شعار قسم مدونات

العمل المنظَّم الدقيق.. هكذا تلتحق بقطار النجاح!

blogs نجاح

لَعَلَّ أَحَد أَكْثَر الأَسْئِلَة التِّي تَدُور فِي عُقُولِ الشَّبَاب وتُسَيْطِرُ عَلَى أَفْكَارِهِم، سُؤَال المُتَنَاقِضَات، فَهُوَّ سُؤَالٌ طَوِيل عَرِيض ومُعَقَّد، يَحْتَاج مِنَّا إِلىَ الاستعانة بِالله، وَضَبْط النَّفْس وَحَمْلِهَا عَلىَ الصَّبْر الجَمِيل، الَّذِي لاَ شَكْوَى مَعَهُ وَلاَ جَزَعْ، وَرَغْبَة جَامِحَة فِي الوُصُول إِلَى بَرِّ الأَمَان. بَعْض مِن هَذِهِ الأَسْئِلَة الشَّاقَّة المُتْعِبَة، قَدْ تُلاَزِمِنَا مَرْحَلَة مُهِمَّة وَحَسَّاسَة جِدًّا مِنْ حَيَاتِنَا. إِذْ مِنَ المُمْكِن جِداًّ أَنْ تُدْخِلَنَا عَالَم غَيْرَ الَّذِي نَطْمَح إِلَيْه، حِينَهَا نُدْرِك أَنَّهَا الأَقْدَار، وَقَدْ تَكُون عَلَى شَكْلِ أَفْكَار، إِمَّا أَفْكَارك، أَنْبَتَها الله فِي دَوَاخِلَك، أَوْ أَفْكَار غَيْرك جَلَبَهَا الله لَك، وَيَسَّرَهَا وَوَضَعَهَا فِي طَرِيقك. طَبْعًا بَعْدَ كُلِّ هَذَا يَنْتَابَنَا شُعُور عَمِيق بٍنُور يُنَاوِرُنا فِي عَمَلِيَّات كَرّ وَفَرّ، يُرَبِّينَا مِن جَدِيد، يُعَلِّمُنا قَوَاعِد وَأُسُس النَّجَاح المُتَكَامِل، يُرْشِدُنَا وَيَحُثّنَا عَلَى الصِّدْق فِي النِّيَّة، وَفِي رُوح النِّيَّة مَعَ الله سُبْحَانَه وَتَعَالَى، وَالحَرَكَة والاجتهاد وَالَّتوَكُّل وَالإِيمَان بِالقَضَاء وَالقَدَر.

قَدْ تُشَكِّل سُورة الكَهف لغَالِبِيَّتنا، مَحَطة فاصِلة وحَاسِمَة لِكثِير مِنَ الأفكار، وَالأسئلة المتناقضة، خصوصا الآيات الكريمات التي نَقَلَتْ إِلَيْنَا نَصَّ الحِوار الذي دَار بين نَبِيّ الله موسى والخِضْرْ عليه السلام. الحقيقة الدقيقة التي يجب الإشارة إليها والتذكير بِها، هِيَّ أَنَّ الخِضْرْ، لَمْ يَكُون وَلِيّ من أولياء الله الصالحين فَقَطْ، بَلْ كان يمثل كذلك القَدَر نفسه، قَدَر نَبِيّ الله مُوسَى. قَدَر رحيم وعليم، يُمَثِّل يَد الله التِّي تُغَيِّر أَقْدَارَ الناس. الذين يَطرقون كل الأبواب، ويعملون بجميع الأسْبَاب، الذين يبحثون عَنِ التقدم والازدهار، فَيَدخلون الحياة مِن بابها الواسع، يمتلكون مُستوى عَالٍ مِنَ الذَّكاء، الاهتمام، الحب، المواظبة، المواكبة الاستمرارية والتوكل على مُسَبِّب الأسباب، خالِق الليل والنهار، في الوصول والحصول على المعلومة واستثمارها في تَنْمِيَّة ذَوَاتِنا.

