شعار قسم مدونات

متلازمة الشهرة في مواقع التواصل الإجتماعي

blogs هاتف

مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي فتحت آفاق أمام الجميع ليعبر كل فرد عما يريد بعد أن كان محصوراً في المواقع والصحف، لقد كشفت هذه المواقع عن وباء إلكتروني وفتحت مساحة لثلة من المصابين بمرض الشهرة لأن يخرجوا من جحورهم، هو مرض قديم لكنه مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وجد مرتعا خصبا أكثر ليبرز هؤلاء المرضى.. هذه الفئة تدعي الثقافة والمعرفة يبحثوا عن الشهرة فيسلكوا كل الطرق الملتوية للوصول اليها مهما كانت هذه الطرق، يتمثلون قاعدة: خالف تعرف.

فتجدهم ينتقون المواضيع الأكثر حساسية في مجتمعهم فهم يعرفوا أن الألسن ستلكوهم إما مؤيد ومصفق أو معارض ولا شك أن الواقع المر والحروب والبُؤس والفقر وسوء الأخلاق من مهيئات ذلك يقول ابن خلدون: ان الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها. وكذلك الفراغ سبب كبير في ظهور هذه الفئة. وحقيقة لو عدنا سويا إلى الوراء قليلا سنجد أن هذه العقلية المريضة لم تكون وليدة اللحظة بل منذ تشكُل العقل العربي الحديث حينما غزا نابليون مصر من حينها والعقل العربي يشعر بالنقص والتبعية والانهزامية فتجد أن مجرد قراءة كتاب ما يحدث ثقوبا في ذهنيته فيتسرب الكثير من الأفكار لديه فتجده يتبني أفكار غريبة لا صلة لها بواقعنا فقط مقلد وتابع. وكما قال ابن خلدون: المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده والسبب في ذلك أن النفس أبدًا تعتقد الكمال فيمن غلبها. أي مجرد نسخة مزورة دون روح أشبه بالتماثيل.

 

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لإشباع الرغبات ومساحة زائفة للمرضى والاستعراض ومساحة تلويث بيئة الوعي الإنساني ونشر التفاهة

نعود مجددا إلى مرضى مواقع التواصل الاجتماعي تبدأ هؤلاء الفئة بالتعبير عن مواضيع كالدين والجنس بطريقة مشاكسة ووقحة دون علم أو معرفة او غرض للبحث عن حل قضية تهم المجتمع فقط لأن المجتمع لم يعتادها وحينما يبدأ الخطوة الأولى بنشر مقال أو نص شعري أو صورة تنهال عليه التعليقات بين مؤيد ومعارض وحينها ينظر صاحب الصفحة بالتفاعل يبدأ الشعور بأهمية ذاته ويحمل نفسه مسؤولية كبيرة قد تصل الى الاعتقاد بدوره وقدرته على التأثير والتغير ويسيطر عليه إحساس يفيد بأن الآخرين ينتظرون ما سيقوله أو ينشره بل يصل أنه بنص فكرة وربع وعي يُخيل له أنه يدير عقارب الزمن ليصنع الأحداث ويغير مجرى التاريخ من على صفحات التواصل الاجتماعي.

 

ومن هنا تبدأ الأنا تتضخم شيئا فشيئا حتى تصل إلى الانفجار ويبدأ صاحب المرض بافتعال أحداث وأفكار وصور ويلهث وراءها ليزيد الظهور ويجمع أكبر عدد من المعجبين والمتابعين حتى لو كان على حساب كرامة الآخرين أو معتقداتهم ومقدساتهم ويبدأ بالتحرش بكل شيء للفت الانتباه الى درجة تنسيه كل القوانين وكل شيء فقط لسان حاله يقول ما أريكم إلا ما أرى. إن البحث عن الشهرة أصبح مرضا أو متلازمة الشهرة إن جاز لنا أن نسميه وهذا المرض يحقق لصاحبه رضا ذاتي ونشوة بمكانه في المجتمع وأنه أصبح حديث الكثير أخيرا.

 

لقد تحولت مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لإشباع الرغبات ومساحة زائفة للمرضى والاستعراض ومساحة تلويث بيئة الوعي الإنساني ونشر التفاهة. أصبح كطواحين هواء ليس له فائدة بينما المواضيع التي تكون محمولة بقضايا الإنسان وهمومه وتطلعاته لا أحد يقربها أو يناقشها ولكن رغم الوهم الذي قد يتسرب إلى ذهنهم أنهم مشهورين لكن الحقيقة المرة التي لا يريد هؤلاء أن يعرفوها هو أن الشهرة غير المرتكزة على المحتوى الإبداعي والمعرفي هي حالة مؤقتة ستتلاشى في السراب.

فهذه المواقع لا تؤسس لقيمة تدوم إلا ما أتصل بالقيمة ذاتها ولكن ما ينبغي علينا أن نعرفه أن حالة الفراغ والخواء وأزمة اللاوعي تستفحل وتستبد بالذاكرة الجمعية كل هذه تصنع أصناما في كل المجالات وهو من يعطيهم مساحة ضوء زائفة للظهور لاسيما أولئك الذين ينبروا ليردوا عليهم تحت مسمى الرد على الشبهات فيزيد من صنع نجوميتهم وإلا لو كان هناك وعي لما كان هناك مليمتر مساحة لهؤلاء المرضى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.