لا شك أن الكتابة عن ثورة يناير مُثيرة للشجون وخاصة لمن تطلعوا لحياة كريمة وعادلة اجتماعية تصب لصالح مستقبل أفضل للمصريين. البكاء على اللبن المسكوب ليس حديث اليوم، ولكن الحديث عما تُخبأه الأيام هو ما دار بخلدي وأنا بصدد التحضير لهذه المدونة. ولأني كنت عُضواً في فريق لتخطيط مستقبلي لأحد الجامعات، فقد اضطررنا لاستخدام وسائل مختلفة للبحث منها (تحليل السيناريوهات). هذا النوع من التحليل مُستعمل بكثرة في مجالات العلاقات السياسية، ولكن أصله هو المجال الاقتصادي وبالتحديد تحليل مستقبلي لحركة سوق الأسهم.
فكرت قليلاً لأجد الرابطة بين السياسة والاقتصاد في استخدام هذا التحليل فلم أجد بغيتي، إلا عند صديق أستاذ اقتصاد مُتقاعد بجامعة بيركلي معروف في مناحي واشنطن. سألته (إذا كان تحليل السيناريوهات لا يعتمد على التقارير السابقة لحركة المال ولا على التوقعات المرتقبة فعلى أي شيء يستند؟) فقال كلمة واحدة (الطبيعة) وأضاف (إنها العنصر الأوحد في تحليل السيناريوهات خاصة في مجال العلوم الاجتماعية). باختصار الأستاذ الصديق دلني على ما تعارفنا عليه بعبارة (ربنا عايز كده) أو بالأدق "وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا" صدق الله العظيم. إذاً نبدأ بتسجيل السيناريوهات المُستبعدة التي لا دليل عل حدوثها إلا لو شاء ربك وغَيّر قُلوباً وبدل أدمغة وهو على كل شيء قدير.
قيام انتفاضة جديدة تتطور إلى ثورة جديدة. واستحالة هذا السيناريو سببه الرئيسي هو الحالة الرومانسية التي اعتنقها أبناء يناير والتي كبلتهم باستخدام الفيسبوك وتويتر وما شابه |
هو ألا يحدث شيئاً ويستمر الحال على ما عليه لفترة طويلة. واستحالة هذا السيناريو يرجع إلى الرتم السريع في التغيير السلبي الذي أدى للتدهور في الحالة المعيشية بمصر بسبب دفع أجندات خارجية بأقصى قوة قبل فوات أوان الانفلات. كل هذا أدى إلى عزوف المصريين عن المشاركة السياسية من قريب أو بعيد.
مرة أخرى فهذه كانت السيناريوهات المستحيلة وهي في قناعتي الأقرب إلى تحقق أحدها ولا أملك دليل. فإذا كان الاقتصاديون بالغرب يضعون في حساباتهم مصائب الأعاصير والزلازل ويضعون في حساباتهم تغير أمزجة المستثمرين نتيجة إشاعة أو مقال من محلل مغمور أو لانبعاث قوة ناشئة لم تكن بالحسبان.. فمن باب أولى أن نضع هذه السناريوهات في الحسبان فكلها تؤدي للحلحة الوضع القائم لعل وعسى.. الله غالب.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.