شعار قسم مدونات

هل أعاد بومبيو الدفء للعلاقات الأمريكية الكردية؟

blogs بومبيو و البرزاني

خلال زيارته لإقليم كردستان قبل أيام حاول وزير الخارجية الامريكي مايكل بومبيو إعادة الدفء لعلاقة الولايات المتحدة بالكُرد بسبب الجمود الذي خيّم على تلك العلاقة منذ أكثر من عام. التقى بومبيو خلال زيارته القصيرة الرئيس السابق لإقليم كوردستان مسعود البرزاني ورئيس الحكومة نيجيرفان البرزاني ورئيس مجلس الأمن القومي مسرور البرزاني، وأكد بأن لأمريكا علاقة جيدة بالإقليم وترغب ببدء الحوار بين أربيل وبغداد لحل المشاكل العالقة. تحتفظ أمريكا منذ خروج محافظات كردستان عن سيطرة النظام العراقي عام ١٩٩١ على إثر اندلاع انتفاضة شمال وجنوب العراق بموطئ قدم في الإقليم لأهميته من الناحية الاستراتيجية من جهة ولقربه من إيران التي تسعى أمريكا لإضعافها من جهة أخرى.

تقابل الرغبة الأمريكية، رغبة إيرانية واضحة للتأثير في مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في الإقليم وكسب دعم الأحزاب الكُردية لها وربط الإقليم بخارطة مصالحها التي باتت بعد الثورة السورية تمتد إلى سوريا ولبنان، إلا أن المد الإيراني في الإقليم يقابله مدّ أمريكي مُعاكس. واقعياً هنالك موقفين في الإقليم، الأول رسمي تتبناه حكومة الإقليم ويدعوا إلى تمتين علاقة الإقليم بالولايات المتحدة والثاني موقف سياسي تتبناه بعض الأحزاب الكُردية يدعوا إلى الانضواء تحت الحلف الذي تقود إيران في المنطقة.

سعت تركيا أيضاً بعد عام ١٩٩١ إلى إيجاد موطئ قدم لها في إقليم كُردستان بالدعوة إلى حماية التركمان وقامت بتمويل المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية التركمانية، إذ يبلغ عدد التركمان أكثر من مليون نسمة في العراق، موزعين على محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى واربيل، وهو ما أثار حفيظة الحكومات العراقية المتعاقبة. تختلف الاستراتيجية التركية عن مثيلتها الإيرانية رُغم أنها تلقي في نقطة واحدة هي إجهاض اَي مشروع لإقامة دولة كُردية سواء في العراق أو سوريا. ترغب تركيا بإبعاد شبح الحروب عن المنطقة، لقناعتها بأن لأمريكا يد في تحريك قطع الشطرنج لخدمة مصالحها التي تعتمد أصلاً على تعميق الخلافات وافتعال الأزمات بين دول الشرق الأوسط. 

يتمثل أحد أوجه الاستراتيجية الأمريكية في إقناع الحلفاء بالدفاع عن مصالحها وتحقيق أهدافها، وتشير الدلائل إلى أن أمريكا تتخلى عن حلفائها بمجرد الوصول إلى غاياتها

تأثرت العلاقات بين تركيا وإقليم كُردستان بالاستفتاء الذي اُجري في الإقليم عام ٢٠١٧ وشهدت توتراً واضحاً، وصدرت تصريحات معادية للإقليم من الجانب التركي، كما أغلقت تركيا أجوائها عدة أشهر أمام حركة الطيران المدني في كوردستان. خلال السنوات العشر السابقة حقق إقليم كُردستان خططاً استراتيجية مهمة جعلت الفجوة بينه وبين مناطق العراق الأخرى كبيرة، كمدّ خط أنابيب النفط الكُردي إلى ميناء جيهان التركي وفتح المجال أمام المئات من الشركات التركية للاستثمار في الإقليم وتحسين البنى التحتية وتحقيق الأجهزة الأمنية الأمن والاستقرار لمواطني الإقليم وتوج النجاح بزيارة رئيس الإقليم السابق مسعود البرزاني لتركيا ولقاءه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مدينة ديار بكر ذات الأغلبية الكُردية.

أمريكا تخذل الكُرد

خذلت أمريكا الكُرد خلال أربعين سنة الماضية ثلاث مرات، الأولى عام ١٩٧٥ حين توصل العراق وإيران إلى اتفاقية الجزائر التي وضُعت بموجبها حداً للثورة الكُردية، فقامت إيران بموجبها بإنهاء الدعم العسكري للثورة الكُردية التي اندلعت عام ١٩٦١، والثانية عام ٢٠٠٣ إذا قامت قوات البيشمركة بمساندة القوات الأمريكية المتقدمة من الشمال في بسط سيطرتها على محافظتي نينوى وكركوك، وبعد انتهاء العمليات العسكرية وإعلان سقوط نظام صدام حسين طلبت أمريكا من قوات البيشمركة مغادرة المناطق ذات الأغلبية الكُردية في المحافظتين، والثالثة عام ٢٠١٧ قُبيل إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم، إذ صدر تصريح عن وزارة الخارجية الأمريكي يؤيد وحدة الأراضي العراقية وبأن إجراء الاستفتاء سيشتت الانتباه عن محاربة تنظيم الدولة الإسلامية داعش.

