شعار قسم مدونات

ربح معركة لا يعني ربح الحرب

blogs ألم

بعد حادثة تجارية عشتها مع أحد الأصدقاء من جمهورية مصر العربية، ومثلت حالة من حالات التعامل الاقتصادي الحاصل في ظل الظروف الحالية، فسدت الصفقة، ولم تتم بسبب عدم اكتمال عناصر نجاحها، وحديثي معكم اليوم ليس عن الصفقة وطبيعتها، بل عن كلمة قالها صديقنا المصري فلفتت انتباهي لبساطتها وعلاقتها بالموضوع بشكل مباشر، حيث ألقى صديقنا كلمته ببساطته المعتادة وبلهجته المصرية المحببة وقال: عضة تفوت ولا حد يموت! مثل شعبي بسيط بكلماته ولكننا إذا ما قسناه بالواقع اليوم ستكون له الكثير من الدلالات على طبيعة رؤيتنا للأحداث من حولنا، وعلى أسلوب تعاملنا معها في الآن ذاته، ولا أقصد البساطة، بل أقصد الدلالة للمثل التي تتصل بكثير من مصاب شعوبنا في مجالات الحياة المتعددة.

في حياتنا الاقتصادية، لهذا المثل البسيط دلالات وافرة، وما تعيشه كثير من الأسر العربية بسبب الحروب والنزاعات والقلاقل في العالم اليوم، ناهيك عن التهجير القسري لملايين البشر من بيوتهم وأوطانهم قد غير من الروتين الاقتصادي اليومي لدى هذه الأسر، وعلى مستوى أوسع؛ أوجدت التقلبات السياسية مناخات اقتصادية ضاغطة خلخلت الواقع الاقتصادي لشعوب بكاملها، والعبرة كيف نفهم الدرس بشكل صحيح، ونقيم الأمور بشكل عقلاني، وندير الأزمة بحنكة وتؤدة وفق المتاح والممكن.

 

اجعل من مصابك وآلامك عضة صغيرة، وانظر لها نظرة استصغار مع تذكرك للإيجابيات العديدة من حولك تعرف عندها معنى البحث عن الغد في يوم شاق ومتعب، فقد عشت حالة ضعف، كمن يعضه ذئب أو كلب أو أسد

أما في السياسة؛ وعندما تتغلغل في كلمات المثل: عضة تفوت ولا حد يموت، ما بين الثورات والثورات المضادة، ما بين القيادات السياسية التي تتعاطى مع الواقع العام في الحكومات والمؤسسات والتيارات السياسية، وما بين الترهل الإداري في المؤسسات وانعدام الرؤيا لدى الأفراد، لها معناها في بعد التفكير والتخطيط والوقوع والعيش في الأزمات؛ لتأتي كلمات المثل العربي البسيط فتعقد المشهد بكامله، فلو فهمناها في بعدها السياسي العميق للذعتنا دلالتها، ولذهبنا فوراً لاقتباس العبر والدروس.

من المهم لنا في زماننا هذا أن نسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية، فالنصر نصر والهزيمة هزيمة، والنصر مرحلي أو شكلي أو عام أو مستقر والهزيمة كذلك، وربح معركة لا يعني ربح الحرب، وخسارتها لا تعني الموت، فإذا عشت بظرف من ظروف الهزيمة عسكرية أو نفسية أو تنافسية أو حزبية أو مصلحية، فتذكر هذا المثل الصغير، فبه يمكن لك تقييم الأمور وموازنة الربح والخسارة والمصالح والمضار ومستوياتها.

كما أن هذا المثل البسيط يحمل لنفسك في لحظات الأسى بعض السلوى والراحة، فتخفيف حدة المصاب لديك بوصف يجعلك تمتص الصدمة هو بحد ذاته نوع من الإدارة السليمة لذاتك تحت الضغط حتى تتجاوز أزمتك، وتتعالى على جراحك، وتنظر للأمور حولك بنظرة أكثر إيجابية، لا سيما إذا صاحبت هذه النظرة خطوات تقييم عقلانية تضع الأمور في نصابها الحقيقي والموضوعي.

 

فاجعل من مصابك وآلامك عضة صغيرة، وانظر لها نظرة استصغار مع تذكرك للإيجابيات العديدة من حولك تعرف عندها معنى البحث عن الغد في يوم شاق ومتعب، فقد عشت حالة ضعف، كمن يعضه ذئب أو كلب أو أسد، فلينظر إلى كون ذلك مرحلة زائلة ليحلق في البحث عن تدارك أسبابها في المستقبل كيلا يتم عضه مرة أخرى، وبذلك يفهم درس اليوم، ويستعد للغد.

رغم بساطة هذا الطرح- عزيزي القارئ – إلا أنه يحمل من معاني التعقيد ما يحمل، فكثير من الأشخاص والتيارات السياسية والدول تعيش مرحلة صعبة ما في حياتها؛ فتجعلها قرينة الموت، وشبيهة الكارثة الماحقة، وهي في الأصل جزء من مرحلة مغالبة وصراع فيه علو وانخفاض، ونصر وهزيمة، وقوة وضعف، ومؤامرات ودسائس وقلاقل وتقلبات كحال السياسة وتقلباتها عادة، فالموت موت، والعضة عضة مهما بلغ ألمها؛ فلنجعلها عضة تفوت، خير لنا من جعل واقعنا أملاً وجيلاً يموت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.