شعار قسم مدونات

كيف ساهم الكبت الاجتماعي للمرأة في ظهور النسوية؟

blogs امرأة

قبل عقدين من الزمان، كنت أخجل من هويتي الأنثوية، ليس لِعيبٍ فيها، ولكن بسبب نظرة المجتمع الذي كنت – وما زلت – عضوةً فيه أعزز وأرسّخ لبعض المفاهيم التي ألعنها كلما وقفتْ في طريق إبداعي، وألعن من لا تراعيها عندما تلقي بها بالكلية وتشبّ عن الطوق: طوق الأخلاق والقيم والمعتقدات، لأنها تحد من حريتها غير المنضبطة- أو بالأحرى انفلاتها الكلي – من كل ما يحفظ كرامتها بحجة التحرّر، والذي كان للمفارقة يعود بالضرر على البقية المخلِصة التي تنحت الصخرَ لتستعيد ما سُلب منها عند تشكّل الدويلات الحديثة المستقلة (لن أقول لك أن تبحث عن المرأة في التاريخ الإسلامي لتعلم كيف كانت مكانتها فقد أصبح ذلك من البديهيات).

ما زلت أذكر بعض مسلسلات الكرتون التي كنت أتابعها في طفولتي؛ ولعل أبرزها "الليدي أوسكار" و"الفتى ياقوت"، والتي كان أبطالها ومحور قصتها فتيات أخفين أنوثتهن ليقمن بمهام لم يكن ليسمح لهن بالقيام بها لو أنهن تمسّكن بها. لاحقًا انهالت أفلام عديدة تقدّم نفس المقاربة، منها الفيلم الشهير عن "جو" "الكاوبوي" الشجاع وحامي الحمى في الغرب الأمريكي، الذي اكتشف حانوتي البلدة عند تغسيله وتكفينه أنه "جوزفين"، التي تخفّت بلباس رجل لتؤدي ما ظنّته رسالتها في الحياة، ومع ذلك فقد ارتضت أن تقيم علاقة سرية مع "ذكر" اكتشف هويتها بالصدفة.

لقد تم تسميم أذهان الصغيرات والكبيرات على حد سواء، بفكرة الرجل القادر والمرأة الضعيفة، بل تم تخييرها بشكل فجّ بين الإبقاء على أنوثتها أو التمتع بقوتها، وكأن هناك مانعٌ من اجتماعهما معًا فيها. هذه قصص ليست من تراثنا حتى، وإن كانت مؤشرًا على أن النسويات الغربيات ابتدعن فكرة المرأة الحديدية أولاً، ومن ثَمّ استوردناها – كما نفعل دائمًا – وأنبتناها في بيئة خصبة متعطشة لما يلقي به الآخرون من مخلّفات أفكارهم وممارساتهم، بينما تخلصت النساء الغربيات منها بطبيعة الحال.

لطالما راودتني فكرة الكتابة تحت اسم ذكوري، ليس لاعتقادي بتفوق الذكور في مجال الكتابة بالطبع، ولكن لأسباب أخرى، لعلّ أبرزها: عدم تقدير النقّاد لما أكتب لأنني أنثى

وربما يكون هذا التفسير جواب جزئي على سؤال طرحه د. غسان عبد الخالق، في مقاله عن النسوية العربية العابسة: من أين جاءت فكرة المرأة الحديدية؟! في تساؤل "بريء" طرحتُه قبل سنوات عدّة على صفحتي على الفيس بوك، قلت: لماذا كل المناضلات في مجال المطالبة بحقوق النساء يفتقرن إلى الأنوثة؟ يومها انهالت عليّ ردود فعل "عنيفة" من الجنس "اللطيف"، وبخاصة من الجيل الجديد من النسويات، والذي يرى أن الجيل السابق كان المؤسس الفذ والخالق الفرد للنسوية العربية، وبالتالي فهو فوق النقد. ومع ذلك؛ فإنّي ما زلتُ لا أستوعب بعد العلاقة بين النسوية والشَّعر المنكوش مثلًا، وهل تسريحه وترتيبه سيَذهب بهيبة المناضلة؟ أو كيف أن ارتداء الملابس المهلهلة المبتذلة سيعزز تقبّل المجتمع – الرافض في الواقع – للأفكار النسوية الخلاّقة؟ لا أنتقد شكلاً أو خِلقة أو خيارًا في نوعية اللباس ومدى حشمته، ولكن أؤمن أن المرأة يمكنها أن تظهر أنوثتها بشكل مناسب مهما ألزمت نفسها من خيارات.

وعلى الهامش؛ لطالما راودتني فكرة الكتابة تحت اسم ذكوري، ليس لاعتقادي بتفوق الذكور في مجال الكتابة بالطبع، ولكن لأسباب أخرى، لعلّ أبرزها: عدم تقدير النقّاد لما أكتب لأنني أنثى، وأخذي بجريرة إناثٍ كُثُر اكتسبن مجدهنّ الأدبي بغير وجه حق، أو العكس تمامًا، كأن تتم معاملة نصوصي معاملة خاصة ويكأنها قاصرة تحتاج إلى رعاية، ومن هذا المنطلق لطالما اعتقدت أن " الكوتا النسائية" هي نقيض للمساواة وليست رديفًا لها؛ تأتي بمعنى: انظروا إلي، أنا امرأة، أنا غير قادرة على النجاح وحدي، فأحتاج إلى التحايل على المجتمع أو اجباره لأصل إلى ما هو حقٌ لي فعلًا، فيما لو كنت أملك المؤهلات المناسبة!

من المؤسف أن يؤدي الكبت بكافة أشكاله، وانتقاص حقوق النساء في المجتمعات "المحافظة" إلى فعل رد عكسي في انتشار موضة النسوية بمفهومها المشوّه والمشبوه، مع أن الأصل أن تكون المطالبات لتحقيق العدالة لا للتمرد على كل الثوابت. لستُ "نسوية" ناشطة، ولا يغريني الأمر، بل أعمل بهدوء-صاخب أحيانًا- على صقل نفسي والتغيير في محيطي أولاً، ولو قامت تلكم العابسات بذلك، لرجحت كفتهن منذ زمن بعيد، وكففن عن العبوس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.