مِن أجل الوصول إلى المعلومات المقدمة من الشخص الذي تربطنا معه مصلحة، يجب أن نكون قدر الإمكان متناغمين معه، لذلك من الضروري إقامة علاقة جيدة، حتى يشعر محاورنا بالراحة والقبول والفهم

أحد الأهداف الرئيسية للتنمية الذَّاتية هو المعرفة الدقيقة لِكَيْفِيَّة قِراءة خريطة الواقع، لِإيجاد حلول حقيقية مِن أجلِ التدخل على أرض الواقع عند الضرورة، لِتَحدِيد التَّغَيُّرات، وتقويم الاختلالات، وتَعْبِيد الطُّريق، لِتوسيع وتَحقيق إمكانيات النجاح. إن العمل وِفْقَ استراتيجيات علوم التنمية البشرية، يجعلك جاهزا، وَعلى كل المُسْتوَيات، لِدخولِ التَّجربة، حَاملاً مَوْقِف إيجابي جِدًّا مِن الفُضُول، وطاقات رَهِيبَة مِن الإِصْرَار والحَمَاس، وُمُستوى عَالِي مِنَ المُرُونَة، واستعداد نَفسِي وَجِسْمِي عَلى المُنَاوَرَة، وَجُرعات كَبِيرَة مِن المُثَابَرَة، مُحَصَّنَّة بِعقلية عِلْمِيَّة عَمَلِّيَّة مَحْضَة، تَقُود لتحقيق مَا وَراء كُلِّ سلوك، مَبْنِيٍّ على رَغبة عَمِيقة في التَّغْيِير.

بالنسبة للإنسان المسلم أول شيء يجب أن يقوم به عند التفكير في بناء مستقبل زاهر، هو التوكل على الله سبحانه وتعالى، ومعرفة الغَرَض من الحياة وليس فقط الهدف، لأن هذا الأخير ينتهي بمجرد تحقيقه، أما الغَرَض فهي الرُّؤْيَة، التي تستمر وتدوم حتى بعد تحقيق الهدف، وامتلاكها يتم عن طريق التخلص أولا من مرض الأعذار القاتل، سواء كانت مادية، أو نفسية، أو صحية، أو اجتماعية، أو شخصية، فعندما نستطيع القضاء على هذه الأعذار بصورة نهائية، نكون قد تمكنا من الاستفادة على أرض الواقع، مِن قُدُراتنا وقرارتنا وأفكارنا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نكون قد حققنا أهم شيء على الإطلاق، وهو مواجهة الأهداف، ومن خلالها مواجهة النَّفْسْ.

لِبُلُوغِ هَذِه الغَايَة، يَجِب أن يكون الهدف موجود في المستقبل، محصن بالتحليل المنطقي، والإمكانيات والقوات المتوفرة في الوقت الحاضر، حتى وَلَوْ كانت صَغيرة جِداً. عندها نكون قد حققنا وَوَفَّرْنا الجَوْ الملائم والتُّرْبَة الخِصْبَة، لِمنظومة الرُّقِيِّ والازدهار في كل شيء، بداية بِحُبِّ الله عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ الاجتهاد عَن طريق تَجْزِيئْ الهدف إلى أجزاء صغيرة وبسيطة، تَتَلاَءَم مَعَ المُسْتَوى المَعْرِفِي المُحَصَّل، فَرَغْمَ صِغره وبساطته، إلاَّ أنه يُعتبر قَاعِدَة حَيَوِيَّة للانطلاق إلى تَحْصِيل ما هو أعظم عَبْر مراحل متسلسلة تنجذب إلَيْك بواسطة قانون الانجذاب، نظراً لأنه أي شيء تفكر فِيه، هو بدوره يُفَكِّر فيك، وَيَكْبر ويتكاثر ويترعرع مِن نفس النوع، بنفس القوة ونفس الحماس ونفس الالتزام.

