شعار قسم مدونات

مدونة التغيير.. هل تموت الثورات؟

blogs الثورة المصرية

بعد مضي قرابة ثماني سنوات على اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 لا يزال الحديث مستمرا عن الثورة ولعل أبرز الأسئلة التي يطرحها الثوار ومؤيدي التغيير هو عن آليات إعادة إحياء الثورة وكأنه تودع منها، بينما وللمفارقة فإن معسكر العداء للثورة لا يزال يبحث هو الآخر عن آليات من أجل إخماد فكرة الثورة؟ وبين هؤلاء وهؤلاء فريق ثالث لم يحسم أمره من الثورات رغم ضجره وشكواه المستمرة من الاستبداد وقرينه الفساد.

 

هذا في حد ذاته يؤكد لك ولكل متابع أن الثورة العربية في عمومها والمصرية على وجه خاص لم تمت وإن اعتلت، لم تندثر وإن تعرضت لكل عناصر التغييب، ولم تنتحر وإن نالها من التعذيب أقسى درجاته، باقية رغم ما نال اتباعها من تعب ونصب. الثورة اليوم أكثر إزعاجا لمعظم الممالك العربية وفي رأيي أن كل العالم العربي بجمهورياته المعسكرة أو إماراته المبعثرة -مجرد ممالك أو سمها إن شئت مهالك. إليك الدليل على ما أقول:

 

هل يمكن للثورة أن تنجح وتحقق أهدافها في ظل هذه العلاقة المتشابكة بين خليج نفعي لا يرى العالم إلا من خلال سعر برميل النفط، وأمريكا التي لا ترى الشعوب إلا من خلال عدسة مصالحها

يوم السبت الفائت وتحديدا في 12  يناير 2019 وبمناسبة حضوره لنشاط يسمونه دعوي لتحصين الدعاة الناشئين والمقبلين على العمل في سوق الدعاية للحاكم الفرد في مملكة الجزيرة العربية نقل عن عبد اللطيف الشيخ  وزير الأوقاف السعودي والذي ينتسب لعائلة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي كان أحد أضلاع مثلث قيام دولة آل سعود قديما قوله "إنما هي الثورات السامة المهلكة للإنسان العربي المسلم، وإنما هي الخراب والدمار للبلاد والعباد والأخضر واليابس".

 

وإذا صح ما نقل عنه وهو صحيح فإن السؤال المنطقي لماذا يتحدث وزير المملكة السعودية العظمى كما وصفها بن سلمان عن الثورة التي قد يقول قائل أنها انتهت؟ لماذا يقوم بعملية تحصين من شئ أصبح من الماضي كما يزعم البعض؟ لماذا كل هذا الهجوم ونعت الثورة بأسوأ النعوت إذا لم تكن تؤرقه ونظامه وهنا أتحدث عن السعودية التي لم تقم فيها الثورة أصلا فما بالك بمن قامت على أرضه الثورة وتقدمت بمشروعها الذي حوصر في مهده، واليوم وبعد ثماني سنوات لا يزال الحديث عن الثورة مستمرا؟

  

ما الذي تغير؟

الذي تغير وما لم تدركه القوى الثورية أن خريطة المنطقة السياسية قد تغيرت منذ اتفاقية السلام المشئومة والتي وقعها الرئيس المصري أنور السادات مع الكيان الصهيوني بعد مباحثات كامب ديفيد في عام 17 سبتمبر 1978، وهو التحول الأخطر في تاريخ المنطقة حيث تحول الكيان الصهيوني بفعل هذه الاتفاقية من عدو تحشد كل القوى ضده بضفته عدو محتل للأراضي والمقدسات العربية إلى نصف صديق لمعظم الدول العربية التي اتهمت السادات علانية بالخيانة وكانت تدعمه سرا في كل مفاوضاته وقد عادت الدول العربية إلى حظيرة التفاوض مع الصهاينة كما توقع الشاعر الكبير أحمد مطر في قصيدته الثور والحظيرة.

 

الثور فر من حظيرة البقر
الثور فر 
فثارت العجول في الحظيرهْ 
تبكي فرار قائد المسيرهْ 
وشكلت على الأثر 
محكمة ومؤتمر
فقائل قال : قضاء وقدر 
وقائل : لقد كفر
وقائل : إلى سقـر 
وبعضهم قال امنحوه فرصة أخيرة 
لعله يعود للحظيرة 
وفي ختام المؤتمر 
تقاسموا مَربطَهُ، وجمدوا شعيرهْ
وبعد عام وقعت حادثة مثيرهْ
لم يرجع الثور، ولكن ذهبت وراءه الحظيرهْ

لقد كان هذا تغيير جوهريا في تاريخ العرب الحديث وبالتالي تغيرت خريطة التحالفات وأعيد النظر في ترتيب قائمة الأعداء والتي حذف منها اسم الكيان الصهيوني واستبدل بالإخوان المسلمين تارة وبإيران تارة أخرى ويبدو أنه تم وضع الشعوب العربية على قائمة الأعداء المرتقبين إذا ما طالبت هذه الشعوب بحقها في الحياة وفي التعبير عن رأيها في شئون البلاد وهو ما جرى مؤخرا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير2011.

