العامة وبين النهوض الكبير الاقتصادي والسياسي والثقافي. لذلك يؤكد مصطفى حجازي في كتابه (الإنسان المهدور) عن وجود رابطة قوية بين اكتساب المعرفة والقدرة الانتاجية للمجتمع.

 

مفهوم التنمية كما جاء في كتاب (خطواتك الأولى نحو فهم الاقتصاد) لدكتور جاسم سلطان هو زيادة الدخل الحقيقي للفرد، ومن شروط تحققها وجود الوعي الجماهيري. وقد عرف تقرير التنمية العربية للعام 2002 التنمية بأنها تنمية الناس، ومن قبل الناس، ومن أجل الناس.

 

القراءة تنمية. إنها معرفة، وحركة، وإيجابية أو نشاط إيجابي كما يقول موربتمرادلر في كتاب (كيف تقرأ كتابا): لأنها تمكن القارئ من التعرف على حاجاته وأهدافه، ومكانه ومكوناته (الفرص والتحديات)، وعلى الوقت (أهمية الزمن وطبيعته وحركته). إن القراءة لا تقبل الثبات والفوضى. فهي ترجح دائما كفة الحركة والتغيير على كفة السكون والثبات: لأنها تحفز الفكر وتغذيه، وتدفع للعمل وبالتالي تزيد من فاعلية الفرد.

  

الإنسان العربي في مجتمعاتنا غارق في التخلف والفقر. فقد اثار فشل التنمية وتفاقم المديونية الخارجية والنمو السريع في عدد السكان، وحالة الانهاك الاقتصادي في السبعينات بالإضافة الى الارث الثقيل للمرحلة الاستعمارية

لكن كيف تزيد القراءة من فاعلية الفرد؟

تبني القراءة الفاعلية من خلال التأثير في أهدافنا وزمننا وفي طريقة تفاعلنا مع بيئتنا وواقعنا. فالكتاب قادر على ملأ وسد الفجوة أو الفراغات الشاسعة بين ما تحقق وما لم يتحقق من أحلامنا أو حاجاتنا من خلال ترجيح كفة الأهداف والمهارات على كفة التحديات والعراقيل. فالزمن بدون أهداف هو زمن ناقص وضائع. وتأخر الوصول إلى هذه الأهداف قد يدخل الفرد في حالة من الانتظار (الموت البطيء). لكن القراءة قادرة على تجزيء هذا الانتظار عندما توفر للقارئ أهداف مرحلية وتملا حاجياته بمشاعر إيجابية، حيث تمنح قيمة ومعنى لحركة الزمن الثابت (تحولها إلى حركة متغيرة): لأن القراءة قبل كل شي هي هدف بحد ذاته.

   

القراءة عمل من عوامل النجاح والتماسك والقوة: لأنها تكبح الخوف والتفاعل السلبي مع البيئة المحيطة. إنها تصنع من الإنسان إنسانا كما يقول أيمن العتوم في رواية (حديث الجنود). لكن الإنسان العربي في مجتمعاتنا غارق في التخلف والفقر. فقد اثار فشل التنمية وتفاقم المديونية الخارجية والنمو السريع في عدد السكان، وحالة الانهاك الاقتصادي في السبعينات بالإضافة الى الارث الثقيل للمرحلة الاستعمارية إلى ارتفاع نسبة المتعطلين من المتعلمين والمهنين.

 

إن البطالة هي انعكاس لمشكلة أكبر هي مشكلة التخلف. والتخلف في النهاية ثمرة استغلال واستعباد كما عبر عن ذلك الدكتور مصطفى حجازي في كتاب (التخلف الاجتماعي)، حيث يؤكد على أن التخلف يتجاوز مسألة التكنولوجيا والإنتاج ليتمحور حول قيمة الحياة الإنسانية والكرامة البشرية. ومن ملامح هذا التخلف كما يقول الدكتور حجازي هناك التخبط الذهني، والفوضى، والعشوائية، وسوء التخطيط. فسيرنا نحو الحضارة فوضويا ليس علميا أو عقليا كما يرى المفكر مالك بن نبي في كتاب (شروط النهضة).

 

هناك حاجة ماسة للتخطيط والنهوض، وهي الحاجة التي تنعكس على اختيارات القارئ العربي: إنه يرفض الفوضى والتخلف، ويريد فكر أو يبحث عن تلك الفكرة الصحيحة المشرقة والفعالة القادرة على تأمين الخبز اليومي للفرد.

 

إن كلمة اقرأ كما يرى الكثير من الكتاب والمفكرين لا تزال قادرة على إيقاظنا، وحفزنا لنعود لسيرتنا. فالمتابع للتاريخ الحضاري في الإسلام يلحظ بوضوح أنه كان مقترنا دائما بالقراءة وحب العلم والشغف بالمعرفة، وكثرة العلماء والباحثين في ميادينها المختلفة، مما لا يدع مجالا لأي شك في أن الولع بالمزيد من الاطلاع، واصطحاب الكتاب هو أحد الحلول المهمة للأزمة الحضارية التي تعاني منها أمة الإسلام. فالحضارة الإسلامية كانت ولا تزال حضارة كتاب ومعرفة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.