شعار قسم مدونات

"الأنوركسيا".. فقدانك للوزن قد يكون مرضا نفسيا!

الأنوركسيا

كانت الساعة الثامنة مساء بتوقيت ذلك اليوم العصيب يوم أخبروني أنني مصاب بداء الأنوركسيا، داء يعجز الإنسان عن سماعه أو ربّما عند سماعه تجاهله تمامًا لما يحمل في مضمونه من عنف جسدي لحامله، هو أشد خطورة وأفتك من فيروس معدٍ أو بكتيريا زائلة بعد أسابيع، هو هوس يجعلك تتفقد أجزاء جسدك بلا مبالغة مليون مرة في الساعة الواحدة وتتمنى لو أنك تملك مقصًّا؛ لتتخلص من أي شحم ولا ننكر حتى لو كان جلدًا فأنت لا تتمنى أن ترى سوى هيكلا عظميا مهترئًا ولكنك لن تراه فكلما تعمقت بالأنوركسيا اعتقدت أنك أسمن أو تصوّرت بذلك؛ فصورة الجسد المختزنة لديك تجعلك ترى نفسك كأسمن شخص ولو تحداك الجميع بأنك نحيل وتكاد أن تموت وأنت تكابر بسبق الإصرار والترصد، ولكن مكابرتك تلك لم تكن نابعة من فراغ بل من تفكير ووعي بلا وعي.
 
دع منك تلك الكدمات الجسدية الّتي لا يشعرها غيرك ولا تؤلم إياك وفكّر بالوزن الذي تطمح أن تصل إليه، أما عني فكنت عازمة على الوصول لوزن ٣٨ كيلوغرامًا لكنني توقفت عند ٤٤.٦ لم أعلم لماذا توقفت؟ ربما ادّعاء من حولي بخطورة ما أنا فيه جعلهم يشمرون عن سواعدهم؛ لينقذوني من الهلاك، لا أملك العلم بهذا المرض، لكنني حتمًا ملكت التجربة واسألوا خبيرا ومجربًا لأي أمر، هو اضطراب وسواسي قهري يجعلك تقهم نفسك عن الأكل وتبعدها عن رائحته وتتظاهر بعدم الجوع أو الكذب بأنك تناولت الطعام وسلة المهملات شاهدة على كل لقمة لا تبلع أو حتى ذلك المرحاض يشهد على لقيمات دخلت عن غير قصد فتوجهت له باكيا باحثًا عن حلّ فكان التقيؤ هو الأنسب.
 

صورة الجسد التي أسرنا أنفسنا بها نحن وحدنا من يدفع ثمنها، وإنني أفخر بالانتصار فلقد تعافيت من اضطراب مميت بمدة قصيرة لم تتجاوز ستة أشهر

ومجتمعنا المسموم بسمّ الجاهلية ينعتك بـ (دلوع) نعم فصاحب الإرادة يستطيع أن يتغلب ويكشف عن أنيابه واصفًا إياك بهراء (كاذب) (يتظاهر) ولكنك أنت لا تهتم فصداقتك وأخوتك مع اضطرابك يجعلك لا تصدق إلا إياه حتى المرآة تصبح كاذبة والميزان ذو الأرقام ما هو إلا وسيلة كذب تبين لك عكس ما ترى في واقعك فالرقم الذي يظهر عليه للمصاب ما هو إلا قليل ولكن المرآة تقول غير ذلك، حتى عقلك الداخلي يقول إنك سمين بل نحيف. لا تتأفف أنت فقط تقرأ ماذا لو أنك تعايشت مع شخصيتين شخصية حنكة صاحبة مسؤولية وتدعو الآخرين بألّا يهتموا بمظهرهم الخارجي وشخصية داخلية تجعلها تؤذي نفسها ولكنها لا تريد إيذاءها وإنما تريد لها أن تكون كاملة الأوصاف كفتيات الألعاب.

   

كانت الساعة الثامنة من ذلك اليوم أشبه بكابوس لا يقظة منه وكأنّك تتصوّر بأن ما تعايشت معه لمدة عام ونصف ما هو إلا اضطراب نفسي، دعك أنك أصبحت أمام من تعرفهم مريضًا نفسيًا وربما وصفوك بالمجنون أو أصبحت وصمة عار عليك، لكن الآن لا بد أن تزيل صديقك الّذي كان معك وفيًا لعام وأكثر، وتزيله بلا عودة فاحذر حتى التفكير به بلا حكمة سيعيده، وأنت غريب تقف في الزاوية كيف لا أكون معطاءً مضيافًا لمن كان لي الصديق والقريب والّذي خلّصني من ٣٠ كيلو غرامًا وكانوا قبله يصفوني بـ (الناصحة، السمينة، الدبة، البطبوطة أو ما شابه) ومعه لم تعد تسمع هذه الكلمات لكنك تراها ككدمة زرقاوية فوق هالة عينك وأخرى فوق ضفة روحك.

صورة الجسد التي أسرنا أنفسنا بها نحن وحدنا من يدفع ثمنها ولا أدري إن كانت عباراتي هنا ستُلام أو تحقّر لكنني أدركت أن تجربة الإنسان لها الحق بأن تصل مهما كان ثمنها حتى لا تكون فتياتنا أو بناتنا أو طالباتنا إحدى ضحايا تجربة رجيم غير مدروس ولا أعي حقًّا ما هي نظرة المجتمع لي بعد هذه الكلمات أتكون نظرة شفقة أم انتصار؟ لا أنتظر أيًا منها لكنني أفخر بالانتصار فلقد تعافيت من اضطراب مميت بمدة قصيرة لم تتجاوز ستة أشهر، وكان شعاري بهذه المعركة قول مولانا الرومي: عندما تتخطّى مرحلةً صعبةً من حياتِك، أكمل الحياة كناجٍ وليسَ كضحية!

فها أنا اليوم ناجية والحمد لله وهذا ما يجعلني أعبر عن تجربتي؛ لكي لا تكون لفتاة في مجتمعي حجة أو غيره من عدم سماع ولتكون تجربتي موقظة لها متى شاءت أن تميت نفسها ولأخبرها بأن كثيرًا من فتيات مواقع التواصل الاجتماعي يدعونك لتكوني جزءًا أو عضوًا في فريقهم الأنوركسيك فاحذري ثم احذري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.