يتمثل أحد أوجه الاستراتيجية الأمريكية في إقناع الحلفاء بالدفاع عن مصالحها وتحقيق أهدافها، وتشير الدلائل إلى أن أمريكا تتخلى عن حلفائها بمجرد الوصول إلى غاياتها. ينبغي أن يكون الموقف السياسي السائد في إقليم كُردستان متجهاً نحو البحث عن حلفاء جُدد، يُقدرون ما يقوم به الإقليم من دور في العراق والمنطقة، فعلى مستوى العراق أصبح الإقليم ملاذا أمنا لآلاف العراقيين الذين تم تهجيرهم في الحرب الطائفية التي شهدها العراق بين عامي ٢٠٠٤ – ٢٠١٦، فضلاً عن استقطاب مئات الشركات العراقية التي نقلت أعمالها إلى الإقليم بسبب تدمير البنى التحتية في المحافظات العراقية الأخرى، كما استطاعت قوات البيشمركة تحرير مناطق عدة في محافظة نينوى من سيطرة داعش.

زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى أربيل ينبغي ألا يُشار إليها على أنها حرص أمريكي على ترميم العلاقات الأمريكية – الكُردية، بقدر ما هي خطوة لنقل مراكز معلوماتها إلى الإقليم بعد نيتها الانسحاب من سوريا، فأمريكا غير مرحب بها في شمال سوريا، فهي من جهة تريد سحب قواتها وتبحث من جهة أخرى عن سيناريو لحماية قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني PKK.

علاقة تركيا بالإقليم مازالت مُتشنجة، إلا أن هنالك حلول تلوح في الأفق، فمن المزمع قيام رئيس حكومة الإقليم بعد تشكيل الحكومة بزيارة إلى تركيا للتوصل إلى صيغة جديدة فيما يخص علاقة تركيا بالإقليم
علاقة تركيا بالإقليم مازالت مُتشنجة، إلا أن هنالك حلول تلوح في الأفق، فمن المزمع قيام رئيس حكومة الإقليم بعد تشكيل الحكومة بزيارة إلى تركيا للتوصل إلى صيغة جديدة فيما يخص علاقة تركيا بالإقليم
 
الوجود الروسي في المنطقة

عادت روسيا إلى المنطقة بقوة، لتعويض الخسائر التي مُنيت بها في العقود المنصرمة إثر بقائها في منطقة الظل، إذ تسعى لإيجاد تحالف في الشرق الأوسط يضم الدول التي تضررت من السياسات الأمريكية. وجدت روسيا في استنجاد النظام السوري بها، فرصة سانحة للوصول إلى المنطقة سياسياً وعسكرياً.

صحيح أن روسيا لا تملك ثقلاً سياسياً في الإقليم يمكن مقارنته بالثقل الأمريكي، إلا أنها كانت حاضرة بشركاتها النفطية، إذ استولت شركة النفط الروسية (روسنفت) السيطرة على أنبوب نفط أربيل – جيهان عام ٢٠١٧، كما تأمل الشركة في تحديث خط أنابيب كركوك – جيهان للتحكم بعمليات تصدير النفط العراقي إلى تركيا.

إدارة الأزمة بعد الاستفتاء

بعد اعتراض أمريكا على إجراء الاستفتاء وتحميل حكومة الإقليم مسؤولية زعزعة استقرار العراق، توقفت الزيارات الرسمية الكُردية إلى أمريكا وبدأ الكُرد يوجهون انتقادات علنية للإدارة الأمريكية وبدا الجمود يخيم بظلاله على علاقة الجانبين. كان على حكومة الإقليم ترتيب أوراقها والخروج من أزمة الاستفتاء بأقل قدر من الخسائر، تحديداً بعد اتخاذ إيران وتركيا إجراءات انتقامية ساهمت في إيقاف حركة الطيران المدني والتهديد بإيقاف تصدير نفط الإقليم عبر تركيا وتسليم المعابر الحدودية للحكومة العراقية، عاش الإقليم أياماً صعبة تحت وطأة الضغوط الداخلية والإقليمية. أدار الرئيس السابق لإقليم كُردستان مسعود البرزاني ورئيس الحكومة نيجيرفان البرزاني الأزمة بكثير من الحكمة، رُغم التحديات الداخلية والمشاكل العالقة مع الحكومة المركزية ومحاولة الأحزاب الكُردية الموالية لإيران لإسقاط الحكومة وإجراء انتخابات مُبكرة.

علاقة تركيا بالإقليم مازالت مُتشنجة، إلا أن هنالك حلول تلوح في الأفق، فمن المزمع قيام رئيس حكومة الإقليم بعد تشكيل الحكومة بزيارة إلى تركيا للتوصل إلى صيغة جديدة فيما يخص علاقة تركيا بالإقليم للإبقاء على تحالفهما في ظل مجاذبات يشهدها الشرق الأوسط، أما علاقة أمريكا بالإقليم فتعول عليها أمريكا كما تعول على علاقاتها بالدول الأخرى في تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.