يَسْتَنِد هَذا العِلْم بأكمله على أركان أساسية، أَوَّلُّهَا الرَّبُّورْتْ (RAPPORT) هو العامل الرئيسي الذي يأخذ بعين الاعتبار جميع الاتصالات والتغييرات التي تتم في البرمجة اللغوية العصبية، هو مصطلح مأخوذ من التنويم المغناطيسي السريري حيث يستخدم لوصف العلاقة المتناغمة والمكثفة الموجودة بين الشخص المُنَوَّمْ وَالشخص المُنَوِّمْ، حيث يذهب كِلاهما عَلى قدم المساواة، ولكن بطريقة أكثر عمومية، مِن خلاله نفهم كذلك العلاقة التوافقية أو العلاقة القائمة بين شخصين. إذ مِن البَدِيهي أنه مِن أجل الوصول إلى المعلومات المقدمة من الشخص الذي تربطنا معه مصلحة، يجب أن نكون قدر الإمكان متناغمين معه، لذلك من الضروري إقامة علاقة جيدة، حتى يشعر محاورنا بالراحة والقبول والفهم، وتحقيقا لهذه الغاية فإننا سوف نَجْتَهِد وَنَتَفَنَّن في التواصل عَبْرَ لُغَةٍ بِدُونِ كَلاَم، مع احترام كل تحركاته، إيقاع تَنَفُّسِّهِ، الإيماءات ونبرة صَوْتِهِ، سُرْعَة كَلاَمِهِ، وضعية جِسْمِهِ.. إلخ.

إن القدرة على تقليد ما يفعله الشخص الآخر، والحفاظ على استمرار وثيرته، نُسَمِّيه البَّسِينْغْ (PACING)، وبهذه الطريقة سنجعل هذا الشخص يرى نفسه ينعكس فينا كما في المرآة، مما سيسهل علينا جميعا خلق الألفة والاستمرارية، وبمجرد أن نتمكن من التأقلم، فإن مهمتنا هي تَوجِيهه عن طريق تعديل بعض المتغيرات لجعله يتبعنا دون وعي، ثم نولد فيه التغييرات التي نريد تحقيقها، هذا الجزء الثاني هو ما نسميه بالقيادة، مِن الضروري جِدًّا أن تكون حواسنا مفتوحة بشكل جيد حتى لا نفقد تفاصيل الاتصال اللفظي، والتواصل غير اللفظي. 

كلنا نَكْبُر ونَتَقَّدَّمْ بأحلام وأهداف بعضنا البعض، الأحلام والأهداف النبيلة تحقق نجاحات كبيرة مستمرة في الزمن، ليس فقط للشخص بِعَيْنِهِ، بل تتعدَّاه لتشمل كل البشر
كلنا نَكْبُر ونَتَقَّدَّمْ بأحلام وأهداف بعضنا البعض، الأحلام والأهداف النبيلة تحقق نجاحات كبيرة مستمرة في الزمن، ليس فقط للشخص بِعَيْنِهِ، بل تتعدَّاه لتشمل كل البشر
 

