شعار قسم مدونات

مدونة التغيير.. الثورة المصرية انتظار لا إنكسار

blogs ثورة يناير

يراهن البعض على الزمن من أجل نسيان حدوث الثورة المصرية تارة بحملات التشويه والإساءة وتارات أخرى بمحاولة خلق وقائع جديدة على الأرض لتحل محل الحدث الأعظم وهو الثورة، وقد فشلت الخطتان فشلا عظيما.

  

فلا خصوم الثورة وأعداءها نجحوا في أي من مشاريعهم الوهمية على كثرتها بحيث يمكنهم القول بأن بديل الثورة هو التنمية التي لم تأت حتى تاريخه وربما لن تأتي أبدا في ظل وجود هؤلاء في السلطة، ولا هم رغم انفاقهم المليارات قد نجحوا في تشويه وجه الثورة بأي صورة من الصور وأقصى ما فعلوه هو أنهم وفي بدايات الانقلاب نجحوا في تسويق فكرة اختطاف الثورة على يد الإسلاميين أو الإخوان ولكن ومع مرور الوقت تبين أن الخاطف الحقيقي للثورة هي المليشيات المسلحة و كنيتها باسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهي مجموعة من كبار الضباط الذين ارتبطت مصالحهم ومصائرهم بالقوى الخارجية التي ترى فيهم عملاء قذرون أو قتلة بلا ضمير أو كما وصف الرئيس الأمريكي  ترامب الجنرال السيسي يوما ما بأنه  "القاتل اللعوب " وهذه ترجمة مخففة لما قاله ترامب حرفيا.

 

بين الإنكسار والانتظار

كما ذكرت في تدوينات سابقة فالثورات تقع في حيز زمني ممتد حتى تحقق أهدافها المنشودة ولكننا نظل مبهورين بلحظة اسقاط الصنم، كلنا كان يتمنى اسقاط النظام وليس اسقاط الحاكم وبقاء النظام في حجر الدولة العميقة دولة الجنرالات، ولكن هذه اللحظة المضيئة تظل ملهمة على مدار السنين حتى تتم عملية اسقاط النظام بطريقة أوبأخرى سواء بالتظاهرات والاعتصامات أو بتغيير سياسي جذري يشبه الثورة في قيمتها ويختلف معها في آلياتها.

 

بالنسبة للثورة فهي تمثل قبلة الحياة للشعب وللوطن، وكل المؤشرات التي نراها ونعيشها واقعا ملموسا لا تشير من قريب ولا من بعيد باحتمالية التراجع عن المسار

الانكسار يعني الاستسلام للواقع الجديد أو وجود شرعية للواقع الجديد وهو ما لم يحدث ويبدو لي أنه لن يحدث، فالانقلاب لم يحظ باعتراف إلا ممن أيدوه ولا تزال بقية الشعوب ترفضه، والانقلاب لم يقدم شرعية إنجاز تجعل أنصار الثورة يعيدون التفكير في موقفهم من الانقلاب ولو من باب أن هناك تغيير قد يفيد الشعوب.

 

في لحظات الانتظار لا تتحول الشعوب الثائرة إلى الضفة الأخرى من النهر، ولم نر مثل هذا التحول منذ انقلاب الثالث من يوليو وحتى اليوم. لم نر أفواج الثوار تنتقل إلى معسكر الانقلاب، ولكن الذي شاهدناه ولا زلنا نشاهده هو العكس، وهذا يعني أن الزمن لصالح من ينتظرون على رضيف الصورة وليس من ركبوا قارب الانقلاب.

 

الانتظار فيه خسارة نعم للوطن وللمواطن لأنه وكلما تم حسم الأمور مبكرا كلما كانت الفائدة عظمى، ولكن هذا صحيح لو كان الطرف الآخر يحقق مكاسب من بقائه في السلطة ولو كان الشعب يشعر بسعة العيش ورحابة الأوطان، أو كانت تقارير الأداء الاقتصادية والتنموية تشير بأن مصر تسير على الطريق الصحيح ولكن كل هذا لم يحدث وبالتالي فالانتظار ليس بخسارة على أرض الواقع بل هو استعداد لساعة لا شك آتية تحمل الأخبار السارة للملايين من عشاق الحرية في مصر وخارجها.

 

السؤال الراهن

ليس السؤال عن إمكانية هزيمة الثورة، فهذا لم يعد مطروحا لا على أجندة الثوار ولا على خريطة أفكار المراقبين والمحللين، بل السؤال الراهن هو حول الزمن الذي تحتاجه الثورة انتظارا لساعة العودة.

