شعار قسم مدونات

اللجوء قسوة لا تنتهي وألم لا يهز العالم

blogs-سوريا

حينما يتدثر الأغنياء العرب في فراشهم الوثير ويتنعمون بالدفء في أيام الشتاء القارس والشديد البرودة لا يجد اللاجئ السوري أو اللاجئ العراقي أو الفلسطيني أو الصومالي أو السوداني أو الذين يبيتون في العراء، لا يجدون ملجأ أو مغارات أو مأوى يتصف بأبسط صفات المكان الذي يعيش فيه إنسان، يبيتون بلا فراش ولا غطاء في شتاء زادهم بلاء إلى بلائهم وكأن الله يمتحنهم أيصبرون أم يكفرون، وكأنه أيضا يمهلنا نحن الذي نعيش تحت أوتار اللحاف الثقيل وفي أجواء الدفء الجميل، نتنعم نحن كل يوم وهم يعانون كل دقيقة وثانية وقد قيل لا يشعر بالعناء إلا من ذاق مرارته.

 

وكأن الأمر فعلا لا يعنينا أن نرى مشاهد البؤس والشقاء على شاشات التلفزيون أو على مواقع التواصل الاجتماعي أو على مقاطع الفيديو يوتيوب كأنها بحر من الخيال أو تمثيل كما يقع في المسلسلات، مشاهد تقشعرّ لها الأبدان وتخرّ لها الجبال وتقطر دما حينما ترى طفلا صغيرا يرتعش أمامك من شدّة البرد ولا يجد ما يدفئه، وحينما ترى امرأة وقد غطّى جسمها الثلج وهي تحاول أن تلم أبناءها وتوفر لهم الدفء المطلوب ليبقوا على قيد الحياة.

 

في تلك اللحظة لا يهمها حياتها، لا يهمها أن ترقد وتغمض عينيها في ليل حالك السواد وشديد البرودة، لا يهمها إن سلب منها حريتها أو مالها أو كل ما تملكه، المهم عندها أن يعيش أطفالها وهي تتحمل الأذى حتى لو تجمدت كلها وبقي قلبها، فهي بقلبها تحويهم وتمنحهم فرصة البقاء أحياءً.

  

تحمّلت الدول المجاورة العبء الثقيل لكن هذا التحمل وصل حده الأقصى بعدما تقاعست الدول الكبرى عن أداء الواجب تجاه هذه الفئة الكبيرة من الملايين التي تحتاج بشدة اليوم إلى غذاء ودواء ومسكن ملائم وتعليم وتهيئة نفسية

ولا تفوتنا صورة الرجل العجوز الذي يكافح من أجل البقاء حيّا ما بقي من عمره، عاش قبلها فترة من الهناء والعيش بسلام، وفي آخر عمره يجد نفسه أمام امتحان قوي، يجد نفسه كالآخرين في العراء تتلحفه السماء التي تمطره ماء أو ثلجا وتجعل عظامه مختبَرا للتحمل أو الانكسار، بيده سبحة استغفار وفمه يرتعش بكلمات كأنه يتعلم نطقها لأول مرة، وشباب تائه في الحارات وبين الشعاب لا ترضيه حياة اللجوء القاسية، لا ينتظر أن يمدّه الآخرون مساعدات يمنّ بها عليه وهو في أتمّ صحة وعافية، يبحث عن مأوى وقد ينخرط فيما لا يحمد عقباه في تنظيمات مختلفة ومختلة اجتماعيا إما إلى اليمين وإما إلى اليسار مخلفة حسرة وندامة في قلوب عائلته التي تتلظى بنار الجوع والبرد الذي يفتك بالعظام.

 

وحينما تترصع موائد الطعام أمام أعيننا وتتنوع بكل أنواع الملذات والشهوات ولا يجد هؤلاء اللاجئون من خشاش الأرض ما يسدّ رمقهم، يبيتون على خواء ويصبحون على هواء، صارت أجسامهم تستغيث المنظمات من شدة الجوع في أيام الصقيع، فأين هؤلاء الزعماء الذين يجتمعون في كل مرة لإنقاذ ملايين اللاجئين من برد وجوع وخوف ورعب، أين هم؟ ألا يستمعون؟ أم على قلوب أقفالها.

   

كيف يعيش هؤلاء اللاجئون في هذه الظروف المزرية، كيف يقضون ليلهم ونهارهم؟، هل يشعرون بطعم النوم وبطونهم خاوية؟، كيف لا يشعر بهم الأغنياء وهم الذين يسرفون أموالهم من أجل التلذذ ولا يبالون، يبذرون أموالهم في ملذات وشهوات، من أجل أن يبيت الواحد مع حسناء يصرف الملايين من الدولارات، ومن أجل أن يتزين ويغير شكله يدفع الآلاف ومن أجل أن يترفّه ويسيح في الأرض دون أهداف يبسط المئات من الآلاف من الدولارات، لا يعبأون بصرخات المنظمات ولا بمناشدة الأمم المتحدة حتى تبقي على هؤلاء أحياء ألا يخافون مكر الله، أفأمنوا مكر الله؟

 

كيف لا يشعر الإنسان بأخيه الإنسان؟ صرنا في زمن اللامبالاة، فرغم سرعة الاتصالات بين الأقوام والدول والمنظمات لم تعد الصرخة تشنّف الآذان بعد أن كانت في زمن يهبّ جيشٌ بأكمله للإنقاذ كما فعل الإمام العماني الصلت بن مالك حينما استجاب لنداء امرأة واستغاثة أنثى في سقطرى، واليوم تمر علينا النداءات الواحد تلو الآخر ولا مجيب، الكل يدير ظهره والكل منشغل بنفسه، والكل لا يبالي، المهم أن يعيش وحده وفي رغد من العيش يتنعم به وحده ولا أمل في أن يرى غيره المحتاج، ذلك هو عصر الطمع والجشع، ذلك هو زمن البطش بالفقير والمحتاج والمغلوب والملهوف، لا يرى مساعدة من أحد، بل عليه أن يتحمل أكثر من ذلك، فقد نفضت الدول الغنية أيديها من موضوع اللاجئين بعدما كانت سببا مباشرا في تجمعهم.

 

تحمّلت الدول المجاورة العبء الثقيل لكن هذا التحمل وصل حده الأقصى بعدما تقاعست الدول الكبرى عن أداء الواجب تجاه هذه الفئة الكبيرة من الملايين التي تحتاج بشدة اليوم إلى غذاء ودواء ومسكن ملائم وتعليم وتهيئة نفسية، فاليوم لا بد من الإقدام على هذه الخطوة الواجبة علينا أخلاقيا واجتماعيا كل حسب موقعه، وإلا فإن النعمة لا تدوم إذا لم يشكر الإنسان فيها ربه، وشكره يتمثل أساسا في إعانة إخوانه المكلومين من اللاجئين الذين صاروا اليوم يمثلون أكبر عدد في تاريخ الأمم المتحدة التي دقت ناقوس الخطر ويبدو أن لا أحد يجيب من الأغنياء والأثرياء الذين يتلذذون ويتنعمون بنعم الله عليهم ولا يفكرون أن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق ذو القوة المتين يرزق من يشاء بغير حساب وينزع الملك ممن يشاء إذا استمر الإنسان في جحوده ونكرانه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.