شعار قسم مدونات

أمة اقرأ.. أسباب تحول بيننا وبين القراءة!

مدونات - القراءة

(اقرأ) كانت أول أمرٍ ربانيّ نزل على نبينا الكريم، وأول ما حثَّ عليه الإسلام طلب العلم، فجعله فريضةً على كلّ مسلمٍ. فقد كان للعلم والعلماء مكانةً كبيرةً في الاسلام والمجتمع، فهُم اللَبِنة التي يُبنى بها المجتمعُ الصالحُ المُنتِج المِعطاء. ولأنّ دوام الحال من المُحال فقد عزف الكثيرون عن طلب العلم بانشغالهم بالأمور الدنيوية ومما لا نفع منه ولا فائدة فيه.

والمُتتبع لحال المجتمع العربيّ يُلاحظ ما يُعانيه من نقص حاد في عدد القُرّاء، وهذا ما تُشير إليه الإحصائيات وما رصدتهُ في السنوات الأخيرة، معادلةٌ ثقافيّةٌ تفرضُ نفسها على الواقع. بمعنىً أصح لنقُل أنّ الناس فرضوها على الواقع من خلال تصرفاتِهم غير المُتوازنة فآلت بنا إلى هذا الحال الذي يزداد سوءاً، وينعكس على الأوضاع الاجتماعية، والثقافية، والمعرفية، والتعليمية، والتربوية للناس.

إحجامٌ شديد عن القراءة ومقتٌ لسيرتِها قد يصل بالبعض إلى صمّ الآذانِ وأخذ الأمر على محمل السخرية والاستهزاء! إذ ترى البعض يُقلّلون من قيمة الكتب ومن أهمية القراءة ودورها في الوعي الثقافي للفرد المجتمع، ويفضلون الخروج في نُزهةٍ أو رحلةٍ على أن يدفعوا ثمن كتاب. والبعض الآخر يفضّل أن يحفظ عشرات الأغاني أو النِكات الساذجة على أن يحفظ اقتباساً صغيراً أو بيتاً من الشعر أو شيء من الحكمة يُدعّم به آراءه أثناء النقاش. وفئة أخرى من الناس تُحبّذُ الخوضَ في أحاديثٍ بلا معنىً أو فائدة على أن تقرأ صفحة من كتاب. هذا الأمر مدعاة للقلق والتساؤل أمّة اقرأ باتت لماذا لا تقرأ؟! ما هي الاسبابُ التي تدفع الناس للإحجام عن القراءة والامتناع عن الامتثال للأمر الربانيّ الذي فُرض علينا؟ وهل مُجالسة الكتب أمر يبعثُ على المللِ والضجرِ للحدّ الذي يجعل الكثيرين يفرّون وينفرون منه؟!

معدل قراءة الفرد العربي في السنة يصل إلى ربع صفحة؛ مما يؤدي إلى تراجع كبير في نسبة القراءة للفرد الواحد. وبالتالي انعدامها لدى من تقلّ لديه هذه النسبة.

لو أجرينا بحثاً صغيراً عن هذه الأسباب لوجدنا أن أحد الأسباب الرئيسة التي تحول بين الناس والقراءة، هي مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة الفيسبوك. إذ بات هذا الموقع يشكل أكبر منصّة تواصل يقضي فيها الفرد أكبر قدرٍ ممكن من الوقت بين تصفّح المنشورات اللامُتناهية، ومُحادثة أشخاصٍ من شتى البقاع والتعرف عليهم في هذا العالم الوهمي، هذا العمل بدوره أدى إلى التهام وقت الفراغ لدى الأفراد، وفصلهم عن عالمهم الحقيقي الذي يعد الكتاب من أجزائه الأساسية، فالتطوّر والطفرة الكبيرة التي حصلت في التكنولوجيا انقلبت عليهم بدلاً من أن تكون عوناً لهم وسبباً في اتجاههم للعلمِ والمعرفة. حيث أنها صارت حجاباً يَحُول بينهم وبين القراءة مما أدى إلى تراجع نسبها بشكل ملحوظ!

سببٌ آخرٌ لا بُدّ أن يكون له أبعاده السلبية على المدى البعيد على الفرد خاصة وعلى المجتمع ككل ألا وهو المؤسسات التعليمية، إذ نجد أن هذه المؤسسات بشتّى أنواعها تقتصرُ على المناهج التعليمية المحددة. فتحصر الطلاب فيها وتأبى الخروج عنها ولو على سبيل الاستزادة والمعرفة، عدا عن كونها تتبع سياسة التلقين الذي يؤدي إلى خمول عقل الطالب، وتَنفيرِه من التعليم، ومقتِه للقراءة؛ فيصير يتحيّن الفُرص للهرب منها، ويبتعد عنها كلما لاح له ذلك، ومن هنا تبدأ الهوة بالاتساع والتزايد بين الفرد والكتاب.ثم إن المتتبع للمؤسسات التعليمية وخاصة الجامعات، يلاحظ أنّها تحوّلت من مؤسسات تعليمية إلى مؤسسات ربحيّة هدفها الأول هو جمع الأموال وتكديسها، ولو جاء هذا على حساب مصلحة الطالب. فكيف لجامعاتٍ هدفها جمع الأموال أن تبنى صرحاً علمياً على حساب أهدافها؟! وكيف لها أن تَحيد عن مُرتكزاتِها في سبيل دفعِ عجلةِ العلم للأمام؟!

أسئلةٌ كثيرة تطرح نفسها على الساحة الثقافية حين نقوم بمقارنةٍ نسبية بين عدد الناس في الوطن العربي –على سبيل المثال- وعدد القرّاء، إذ أنّ معدل قراءة الفرد العربي في السنة يصل إلى ربع صفحة؛ مما يؤدي إلى تراجع كبير في نسبة القراءة للفرد الواحد. وبالتالي انعدامها لدى من تقلّ لديه هذه النسبة، ومن هنا سيتضح لنا البون الشاسع والفرق الكبير الذي نُعاني منه، وأزمة القراءة التي تزداد تفاقماً يوما بعد يوم! فكيف لأمة اقرأ أن ترضى بهذه النسبة التي تكاد تتساوى مع عدمها؟! وكيف لها أن تنبذ الكتاب وتتجاوز الأمر الربانيّ بهذه البساطة؟! وهنا لا بد أن نتساءل ترى ما الأسباب التي تؤدي إلى فتور القارئ وملله بعد أن يقلب الكتاب لمدة لا تتجاوز العشر ساعة أحياناً؟! أين الخلل هل هو في الكاتب أم في المتلقي أم أن عصر التكنولوجيا والرقميات زاحم الكتب حتى أخذ مكانها وصار محل الاهتمام الأول لدى الكثيرين؟! كما أسلفت الذكر فإن الرقميات والتكنولوجيا كانت أحد الاسباب التي أدت إلى تراجع نسبة القراءة بشكل ملحوظ، ولكن ماذا عن الفئة المتلقية التي تصاب بالضجر والفتور هل الخلل كامن لديهم.