 

لم يكن ذلك في وعي ولا ضمير الثوار آنذاك فقد كان السجال بين فريقين هما الشعب وسلطة مبارك وربما أدرك البعض أن امريكا تقف خلف الأنظمة المستبدة لكن هذا البعض لم يدرك حقيقة الدور الصهيوني ولا الدور السعودي فيما جرى آنذاك ولولا أننا شهود المرحلة لما كنا سنصدق ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أسابيع في معرض دفاعه عن موقفه من محمد بن سلمان على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي  من أن المملكة العربية السعودية هي التي حالت دون زوال الكيان الصهيوني وهو أمر لو سمعناه أيام الثورة أو بعدها مباشرة لربما أقمنا الحد على قائله لأننا ويا لسذاجتنا كنا نعتقد أن المملكة هي حامية لواء الدفاع عن المقدسات وأنه يستحيل عقلا قبول فكرة اعترافها بالكيان الصهيوني فكيف نقبل فكرة انها هي سر بقائه على قيد الحياة؟

 

حين تتغير قواعد اللعبة وخريطة التحالفات لا بد على من يؤمنون بالثورة كأداة التغيير الأخيرة والوحيدة في ظل انسداد كل قنوات التغيير، أن يتوقفوا ليعرفوا من مع من؟ ومن ضد من؟
حين تتغير قواعد اللعبة وخريطة التحالفات لا بد على من يؤمنون بالثورة كأداة التغيير الأخيرة والوحيدة في ظل انسداد كل قنوات التغيير، أن يتوقفوا ليعرفوا من مع من؟ ومن ضد من؟
 
ما الذي نريده؟

حين تتغير قواعد اللعبة وخريطة التحالفات لا بد على من يؤمنون بالثورة كأداة التغيير الأخيرة والوحيدة في ظل انسداد كل قنوات التغيير وفي ظل تعقيدات الموقف بين ما هو عربي خالص وصهيوني كامل إلى الحد الذي نراه اليوم وبهذه الطريقة التي لم ينكرها حكام المملكة السعودية ولم يتصدوا لقائلها ولم يقدموا تفسيرا آخر لما قاله الرئيس الأمريكي ترامب.

 

في هذه اللحظة يجب أن نتوقف لنعرف من مع من؟ ومن ضد من؟ نسأل أنفسنا عن خريطة الثورة ومكانها؟ هل هي ثورة مصرية تسعى إلى تغيير النظام في مصر ليكون نموذجا يحتذى به في عالمنا الذي يتداخل فيه النفط مع الصهيونية العالمية، ويشتري المال السعودي ضمائر سكان البيت الأبيض؟ أم أن هذه الثورة لا يمكن أن تنتصر في الداخل قبل أن تدرك أن عليها أن تحسم أمر الخارج؟

 

هل يمكن للثورة أن تنجح وتحقق أهدافها في ظل هذه العلاقة المتشابكة بين خليج نفعي لا يرى العالم إلا من خلال سعر برميل النفط، وأمريكا التي لا ترى الشعوب إلا من خلال عدسة مصالحها المرتبطة ببرميل النفط الخليجي، وبين الكيان الصهيوني الذي يرى الشعوب العربية كتلة من الغضب والكراهية للمشروع الصهيوني؟ هل سيتركنا تحالف الشر لكي تنتصر ثورتنا في قلب العالم العربي والمنطقة؟ أم يجب أن نتوقع حربا وحصارا ومحاولة تجويع كما حدث مع الثورة الإسلامية الإيرانية؟ هل سيحدث هذا أم أن الأمر بات اليوم مختلفا عن ذي قبل؟ أم نتوقع حدوثه ويجب علينا الإستعداد لذلك وإعداد الخطة للتغلب عليه خصوصا وأن الجميع أدرك هشاشة نظم الحكم وخوفها وقلقها من تحرك الشعوب.

 

مجرد تنبيه

قبل أن نفكر في الإجابة على ما سبق ونحدد خط سير الثورة، ونتصور أو نتوهم صعوبة الأمر أو استحالته علينا أن نتذكر أنه ومع نهاية فترة الثمانينيات من القرن الماضي سقطت كل قطع الدومينو في أوروبا الشرقية آنذاك ولم يفلح الإتحاد السوفيتي المالك الحصري للشيوعية في العالم من إنقاذ نفسه عوضا أن ينقذ غيره من الدول التي قررت دفع فاتورة التغيير مهما كان ثمنها؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.