 

يقيني أن معسكر الانقلاب نفسه يراوده هذا السؤال عن الزمن لذا فهو في حالة قلق لا تنفض، ويمكنك مراجعة مقترات الصحفي المقرب من السيسي ياسر رزق في مقالين متتاليين عن الحلول السياسية المبتكرة للخروج من مأزق الإنقلاب والولوج في عالم السياسة كما يتصورها زعيم الانقلاب. الأفكار التي يطرحها ياسر رزق هي مخارج من المأزق وهي في كياتها تحمل مآزق منها على سبيل المثال أن هاجس القضاء على المعارضة والثوار والإخوان لا يزال يخيم على طريقة تفكيره لذا فهو يدعو إلى تعديلات دستورية تجعل من الجيش حامي حمى الانقلاب، والسؤال هو: في أي مرجع سياسي أو في أي تجربة سياسية سمعنا من قبل عن أن الجيوش هي من تحمي الديمقراطية؟ وأن العسكر هم ضامنو استمرار التنافسية السياسية؟ لكنه وكما قلت مرارة الواقع وضعوبة التعامل معه في ظل عدم انكسار الثورة.

  

إلى متى؟

في ظل القهر والكبت واستخدام آلة القتل الغبية، والدعم السعودي المجنون يمكنني تصور أن المسألة حياة أو موت بالنسبة لهؤلاء جميعا وأعني بهم الانقلاب والسعودية والكيان الصهيوني، فجميعهم متفق على أن في إعلاء صوت الشعب ونشر العدل و بسط الأمن أمور سامة وضارة بوجودهم، فالكيان الصهيوني أقام فكرته ودولته على اغتصاب اراضي الغير، وكذا فعلت سلطة الانقلاب حين اغتصبت قرار الشعب والسعودية احتكرت الأماكن المقدسة والثروات الكامنة في بطن أراضيها وحولت الدولة إلى مملكة تحمل اسم العائلة الحاكمة دون ذكر للشعب ولا رأيه في أي مسألة من تلك المسائل : السلطة والثروة والمقدسات.

 

الثورة طريقة تفكير وآلية تنفيذ للوصول إلى الأهداف المنشودة بطريقة مختلفة عن المألوف والمتعارف عليه، ومن ثم لا بد من التفكير بعمق حتى تؤتي ثمارها

وبالنسبة للثورة فهي تمثل قبلة الحياة للشعب وللوطن، وكل المؤشرات التي نراها ونعيشها واقعا ملموسا لا تشير من قريب ولا من بعيد باحتمالية التراجع عن المسار، ولكن الاستعجال نابع من حجم الضرر على الوطن خصوصا مع التنازلات التي يدقمها الانقلاب على مستوى الأرض والثروة والكرامة المصرية.

 

ما يحدث حاليا هو محاولة فرض الأمر الواقع بحيث يرضى الجميع به، تماما كما يفكر العدو الصهيوني والذي مع مرور الوقت نجح في اخراج ملف الاحتلال من أي حوارات سياسية وجعل العرب يتحدثون عن السلام ليس مقابل الأرض بل مقابل حمايتهم من شعوبهم أي مقابل نصرهم في معركتهم ضد الثورة، والرهان لدى حكومات اغتصاب السلطة على أنه قد تأتي لحظة أخرى تنسي الشعوب فكرة الثورة مقابل الاكتفاء بفكرة البقاء على قيد الحياة. هذه هي طريقة تفكيرهم.

   

التجربة التركية

تقدم لنا التجربة التركية تفسيرا آخر للثورات التي تحمل تغييرا جذريا بطريقة سياسية عوضا عن ثورة الشارع، فقد عرفت تركيا بأنها بلد الانقلابات العسكرية، وكلما فاز حزب إسلامي أو معارض لأفكار اتاتورك حصل انقلاب عسكري لضمان عدم تحويل المسار الأتاتوركي إلى مسار آخر، ورغم ذلك فقد تم الانتصار على الانقلابات ليس بالثورة المتعارف عليها ولكن باستثمار التجربة الديمقراطية بمفرداتها وقوانينها في احداث التغيير ليس فقط عن طريق الحزب بل عن طريق التحام الحزب بإرادة الشعب للوصول إلى الأهداف الثورية خلال مدى زمني محدد.

 

وقد يجادل بعضهم بأن ما حدث في تركيا ليس ثورة، ورأيي أن الثورة ليست شكلا بل مضمونا ولو راجعت مفردات التنمية وأرقامها خلال الخمسة عشر عاما الماضية منذ تولي حزب العدالة والتنمية لأدركت أنها فاقت حدود التصور محليا واقليميا وربما عالميا، ولأدركت أيضا حقيقة مهمة وهي أنه لم يتم المساس بقواعد التجربة "اللعبة " الديمقراطية بل لا تزال الفرصة متاحة أمام الأحزاب وفعليا لها وجود وحضور وإنجازات وجماهير ومناصب خصوصا على مستوى المحليات وداخل البرلمان.

 

خاتمة

الثورة طريقة تفكير وآلية تنفيذ للوصول إلى الأهداف المنشودة بطريقة مختلفة عن المألوف والمتعارف عليه، ومن ثم لا بد من التفكير بعمق حتى تؤتي ثمارها. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.