شعار قسم مدونات

41 حالة يوميا.. لماذا تزداد معدلات الطلاق في تونس؟

BLOGS الطلاق / مشاكل الزواج

"إنّ أبغض الحلال عند الله الطلاق" حديث نبويّ شريف يلخّص مدى خطورة حلّ عقدة الزواج بين الزوج وزوجه وبالأحرى إن كان للزوجان أبناء وبنات، حيث يصبح الأمر أكثر إيلاما وأشدّ وقعا على المجموعة الأوسع التي تحيط بمؤسسة الزواج. إذن الطلاق حسب مفردات التشريع التونسي هو حلّ عقدة الزواج سواء كان ذلك بتراضي الزوجين، أو بناء على طلب أحد الزوجين بسبب ما حصل له من ضرر، وفي حالة أخيرة بناء على رغبة الزوج إنشاء الطلاق، أو مطالبة الزوجة به. 

إن الطلاق ينبغي تركه إلا من حاجة، هو حلال ليس بحرام، ولكنه أبغض الحلال؛ لما فيه من التفرقة بين الرجل وأهله، فينبغي للمؤمن ألا يلجأ إلى الطلاق إذا وجد حيلة في ترك الطلاق. وللحدّ من عمليّات الطلاق داخل المجتمع التونسي التجأ المشرّع التونسي إلى منع التزوّج بأكثر من واحدة ثم إلى منع الزواج دون كتب رسمي أو ما يطلق عليه الزواج العرفي وأخيرا قيّد الطلاق بمسألة مبدئيّة وهي أن الطلاق لا يقع إلا أمام المحكمة حسب الفصل 30 من مجلة الأجوال الشخصية.

وإن حصل شبه المحظور وتطلّقا فإنّ الزوج محمول على الإنفاق على الزوجة متى كان الأمر يستوجب ذلك، ثمّ أن هذا الإنفاق يمتدّ شرعا وقانونا إلى من هم في حضانتها بنينا وبناتا على حد السواء.. حيث يصبح الزوج عادة ملزما بدفع غرامة مالية للزوجة إضافة إلى نفقتها ونفقة أبنائها ومنحة سكنها ويتمّ تقدير ذلك عن طريق المحكمة بالاعتماد على جدول قانوني محدد قد يجحف في حقّ الزوج واقعا خاصّة إذا كان دخله محدودا أو منعدما أصلا.

لا يمكن بأي حال إهمال عنصر هام ساهم بشكل كبير في ارتفاع نسب الطلاق في تونس وهو ما يسمّى زواج المصلحة حيث يتمّ تزويج أحد الطّرفين بطريقة شبه تقليدية ديدنها وجاهة الأسرة

ورغم أن القيود التي أعملها المشرّع التونسي حتى يحدّ من ظاهرة الطلاق في الأسر التونسية، فإن الإحصاءات المجراة سنويّا تؤكّد عكس ذلك حيث بلغ عدد قضايا الطّلاق التي تمّ البتّ فيها خلال السنة القضائية 2014-2015 في حدود 14982 قضيّة بمعدل 1248 حالة طلاق في الشهر الواحد و 41 حالة طلاق يوميّا وحالة واحدة كل 3 ساعات وهو لعمري أمر مفزع ويدعو إلى الحيرة والاستغراب في نفس الوقت.

ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد حيث سجّل مؤشّر الطلاق في تونس ارتفاعا مطّردا سنة 2018 ليبلغ مستوى 17000 حالة طلاق مما جعل أغلب مكوّنات المجتمع المدني ومن وراءهم الحقوقيين والإخصائيين الاجتماعيين إلى إطلاق صيحة فزع من أجل السرعة في البحث عن أسباب هذا التفكّك الأسري والذين يردّون الأمر أساسا إلى حجم التدخل العائلي في شؤون الزوجين وكذلك بالإضافة إلى غياب الثقافة الجنسية لدى كلا المترشّحين للزواج مما يجعل تفادي مفاجآت الليلة الأولى من الزواج شأنا مستحيلا، هذا إذا أضفنا سببا آخر يبدو أنّه أصبح يساهم منذ مدة قصيرة في هدم ما بقي من الأواصر الأسرية في تونس متمثّلا في الطّفرة التكنولوجية المهمّة التي حدثت على مستوى الشبكة السبرانية وشبكات التواصل الاجتماعي بتكوين عائلات افتراضية موازية إلى جانب العائلات الواقعية مما أحدث خللا بائنا في وظيفة الزوجين في الأسرة وهدّد الرباط العائلي بالزوال النهائي.

كما لا يمكن بأي حال إهمال عنصر آخر ساهم بشكل كبير في ارتفاع نسب الطلاق في تونس وهما ما يسمّى زواج المصلحة حيث يتمّ تزويج أحد الطّرفين بطريقة شبه تقليدية ديدنها وجاهة الأسرة ومكانتها داخل المجتمع أو بحثا عن المزايا الماديّة على حساب المعطى العاطفي. لا يمكن بأي حال حصر أسباب الطلاق في تونس ولكن عدّدنا بعضها وخاصّة الظاهر منها للعيان ولكن هذا لا يعني أنه لا وجود لأسباب أخرى عميقة مثل العنف الزوجي والفشل الجنسي والاعتداء على الأبناء أو رفض الإنفاق على العائلة. كلّ هذه الأسباب قد تدفع آليا بمؤسّسة الزواج إلى مصيرها المؤكّد وهو النهاية السريعة، لذا يعدّ أهمّ سؤال يطرحه المواطن التّونسي اليوم يتمثل في إلى أي مدى نجح تشريع الأحوال الشخصيّة في تونس في الحد من "ظاهرة" الطلاق وجنب الأسر التفكّك والاندثار؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.