بعد هذا العمل المنظَّم الدقيق، يَصِل قطار النجاح إلى مرحلة تحديد النتائج. إذن قبل الانطلاق إلى أي مكان، يَلْزَمُنَا التَّحَقق والتَّأَكُّد مِن الوِجْهة، لأننا حسب أهدافنا سَنُوَجِّه خطواتنا بالطريقة نفسها. وَعَلَيْه فَإِنَّه قبل البدء في جميع عمليات التغيير، يجب مَعْرفة الهدف المنشود، الذي نريد الوصول إليه، وأن نحدده بأكثر الطُّرُق دِقَّةً وَوُضُوحًا، وأخيرًا السلوك المرن، فَفِي نظام مُعَيَّن، نَجِد الشَّخْص الأكثر مرونة هُوَّ الذي لديه المزيد من ضَمانات النجاح، لأن أحد المبادئ الأساسية للتغير، هو أنه إذا واصلنا فعل الشيء نفسه، فسوف نحصل على المزيد من نفس الشيء، ليس لتغيير واقعنا فقط، ولكن لتعديل الخريطة التي تخضع لنا نحن والذين يرون هذا الواقع، بحيث نصبح قادرون على إدراك طريقة أخرى تسمح لنا أن نكون أكثر سعادة وأكثر فعالية لِمُواصَلَة السَّعْيْ وَرَاءَ مَعْرِفَة الغَرَضَ مِنَ الحَيَاة. 

هَذَا الغَرَضْ يُعطينا أسباب قوية تُحَفِّزَّنا على طلب النجاح، وَيَمْنحنا رغبة تَتَحول بدورها إلى أحاسيس، تُتَرْجَمُ إلى سُلوك، ثم بعد ذلك يأتي التخطيط والتقييم، وإعادة ترتيب الأولويات وِفْقَ جدول زمني عملي عِلمي مَرِنْ، يَستطيع مُسايَرة وتحمل مُستجدات وضُغوطات الحياة اليومية، كل ما سبق حَتْمًا سوف يدفعنا دفعا إلى التنفيذ المصاحب للفعل والتصميم والاستمات في تحقيق الغرض تحت أي ضَرْف مٍن الظروف. ثم بعد ذلك يأتي الدور على الانضباط الذي لاَ يُمْكن أن يتحقق إلاَّ بالمرونة التي تعتبر قانون من قوانين العقل الباطن الذي يقول حرفيا بأن الشخص الأكثر مرونة يحقق شيئين مُهِمَّيْنِ جدا، يتحكم في حياته ويحقق أهدافه، لأنه فقط مَرِنْ بما يكفي، ثم تحقيق الراحة بالمفهوم العميق للكلمة، بمعنى أن يكون الواحد مِنَّا على دراية عالية ودقيقة بمقومات الراحة، لأنها تُصْبِح لِوَحدها إنجاز ومصدر رئيسي لتوليد الطاقة التي تولد النشاط العالي للشخص. 

عندما تكون متأكد ومصمم على أنك لَنْ تتخلى عن تحقيق أحلامك، حينها سوف يَنْتَابُكَ شُعور بِمَعرفة مَوْقِف أحلامكَ مِنك، وهل هي كذلك تتقاسم معك نفس المبادئ ونفس الشعور، فتقول لك روحك بإيمان تام بِأنها متأكدة وَمُوقِنَة بأن الله سبحانه وتعالى لن يتخلى عنها، بعدها تصلك رسالة ربانية مَفَادُهَا أنه لا يمكن لأي قوة فوق الأرض أو تحتها تستطيع أن توقف طموحك، أو أن تسرق أحلامك، أو تغتصب أهدافك، طالما أن الحُلم مشروع، يخدمك ويحقق سعادتك وسعادة أسرتك، وسعادة كل الناس، نعم كُلّنَا جميعًا نَكْبُر ونَتَقَّدَّمْ بأحلام وأهداف بعضنا البعض، الأحلام والأهداف النبيلة تحقق نجاحات كبيرة مستمرة في الزمن، ليس فقط للشخص بِعَيْنِهِ، بل تتعدَّاه لتشمل كل البشر، الأمثلة كثيرة ومتعددة، لوفرتها وتعددها لَم نَعُدْ نُحس بها، وَلَا اسْتيِعَابِ فَلْسَفَتهَا التي تتغذى عَلَى التَسَامُح وَحُبِّ الخَيْر للجميع، والحَرَكَة تَحْتَ غِطَاء رَبَّانِي، لأنَّهُ قَطْعًا فِي الحَرَكَة بَرَكَة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.